18 ديسمبر، 2024 7:07 م

مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الواعية (7)

مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الواعية (7)

كل طائفة او جماعة او فئة قارعت القوى الكبرى او صارعت الاقوياء ؛ منيت بالهزيمة النكراء , وكل شعب او مكون اصطدم بالواقع وسبح عكس التيار ؛ دفع الاثمان الباهظة ؛ فالدهر لا يرحم المتهورين والمندفعين والحمقى والسذج ولا يصحح مسيرتهم او يقدم المشورة والنصيحة لهم .

وقد عانى العراق ولا زال من التيارات المختلفة والحركات العميقة والعصابات والمافيات المرتبطة بالخارج فضلا عن لوبيات المصلحة والنفوذ والتي تختبئ خلف عباءة الدين والعشيرة والسياسة والتجارة وغيرها , والتي تعمل بالضد من مصلحة الوطن والاغلبية العراقية , وهذه القضية لا علاقة لها بما نحن فيه من ضرورة العمل بمبدأ ( السياسة فن الممكن ) وايجاد الذرائع والمبررات لساسة الاغلبية الغيارى فيما يعملون ويتفاوضون وعن ما يتنازلون و يتبرعون للخارج ؛ فهذه الحركات والتيارات والعصابات والشخصيات خارج الدائرة اصلا , لأنها لا تريد الاستقرار والازدهار للعراق والعراقيين فهم كغربان البين يعتاشون على الجثث والجيف ؛ وهم ابرز مصداق للانتهازية والنفعية وعدم المبدئية .

إن الواقعية السياسية التي نتحدث عنها في هذه الحلقات وسياسة الامر الواقع ؛ ليست سوى منهجية لفهم متطلبات الواقع ومعرفة الضغوط الداخلية والخارجية وتشخيص مواقع الخلل ونقاط الضعف ، وتحليل موازين القوى في الواقع ، وفرز الأهداف الممكنة من المستحيلة، في إطار الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه المجتمع والدولة والامة والاغلبية العراقية ، والحكمة في ترتيب الأولويات ؛ خدمةً للصالح العام ، وفي إطار الحرص على التعايش، وضمان الانسجام الداخلي والأمن الخارجي، وحلّ النزاعات دون عنف، وتغيير الواقع تدريجيًا دون تعسّف , وإعادة التموقع ضمن المعادلات الجديدة , وتمكين ابناء الاغلبية الاصيلة من ادارة الدولة بصورة حكيمة ومستديمة , وغلق الابواب وبصورة نهائية امام دعوات الحركات والاحزاب والتنظيمات القومجية والبعثية والطائفية والارهابية والدكتاتورية والدموية المنكوسة والمشبوهة والتي تريد الرجوع بنا الى المربع الاول والطريق المظلم مرة اخرى … ؛ وكل ما تسمعه من البعض من صياح وصراخ وتشدق بالشعارات الوطنية والدينية وغيرهما ورفض لسياسات الامر الواقع التي ينتهجها الغيارى والاذكياء من ساسة الاغلبية ؛ ليس الهدف منها حماية ثروات الوطن او اكرام المواطن او الحفاظ على الحقوق ؛ بقدر ما تعني ابعاد الاغلبية العراقية عن السلطة وبشتى الطرق والوسائل , وافشال التجربة الديمقراطية , والاطاحة بالعملية السياسية , ونسف كل المكتسبات والامتيازات التي حصلت عليها الاغلبية .

نعم هنالك بعض السذج والحمقى والمغفلين وانصاف المثقفين من المحسوبين على الساسة والسياسة ؛ يرفضون التعامل مع الأمر الواقع ولا يؤمنون بمبدأ السياسة فن الممكن ، ويحاولون الوقوف بوجه الاقوياء وتحدي القوى الدولية الاستعمارية والاستكبارية الكبرى ؛ لا من خلال العلم والواقع واعداد المستلزمات الضرورية لمقارعة الاعداء ؛ بل من خلال الادعاءات ( الثورجيّة ) ورفع الشعارات الطوباوية والمقولات الفتنازية والمثالية الساذجة والحُلم الواهم ، والتطرّف والصداميّة والميل لاستخدام العنف في كل صغيرة وكبيرة ، وتغليق كل تلك الحماقات والسلوكيات والتصرفات والازمات والانتكاسات بالقيم والمبدئية والدين والوطنية والانسانية … الخ ؛ بل والادعاء بأنهم حريصون على تغيير الواقع بما يحقق مصالح الوطن والمواطن والامة العربية والاسلامية ؛ بينما تفضي شعاراتهم وحركاتهم وتحركاتهم وقراراتهم الى تعقيد الامور وتعطيل المشاريع والانشطة والفعاليات الاقتصادية وتأزيم الاوضاع الاجتماعية وتفاقم المشاكل الصحية والتربوية والتعليمية والامنية وغيرها ؛ ودفع المجتمع نحو الهاوية والصراعات والنزاعات المسلحة … الخ .

وعليه ليس كل من تنازل عن بعض الحقوق الوطنية او تبرع ببعض الثروات العراقية للآخرين او قدم بعض التنازلات ؛ عميلا خائنا , وليس كل من دافع عن صون الثروات الوطنية وامتنع عن التنازل للقوى الكبرى , وسار بطريق المواجهة مع الاقوياء وخاض المعارك والحروب الخاسرة ؛ وطنيا غيورا او مسؤولا حكيما ؛ فالمناط في صحة هذا الرأي او ذلك , هو بقاء الحكم بيد الاغلبية العراقية الاصيلة الغيورة وعدم السماح للغرباء والدخلاء والمجرمين والجلادين والطائفيين والتكفيريين والارهابيين من الحكم مرة اخرى ؛ والعمل الحثيث على تحصيل حقوق الاغلبية والامة العراقية ضمن حدود الممكن والمتاح .

فلا تستغرب عزيزي القارئ عندما ترى ساسة الاغلبية الغيارى يمدون ايديهم الى بعض المشبوهين والاعداء الداخليين , او المرتبطين بالمخابرات الدولية والانظمة الاقليمية احيانا , او عندما يعقدون تكتلات نفعية وتحالفات غير طبيعية , او يقدمون تنازلات , او يغضون الطرف عن الثوابت ويتراجعون عن أولويات مصيرية وحيوية – من باب ليس باليد حيلة – ، مما قد يؤدي الى تشرذم القوى السياسية والانقسامات المجتمعية والفوضى والتراشق الاعلامي وسيطرة المد الشعبوي على حساب الخط النخبوي احيانا … الخ .

وهل تعتقد عزيزي القارئ ان العراق الذي كان يبذر امواله على الشرق والغرب , والحكومات الهجينة والعميلة والدكتاتورية والتي قدمت ثروات الوطن على طبق من ذهب وطوال 83 عام للإنكليز والاتراك ثم الامريكان وغيرهم ؛ فضلا عن النهب المستمر والاستنزاف الدائم لخيرات واموال العراقيين , والتي كانت تذهب الى جيوب مواطني الدول العربية وانظمتها الحاكمة , والشيء بالشيء يذكر ؛ فقد صرحت احدى الاعلاميات الاردنيات المتباكيات على سقوط نظام صدام والبعث عام 2003 ؛ بأن العراق كان عبارة عن قدر كبير ولكل عربي مغرفة يغرف منه متى يشاء وكيفما يشاء , فالثروات العراقية هي ثروات قومية للامة العربية قاطبة , وهذه الاعلامية قد كشفت هذه الحقيقة الواضحة ؛ في الوقت الذي كان العراقيون يعانون الامرين واطفالهم يموتون من الجوع ونقص الحليب والدواء … ؛ ناهيك عن المليارات المهدورة في معارك الوكالة وحروب النيابة عن الاخرين الخاسرة … الخ ؛ سوف يترك لشأنه ويتنازل الجميع عن حقوقهم الباطلة وامتيازاتهم الغاشمة طوال 83 عام في بلاد الرافدين ؛ لسواد عيون العراقيين او ابناء الاغلبية الاصيلة المظلومين والمبعدين والمهمشين طوال قرن من الزمن تقريبا …؟ّ!

ولا تنسى عزيزي العراقي الاصيل الواعي ان الامن يشترى , و ان الحكم لا يدوم الا بالتنازلات والاتفاقيات والمعاهدات , وكل من يغرد خارج السرب يلقى حتفه ؛ فأبناء الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة قدموا التنازلات تلو التنازلات وطوال 83 عام من حكمهم الاسود وطالت تلك التنازلات الاراضي العراقية الشاسعة والمياه الوطنية فضلا عن الثروات والخيرات الوطنية بل واسرفوا باراقة دماء العراقيين الاصلاء ارضاءا لاسيادهم الاجانب والغرباء , مقابل البقاء في الحكم لمدة قرن من الزمان تقريبا , فهل تريد ايها العراقي الاصيل البقاء في الحكم وانصاف الامة والاغلبية العراقية واحقاق الحق وازهاق الباطل , من خلال العنتريات الخيالية والشعارات الساذجة والمواجهات الفاشلة والتحديات الخطيرة واللعب بالنار مع القوى الكبرى ؟!