الغريب في الموقف الاميركي والايراني بعد الاحداث الاخيرة التي شهدها العراق اثر سقوط محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك بيد المسلحين، هو هذا التدخل الفاضح في الشأن العراقي، والذي يتعارض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وسيادة الدول واستقلالها ويعرض أمنها القومي لمخاطر جمة ، يتمثل في نوايا تدخل عسكري أمريكي ايراني في الشأن العراقي ، ونضع بين ايدي صانع القرار الاميركي الملاحظات التالية:
1. في ليلة العاشر على الحادي عشر من حزيران كان بيان الخارجية الاميركية الذي عبرت عنه الناطقة بإسم الوزارة جين بساكي اكثر توازنا ، ازاء مجريات الاوضاع في العراق ، ويشير الى ان الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريا في العراق مرة أخرى، وهو منطق كان يقنرب من الحكمة وعده ابناء العراق مؤشرا على ان الولايات المتحدة لاتريد تكرار تجاربها المأساوية في العراق، وما جرته حربها الظالمة عليه من اهوال على مصالح الولايات المتحدة وعرضت السلام العالمي للخطر،وان الولايات المتحدة وضعت اللوم على رئيس الحكومة العراقية في انه لم يتجاوب مع مطالب شعبه، ولم يحسن التعامل معه بالطريقة التي تعيد له كرامته المهدورة، ما وضعه في موضع المواجهة وشن الحرب عليه، وكانت الحرب على الانبار واحدة من أخطائه الكارثية، التي أحدثت كل هذا التوتر والاضطراب في الوضع العراقي ، وكان سقوط نينوى وصلاح الدين وكركوك ومناطق اخرى ( وكسة حزيران ) وليس ( نكسة الخامس من حزيران ) كما وصفها السياسي العراقي المخضرم حسن العلوي، وعد حصول هذا التطور الدراماتيكي التراجيدي ، تمريغا لأنف الشيعة واذلالا لهم، وضياعا لمستقبل العراق، في وقت عده اخرون ، استرجاعا لكرامتهم وثأرا لما تعرضوا له من اهانات واذلال وقتل وتدمير ممنهج لمحافظاتهم، حتى انهم عدوا الاوضاع الجديدة على انها أشبه بحالة ( انقلاب ) ، وتوديعا لحقبة مظلمة في تأريخ العراق، بل من أشد أيام العراق حلكة وظلاما وانتكاسة للكرامات.
2. تفاجأ العراقيون بعد يوم واحد من بيان الخارجية الاميركية اي في الثاني عشر من حزيران ان الرئيس الاميركي اوباما قد غير من قناعاته ازاء امكان التدخل العسكري في العراق واحتمال قيام الطيران الامريكي بقصف المحافظات العراقية التي سقطت بيد المسلحين، وهذا يعني عودة بالعراق الى اجواء الفوضى والفلتان والتدمير والقتل والترويع للعراقيين، لمجرد ان بعض ساسة البيت الابيض قد اظهروا لاوباما ضعف سياسته ازاء العراق، ما اضطره الى اعلان قدرته على الرد لمجاراة خصومه السياسيين في الادارة الاميركية أزاء ضعف تعامله مع الازمة العراقية قبل حدوث التطورات الاخيرة، ولكي يثبت امامهم انه مايزال قويا وليس ضعيفا فقد اراد تجريب حظ امريكا مرة اخرى في الوحل العراقي، عله يستعيد شعبيته التي تدنت كثيرا، حتى ولو على حساب الملايين من ابناء العراق الذين سيذهبون قتلا وتدميرا ارضاء لنزات الحاكم الاميركي الذي ثار فجأة، ليبعد عن نفسه تهمة الجبن والخنوع، ولكن هذه المرة برأس العراقيين الأبرياء.
3. ولكوننا نهتم بالسياسة الاميركية واسلوب تعاملها مع الملف العراقي فيمكننا ان نقدم لهم النصائح التي كثيرا ماقدمناها لهم ، لتجنيب شعبنا ويلات الكوارث والدمار والنكبات ، مثلما نحرص على الشعب الاميركي لكي لايواجه الاذلال مرة اخرى مع العراقيين، فالعراقيون لايتمنون حتى لعدوهم ان يواجه المهانة والاذلال اذا كان لهذا العدو بقية عقل، واحتراما منا للشعب الاميركي الذي لاناقة له في التدخل الاميركي في العراق ولا جمل.
4. ان العرض الذي تقدمت به ايران للتدخل العسكري في العراق بنيتها ارسال قوات من فيلق الحرس الثوري لمقاتلة العراقيين كان يفترض ان يواجه برفض قوي من الامريكان، بعد ان عرفوا نوايا ايران في العراق وخبروا توجهاتها غير المشرفة ازاء العراق، وتريد طهران تكرار السيناريو السوري في العراق بان تدخل قواتها في حرب دامية ليروح ضحيتها الاف العراقيين ، وهناك اطراف عراقية عليا في الحكومة العراقية للأسف تدعم هذا التوجه وترحب به في السر والعلن، بل ويعده ( البعض ) انقاذ لماء الوجه امام ما حل بالعراق من نكبات وهزائم ونكسات، آخرها ( نكسة التاسع من حزيران ) أو ( وكسة حزيرا ن) التي هي أشد وطأة’ من نكسة الخامس من حزيران من وجهة نظر السياسي العراقي المعروف حسن العلوي، والمرارات التي عبر عنها خلال لقائه مع مقدم برنامج ستوديو التاسعة مع أنور الحمداني ليلة حدوث النكسة او الوكسة المريرة، وكان الرجل دقيقا في وصف الحالة بالمعنى الدقيق الذي يعطي لكل ذي حق حقه من الوصف، حتى انه قال ان الوكسة تعد اهانة للشيعة امام العالم كله، ولم يشهده لها التاريخ العراقي مثيلا في العصر الحديث.
5. وهل يعقل ان الولايات المتحدة وبكل جبروتها وقوتها ودهائها تعطي الضوء الاخضر لايران لكي يكون تدخلها بهذا الشكل السافر من التدخل ليس في الشأن العراقي فحسب بل في شؤون دول المنطقة؟.. الا يكون بوسع الولايات المتحدة ان تكبح جماح ايران وطموحاتها غير المشروعة ضد المصالح الامريكية اولا قبل شعوب المنطقة وهي متأكدة من ان الولايات المتحدة للاسف تبدو وكانها خائفة من ايران، وخوفها ليس له ما يبررها ، واذا لم يكن هناك لامريكا الدولة الوحيدة التي تتحكم بمصير العالم القدرة على وضع حد للهيمنة الايرانية وهي الان تنتظر اشارة من اتباعها في العراق ليعطونها ( مشروعية ) التدخل اذا ما شعروا ان كرسي السلطة اصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط.
6. ان العراقيين ينتظرون تدخلا ايجابيا سريعا وفاعلا ومثمرا من الولايات المتحدة يضع النقاط فوق الحروف ، وعليها ان تقول لكل القادة العراقيين أن امامكم خيارا واحدا هو ان تحترموا ارادة شعبكم وان الذي لا يريد ان يحترم ارادة شعبه عليه مغادرة السلطة بأسرع وقت لان الولايات المتحدة ليس بمقدورها الدفاع عن قادة فاشلين احرجوها امام الشعب العراقي واوصلوا العملية السياسية الى منحدر خطير أودى بها واوصلها الى هذا المصير الذي لايحسد عليه، وان تقيم نظام حكم على شاكلة (حكومة الانقاذ الوطني ) قبل ان تنفلت الاوضاع في العراق وتتدحرج اوضاعه نحو الحرب الاهلية، وما تعنيه من مآس وويلات ومحن، ربما تنقلب على الامريكان انفسهم وعلى شعوب المنطقة بأسوأ العواقب.
7. ليس معيبا ان توسع الولايات المتحدة من حواراتها مع اطراف مؤثرة خارج العملية السياسية لاشراكهم في هذا الحوار شرط اعطائهم ( ضمانات) بأن يكون لهم دور ايجابي في مستقبل العراق وان تؤكد لهم ان عهد الاستفراد والطغيان قد ولى الى غير رجعة، فالحاكم الذي لايحترم ارادة شعبه ليس بمقدور الولايات المتحدة ان تقف معه في الحق والباطل.
8. هناك نوايا من قبل البيشمركة لاخضاع كركوك وضمها الى اقليم كردستان بعد ان سيطرت البشمركة بشكل كامل على مقدرات هذه المحافظة النفطية استكمالا لنيتهم الحاقها بإقليم كردستان وهو امر خطير ينبغي ان يضع العراقيون جميعا الولايات المتحدة هذا نصب أعينهم، مستغلين سيطرتهم الحالية عليها لضمها لدولة كردستان المرتقبة بحجة انهم من حموها بعد ان تركها الجيش العراقي وهرب منها ومن باقي المحافظات العراقية.
هذه مؤشرات سريعة نضعها بين ايدي صانع القرار الاميركي علها تكون معينا للعراق ولهم كدولة كبرى وتخليص الجميع من ورطة الاحراج والمنحدر الخطير الذي يمر به العراق، في أصعب ظرف حرج، يتطلب موقفا يبتعد عن التعويل على الخيار العسكري قدر الامكان، لان استخدامه مرة أخرى ضد العراق سيعرض المصالح الامريكية في المنطقة لاضرار فادحة.