23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

مخاتلات القيادات الكردية في اللعبة الديموقراطية في العراق

مخاتلات القيادات الكردية في اللعبة الديموقراطية في العراق

غداة سقوط النظام العراقي السابق وجدت اغلب القوى السياسية العراقية المعارضة نفسها امام وضع اكبر من استراتيجياتها بكثير واكبر من توقعاتها بكثير واكبر من كل خططها . القوى الوحيدة التي كانت تعرف ماذا تريد هي القوى الكردية . فقد اتاحت لها عملية الحماية الدولية لكردستان العراق الخبرة والوقت للتفكير والتدبير في حين ان القوى الاخرى كانت تتخبط . فالقوى السياسية العربية السنية اصابها الذعر خشية ان تتحول الى اقلية مضطهدة وتتحمل كل اوزار النظام السابق والقوى السياسية الشيعية كان ما يزال يهيمن عليها احساس العقلية الاقلوية والخشية من عودة التهميش والاضطهاد . اما القوى اليسارية التي تخلت عن افكارها حول قيادة الطبقة العاملة والحزب الواحد والحزب القائد تحولت الى قوى ليبرالية لا تجيد اللعبة الليبرالية ولا تمتلك الشجاعة للافصاح عن كل متطلباتها .وهكذا .
فان الاكراد هم الوحيدون من كل القوى السياسية العراقية التي تعاملت مع مرحلة ما بعد التغيير بكل شجاعة وبصيرة نافذة . فمنذ الايام الاولى بدأوا يضعون افكارهم موضع التطبيق بدءا من الدستور . فقد هيمنوا تماما على صياغة الدستور وفصلوه على مقاسهم في كثير من البنود ولا سيما الفيدرالية وساندهم في ذلك الشيعة لقلة خبرتهم اولا ولانهم كانوا ما يزالون يعيشون تحت شعور الاقلية المضطهدة ولم يمارسوا شعور الاكثرية الا بعد ذلك بعدة سنوات  لذلك ارتفع صوت الشيعة في البداية بفدرالية الوسط والجنوب ولم يثوبوا الى رشدهم الا بعد ان خذل الشعب العراقي في الانتخابات  المنادين بذلك منهم .
بعد ذلك وبعد ان عرفت كل فئة حجمها الحقيقي من خلال الانتخابات تبنى الاكراد شعار الملك فيصل الاول في علاقته مع الانكليز (خذ و طالب) بالاضافة الى الاستمرار بالنغمة القديمة بالشكوى من الاضطهاد القومي والتمييز العنصري الشوفيني  مع انهم يمارسون تمييزا عنصريا ضد العرب والاقليات الاخرى في كردستان وفي شمال العراق عموما .
الاكراد الان اقوى قوة منظمة في العراق . الكل يخشى سطوتهم وجبروتهم ومع ذلك يشكون من ان حكومة المركز الضعيفة تمارس ضدهم التهميش والاضطهاد . هم الان يهيمنون على اراض ليست كردية ويمنعون الجيش العراقي ليس فقط من دخول اراضي كردستان وانما من دخول اراضي عراقية مخالفين للدستور ومع ذلك يدعون انهم مضطهدون . لديهم جيش كامل بمعداته ولكنهم يمنعون الجيش العراقي من ان يتسلح . كل جيوش جيران العراق مسلحة حتى الاسنان ولكن اي صفقة سلاح يقوم بها العراق والجيش الذي يسمونه فدرالي ترتفع اصوات بعض القادة الاكراد ضد ذلك وكانهم دولة معادية . القادة الاكراد يجأرون الان بنفس الشكوى التي كانوا يجأرون بها عنما كانت الدولة قوية في العهود السابقة . وهي شكوى غير حقيقية في ظل عراق ضعيف فهم يهيمنون على جانب كبير من القرار العراقي اي ان ثلاث محافظات تهيمن على خمسة عشر محافظة .
والان ماذا عن موقف الاطراف الاخرى عدا الحكومة العراقية ؟ … لقد استطاع الاكرادالمحافظة بذكاء على الود القديم والتحالف مع المثقفين واليسارالعراقي بل زاد الود بعد ان امتلكوا السلطة والمال الذي يغري الناس ويستميلهم لذلك فأقلام اليسار مشرعة دائما في نصرة القادة الاكراد على الحق والباطل . اما موقف الكتل السياسية القوية ولاسيما الموصل فانه موقف متذبذب بين الخوف من الهيمنة الشيعية في بغداد والقوى الكردية الطاغية في الشمال وعند خاصرة الموصل وقد اضيف الى ذلك المصالح والعلاقات الشخصية .
ماذا عن المستقبل ؟… هل الصدام مع الحكومة المركزية قادم ؟.. نعم انه قادم بل انه قائم وليس من طريق الا ان يتراجع احد الاطراف وذلك امر عسير في ظل الظروف الحالية فالمطالب الكردية الباطلة اخطر من ان يستطيع اي طرف الموافقة عليها كما ان تهور القيادة الكردية اكبر من ان يجعلها تتراجع لذلك فالمواجهة مستمرة واي تغيير في ذلك يتوقف على طبيعة التطورات المحلية والاقليمية في المستقبل .