عندما كُنّا نسمع بمعسكر أو محور الإعتدال الذي هو التيار المناهض لمحور الممانعة، لم نتوقع أن يتحول هذا المحور إلى تيار إنبطاحي، إنهزامي، يغرق بالخيانة، حيث لم تعد تسمية الإعتدال تليق به.
ومحور الإعتدال هو مجموعة الدول العربية الأكثر تقارباً مع واشنطن أو يمكن القول التي تتطابق إستراتيجيات سياساتها مع إسرائيل، فجرأة بعض القيادات العربية ووقاحتهم في التوغل إلى عمق الصحراء للوصول إلى قلب المستوطنات الإسرائيلية في النقب ببلدة يُطلق عليها (سديه بوكير) معقل ضريح مجرم الحرب والإبادة البشرية (بن غوريون) مهندس النكبة وقائد التهجير لإحياء قمة النقب التاريخية بمشاركة وزراء خارجية دول الإمارات والبحرين والمغرب ومصر ومباركة أمريكية وإرتياح خليجي في وصف لايُحسن أي عربي إجادته ومشهد سوداوي لايمكن تسمية عنوان له، ومستوى الإنحطاط الذي وصلت إليه العروبة لهؤلاء وهم يقفون على ضريح بن غوريون القاتل للترحم عليه في رسالة إسرائيلية من هذه القمة تحمل معاني الربح المعنوي في إنعقادها وتجمّعها وليس في نتائجها (كما حصل في شرم الشيخ)، بل إن هناك من يؤكد أن إسرائيل إستخدمت نفوذها السياسي لدى الإمارات للضغط في إستقطاب نظام بشار الأسد ومحاولات سلخه من المحور الممانع (الإيراني- حزب الله) حتى ولو كان ذلك على حساب الإنزعاج الأمريكي من هذه الخطوة وتجاهله خصوصاً مع إقتراب الإتفاق النووي مع إيران من نهايته وعودة كامل الصلاحيات والمرونة للحرس الثوري بإستهداف إسرائيل في عُقر دارها، وربما حلفائها، مما يتنامى الشعور لدى هذه الدول أن إسرائيل ستكون لهم الصديق وقت الضيق عندما تستعيد إيران دورها كشرطي الخليج.
في المحصلة هي قمم لبيع الأوهام السياسية والخدع البصرية لصور هي أصلاً مشوهة حيث وصل الهوان بالعرب إلى درجة أنهم باتوا في مرحلة الإستجداء للحماية الإسرائيلية لأرضهم وشعوبهم.
إسرائيل تُدرك اللعبة جيداً أن أمريكا اليوم غير الأمس فلا سوريا ولا إيران بالحسبان، أو إستمالة الأنظار اليهم، بل أصبح الدب الروسي والتنين الصيني أكثر مايشغل الإدارة الأمريكية في هذا الوقت.
فمحاولات الإستمالة بين محاور الإعتدال والممانعة لم يعد ذلك الأمر المهم، بل الأهم هو حرب الكبار التي بدأت ولا وقت لعبث الصغار، أو الإهتمام بمشاكلهم.
في كل ذلك تحاول إسرائيل كسب الوقت ومزيداً من الأصدقاء أو الحلفاء ومساحات أوسع في الإستثمار في أسواق النفط والغاز وضمان تلك الأسواق عالمياً حتى وإن تغاضت عن مايقال في داخل إسرائيل من أنها مؤتمرات ليست سوى حبراً على ورق بقدر إهتمامها السياسي والإقتصادي بتلك المؤتمرات التي تفتح أبوابها، فمحاولات إسرائيل تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم سبع دول (الأردن، مصر، فلسطين، قبرص، اليونان، إيطاليا) له دلالة سياسية متوازية مع منافع إقتصادية لإنشاء سوق غاز إقليمية تضمن وصول الغاز الإسرائيلي للعرب والأوروبيين دون النظر لإعتبارات الشعوب الرافضة للتطبيع ومشروعية مثل هكذا مشاريع على أراضي تلك الدول.
ماتحدث به مسؤولين عراقيين عن خطة لإقليم كردستان بمساعدة إسرائيلية لتزويد تركيا وأوربا بالغاز ربما يكون خيطاً من خيوط اللعبة المتشابكة وذات الهدف الواحد الذي جعلت صواريخ إيران تدّك أربيل في هذا الوقت لإعتبارات إقتصادية منها أن الغاز التركي المُصدّر سيهدد مكانة إيران كمورد رئيسي للغاز لدول المنطقة وهي لازالت ترزح تحت عقوبات دولية، حيث تُشير مصادر عراقية أن القضف إستهدف إجتماعاً بين مسؤولي الطاقة في الإقليم الكردي والمتخصصين الإسرائيليين والأمريكيين في الفيّلا التي يملكها رجل الأعمال الكردي (باز كريم البرزنجي) صاحب مجموعة كار النفطية التي تعمل على إنشاء خط أنابيب لتصدير الغاز إلى تركيا، حيث أكمل الجانب التركي مد الأنابيب إلى الحدود العراقية، وهو ما يُفسّر سِرّ الضربة الإيرانية لذلك المبنى.
ماتفعله إسرائيل في إستقطاب الفتيات الأوكرانيات لتجارة الجسد والجنس لايختلف كثيراً عن سياساتها في جذب دول وحكومات لمصالحها ومنافعها الإقتصادية، لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو ماذا ستكون ردود أفعال أرواح الشهداء وضحايا المجازر الإسرائيلية المروعة كشهداء مذبحة دير ياسين وقرية أبو شوشة 1948 وخان يونس 1956 ومذبحة المسجد الأقصى 1990 والحرم الإبراهيمي 1994 ومجزرة رفح 2004 وغيرها من المجازر؟ وكيف يكون ردود أفعالهم تجاه هذا الإنبطاح والتخاذل من هؤلاء العرب؟.
ربما كانوا سيبصقون على هؤلاء ويتمنّون لو أنهم لم يخرجوا من قبورهم…ربما من يدري؟.