التمعن في مخاطر ودلالات الإتفاق الذي جرى بين الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الامن ، إضافة الى المانيا المسماة بالسدادسية ، والذي جرى توقيعه مع ايران في جنيف في الرابع والعشرين من تشرين الثاني ، يحمل دلالات كبيرة تنجم عنه مخاطر مستقبلية على العراق ودول المنطقة ، يمكن تأشيرها كما يلي :
1. ان الإتفاق يعد فعلا ( مكسبا سياسيا ) لإيران لم تكن تحلم بالوصول اليه ، لولا رغبة الرئيس الاميركي باراك أوباما في ان يحصل على أي منجز سياسي يحقق له الصعود في أسهم الانتخابات بسبب الانتقادات الموجهة اليه على ضعف إدارته للأزمات ، وعدم قدرته على تحقيق حلم الادارة الاميركية وإسرائيل في ان يقوض دائم الانظمة التي تريد الخروج عن فلك السياسة الاميركية أو تشكل تحديا لها أو تحاول منافستها على المسرح الدولي او الظهور مستقبلا كعامل خطر يمكن ان يعرض مصلحة الولايات المتحدة الى الخطر.
2. ان الاتفاق في الوقت نفسه يحاول اعطاء الولايات المتحدة والرئيس الاميركي اوباما نصرا دبومايسيا يؤكد للغرب ان الولايات المتحدة خلصت العالم العربي من اثار ازمة قد تضطرها لاستخدام القوة العسكرية وما يترتب عليه من خسائر فادحة، ليس بالنسبة للولايات المتحدة بل للعالم الغربي عموما ، وهذا ما دعا الغرب الى ان يسهم مع امريكا في رصد 4.2 مليار دورلار لإيران ، جراء موافقتها على الاتفاق ، وان المبلغ المذكور هو اصلا جزءا من أصول وودائع إيرانية لدى الغرب وقد أفرج الغرب عنها ، وبإمكان ايران الاستفادة منها لاغراض تطوير قدراتها الاقتصادية.
3. ان العراق ودول الخليج ، بل ودول المنطقة عموما ، هي المتضررة الاكبر من هذا الاتفاق ، فهو وإن ضمن مراقبة دولية لبرنامج ايران النووي ، الا ان بمقدور ايران تطوير قدراتها في انشطة نووية سرية بعيدا عن اجواء الرقابة الدولية، وهو ما يبقي المنطقة في لهيب الازمات ، وبخاصة أن إيران لديها حلم بأن تبقى تتحكم بمصير المنطقة لسنوات وتبقي ثقل تدخلها في شؤون المنطقة واضحا ولافتا للنظر.
4. ان الاتقاق في نظر ايران سينعش مكانتها في المنطقة مجددا ، وسيكون لها اليد الطولى في تقرير مصير كيانات وانطمة فيها ، وسيبقى تدخلها في الشأن العراقي واضحا، ويعد من وجهة نظر العرب خسارة كبيرة للسلام العالمي يعرض مصالح دولها الى الخطر المستمر لسنوات طوال,
5. ان الادارة الاميركية اعطت فرصة مرة اخرى لايران لان تتحكم في مسارات دول المنطقة وربما جاء الاتفاق ( مكافأة ) لها على الجهد المشترك الذي بذلته كل من الولايات المتحدة وايران في إجراء ( تفاهمات ) للتحكم في مسارات المنطقة ومنها العراق ، وإتخاذ ايران وسيلة للضغط عليها لترويض أنظمة المنطقة ، مع التلويح لايران بانها ستتعرض لضربات عسكرية ان بقيت تعاند رغبة دول الغرب في ان تحقق معها اتفاقا معقولا يسمح لها بان تبقي مفاعلاتها سليمة ، إن رضخت إيران لإرادة الغرب ورغبته بان تنسجم معها.
6. ان ايران بالمقابل انهت التهديد العسكري واحتمالات تعرضها لضربات عسكرية حتى وان بقي التهديد الاسرائيلي لها ، لكنها إطمئنت من ان الغرب سيضفط على نتانياهو لكي يخفف من لهجته ازاء ايران، كونها اصبحت دولة صديقة للغرب أو لاتظهر عداوة معه، ، وربما تخرج عن دائرة الإتهام لها بانها تعد ( محور الشر ) بعد ان رضحت لادارة الغرب في ان تسمح للرقابة الدولية على منشآتها ، لكن التخصيب الايراني لن يتوقف وسمح لايران بدرحات معقولة من التخصيب ربما ستحرمها من فرص التصنيع النووي للاغراض العسكرية لكنه لم يمنعها كلية من ان يكون لها مصانع سرية وربما بمعونة شركات كورية شمالية وروسية لتطوير قدرات ايران في المجالات العسكرية ذات الطبيعة النووية.
7. ان ايران وجدت نفسها الان في وضع دولي مريح بعد ان هدأت مخاوف الغرب بعض الشيء ، لكن الغرب لن يطمئن لايران، وهو يعرف طموحات ايران ورغبة حكامها بأن يكون لديهم فرصة لأن يفرضوا ارادتهم على المجتمع الدولي بعد ان وضعت إيران ركائز قدم لها في العراق وبعض دول المنطقة في ان يكون لها يد في التحكم بمقدرات هذه الدول لسنوات طوال.
8. ان الغرب يدرك ان بقاء التهديد الايراني للعراق ولدول الخليج ودول المنطقة ضروري، فهو لايريد ان يقلم أظافرها، لكنه يريد فقط ان تساير رغباته وأن لا تخرج عن الطريق مقابل غض النظر عن بعض تدخلات ايران في شؤون دول المنطقة، وبخاصة العراق الذي سيبقى عنصر تحكم أمريكي ايراني ضاغط عليه لسنوات لكي لايكون بمقدور العراق ان ينهض مجددا على قدميه ، لان نهوض العراق سيكون اعادة لدوره ومكانته وسيكون بوسع الدول العربية التحالف معه مستقبلا، بعد ان ادركت انها بدون العراق لاتساوي شيئا ، وان مصر وان كانت لها مكانة ، الا انها تراجعت كثيرا بعد انهيار العراق وان عودة العراق الى مكانته يعيد لمصر دورها هي الاخرى ويمكن للعراق ان يحيي المحور العربي من جديد ، ولهذا يجد الغرب ان افضل طريق لتركيع العراق هو في فرض أنظمة موالية لإيران او بمصادقة منه ، بل ان ايران اصبح لها اليد الطولى في التحكم بمقدرات المنطقة.
9. ان شركات النفط الغربية ترى في النفط الإيراني على انه مخزون ستراتيجي كبير يحقق لها أرباحا ضخمة، كما أن إيران أحد أسواق الغرب المهمة للتكنلوجيا الغربية، وللصناعات الإيرانية ، وتحقق من جراء التعامل معها أرباحا بمئات المليارات من الدولارات،ولا يمكن للشركات النفطية الغربية والاميركية على وجه الخصوص ان تترك المخزون الإيراني الهائل دون ان يكون لها يد في التحكم بهذا المخزون في الساحة الدولية.
10. ان الرئيس الاميركي أوباما ، ربما يعد الإتفاق الإتفاق ( نصرا سياسيا ) ، إذ أعاد اليه بعض حالات إرتفاع مؤشرات أسهمه الإنتخابية ، وقلل من حاجز الإنتقادات الموجهة ضد إدارته، بعض الشيء، وبخاصة ان أوباما يميل الى النهج السلمي لحل الأزمات، حتى وإن خسرت أميركا بعض سمعتها، قليلا، فتجربة التدخل العسكري المريرة في العراق وأفغانستان ، ما زالت درسا يؤرق أميركا، في أن لاتعيد تكرار تلك التجربة المأساوية المريرة ، التي كبدتها خسائر باهضة ، سياسيا وعسكريا وماليا، أكثر مما ربحت، حتى وإن أزاحت العراق عن واجهة الأحداث ، وأبقته خارج دائرة التأثير ضمن محيطه العربي.
11. بعد توقيع ايران لهذا الإتفاق ترى دول الخليج العربية انها ستبقى مضطرة لأن تمتلك هي الأخرى قدرات نووية، ولن تبقى مكتوفة الأيدي أزاء تهديدات إيران المستمرة لها وتحدي أنظمتها، وهي لهذا ستنفق مليارات الدولارات على برامج نووية للأغراض السلمية، إن أرادت أن يكون لها تأثير في المسرح الدولي، وكان يفترض بالسعودية ودول الخليج ، ذات القدرات المالية الهائلة ، امتلاك قدرات نووية منذ فترة طويلة ،إضافة الى أمتلاكها أسلحة متطورة ، لا ان تبقى ساحتها جرداء، ليس بمقدورها مواجهة التحديات الإيرانية المستمرة في تحدي دولها، كما ان دول الخليج وبخاصة السعودية ، ستبقى عامل ضغط على الغرب ، لكبح جماح طموحات إيران النووية العسكرية في ان يكون لها اليد الطولى في التحكم بمقدرات المنطقة، والغرب يدرك مخاوف دول الخليج وهو يجيد لعبة حلب هذه الأنظمة وإبقاء إيران عنصر تهديد مستمر لها يرغمها على .
من خلال هذا الإستعراض يتبين لنا مقدار الأهمية التي حصلت عليها إيران من ( مكاسب ) ، عندما أرادت ان لاتكرر تجربة العراق في تحدي المجتمع الدولي ، بقبولها التوقيع على هذا الإتفاق مع الغرب، وتجنب ضربات عسكرية تخطط لها جهات في الكونغرس بدفع إسرائيلي ، وإستطاعت إمتصاص نقمة الغرب عليها ، بعد إن هدأت من روعه من تأثيرات برنامجها النووي البالغ التعقيد ، ووفرت لها فرصا من التخصيب تحقق لها بعض أحلامها في أن تحافظ على ديمومة بقائها كدولة قوية، تتحكم بمسارات المنطقة وترسم أدوار انظمتها لسنوات، وهو ما خلصها من ضربات كادت تؤدي الى تحطيم قدرتها، ما وفر لها قدرات سياسية واقتصادية ربما تفتح لها آفاق تطور أفضل مع الغرب مستقبلا.