لا استطيع القول ان فرصة توفرت لي بقدر ما كنت مجبراً على مراجعة دائرة مرورية في منطقة التاجيات لنقل ملكية سيارة شخصية و التي يستوجب فيها حضور البائع و المشتري ،لاحظت ان احد رجال مخابرات النظام السابق قد كان يتنقل كالطير بين أقسام الدائرة التي كانت تفتح ابوابها مرحبةً به و بعبائته و عمامته السوداوتان وما كانتا تكتنزان من جسم مفرط في البدانة جعلني احس برشاقة جسمي رغم تجاوزه للمائة وعشرة كيلوات ، عموما كان هذا الطير لا يلبث ان يدخل قسم حتى يخرج منه مسرعاً الى القسم الاخر والزقزقات ترافقه استقبالاً و وداعاً و انا و المواطنين نغازل الشبابيك بخبث ،سمعت اشياء من المواطنين البسطاء و تعليقات و تصنيفات للواقع المجتمعي أذهلتني فواحد صنف المجتمع العراقي خلال عشرون ثانية فقط حيث قال (( الشعب يتكون من سنة ارهابيين و شيعة خارجين عن القانون و حكومة هي المواطن الصالح )) و سمعت احدهم يكيل المدح لصدام ويقول ان ابنه استشهد في سبايكر و بسبب مطالباته بجثمان ابنه تعرض للسجن أسبوعين بسبب كلامه و مراجعاته للمطالبة بحق انساني و يشكو من استثمار السياسيين (( الشيعة )) لمصيبته .كان احدهم يعلق بصوت كأن الخوف لم يمر به و يقول ((جاء السيد فلان النجفي و هو نفسه الرفيق فلان التكريتي سابقاً ))
عموماً رأيت التناقض العراقي الدائم ، منها حالات طيبة و مساعدة بدون مقابل حيث كان احدهم يتوسل بآخر لا يعرفه سابقاً و يلح ان يكمل له مبلغ الرسم حيث اخبره موظف الصندوق بأن عليه دفع خمسة آلاف دينار لإكمال مبلغ الرسم و لأنه لا يحمل معه نقود إضافية اجاب بأنه سيعود غداً ، علماً ان الذهاب و الاياب يكلفه ضعف هذا المبلغ لكن مواطن اخر سبقني بالطلب منه باكمال المعاملة الان و قبول تكملة المبلغ فرفض و ترك شباك الصندوق الذي وصله بعد معاناة ، ولم يقبلها إلا بعد ان طلب منه المتبرع ان يعيد له النقود من خلال اعطائها لمحتاج ..كذلك رأيت موظف يؤخرك و يبعثك لمشاوير ليومين بدون حاجة فعلية سوى ان مزاجه لا يتقبل عدم صبرك لثلاث ساعات على فقرة تحتاج ثلاث دقائق فقط ..عموماً اداء الدائرة فوق المتوسط لكن هذا الرفيق سابقا مولاي حالياً اساء للدائرة كثيراً و للاسف الدائرة لم تستطع ان ترد إساءته بل ان بعضهم لم يحس بالإساءة اصلاً ..صدقوني ان اثمن ثروة نمتلكها هو مواطننا البسيط فأحترموه و لا تسيؤوا له برجال المخابرات .