ان القوانين الاجرائية هي تجسيد لنضال الدساتير والمواثيق العالمية التي نادت بحقوق الانسان ، وقد تكون مهام القانون الاجرائي من أخطر المهام التي يقع على عاتق القضاة والمحققين القيام بها من خلال هذا القانون ، ولايمكن ان نتصور ان هناك نظام قانوني يخلو من القوانين الاجرائية حتى تلك التي كانت بدائية في نشأتها ، فرغم وسائل التحقيق العنيفة والقاسية التي كانت تمارس مع المتهمين الا اننا نجد ان القوانين التي صرحت بهذه الوسائل لاتخلو من الجنبة البسيطة لضمانات المتهم .
ان القوانين الاجرائية تعد اليوم من أهم الوسائل التي تحافظ على التوازن بين حقوق المتهمين وسلطة الدولة ، فلنا ان نتصور حجم الضرر الذي يحققه تجاوز هذه القوانين على هذا التوازن الذي يشكل الاخلال به تهديدا لوجود الدولة ، ومع ذلك، فإن الواقع يجسد وخاصة في الدول العربية، بما فيها العراق، تجاوزات كثيرة على هذه القواعد وخاصة من السلطات التحقيقية الأمر الذي يُقوّض مبدأ سيادة القانون، ويؤدي إلى نتائج خطيرة على مستوى العدالة والثقة بالمؤسسات القضائية.
ولعل التجاوزات التي تحصل على قواعد القانون الاجرائي وفي الكثير من الدول يمكن ان نصنفها الى نوعين من حيث الخطورة :
النوع الاول : هو التجاوز الحاصل من قبل السلطات التحقيقية ، وعادة ماتكون غالبية هذه التجاوزات لدى هذه الجهة ، وبتقديرنا ان خطورة هذه الظاهرة يمكن تفاديها من خلال اتخاذ الكثير من الاجراءات التي يمكن ان تحد من هذه التجاوزات ، وسواء كانت اجراءات عقابية حددها القانون ، او اجراءات اصلاحية لمنظومة العمل التحقيقي ، ومثالها العمل على بث الثقافة القانونية لدى العاملين في المجال التحقيقي ، من خلال الدورات المكثفة التي تبين اهمية القواعد الاجرائية والاثار الوخيمة لمخالفة قواعدها على المجتمع وسلطات الدولة ومنها السلطة القضائية التي يجب ان تكون دائما محل ثقة لدى جميع قطاعات الشعب .
النوع الثاني : وهو اخطر من النوع الاول لان نتائجه مدمره ولايمكن اصلاحها وان هذا النوع يُعد من أخطر أنواع الانتهاكات القانونية، لأنه يأتي من الجهة التي يُفترض بها أن تكون حامية للعدالة وراعية لحقوق الإنسان فعندما لا يلتزم القاضي بالقواعد الإجرائية، فإن الخطر لا يقتصر على قضية واحدة فقط، بل يمتد ليهدد النظام القضائي بالكامل ، لانه يؤدي الى زعزعة ثقة المجتمع بالقضاء وفقدان الثقة بالمنظومة العدلية ويخلق صورة لدى جميع طبقات المجتمع على ان العدالة خاضعة للاهواء او المصالح السياسية ، الامر الذي يؤدي الى تراجع مكانة القضاء السامية كمؤسسة مستقلة تشكل العمود الاساسي الذي تقف عليه الدولة بجميع موؤسساتها .
كلية المنصور الجامعة