11 أبريل، 2024 9:04 ص
Search
Close this search box.

محن العرب يصنعها العرب أنفسهم ويغتنمها الأعاجم

Facebook
Twitter
LinkedIn

محن العرب تاريخيا لا تعد ولا تحصى ، ويتساوى بها الماضي والحاضر ، ومرجعيتها (مرجعية المحن) في المقام الاول يكمن في فقدان العدالة الاجتماعية وعدم المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. فألعرب لا يمتلكون ثوابت تحدد لهم الحقوق والواجبات وتبين لهم ما هو للشخص الحاكم او المستحوذ على السلطة ومقدرات الشعب وما هو لغيره . فكل الحقوق منذ ان تولى معاوية بن ابي سفيان الإمارة هي للحاكم او للاسرة الحاكمة دون سواهما وما للبقية من أبناء الشعب غير الواجبات وما يمن به عليهم الحكام.

 

بينما الثوابت المتعارف عليها لدى الشعوب والامم الاخرى ترسم وتوضح لما للاثنين من حقوق وواجبات والتي تكفلها الادبيات السائدة ويكفلها الدستور والقوانين الاخرى ، بحيث لا يمكن تجاوزها او الوثوب عليها إطلاقا. بينما هذه الثوابت ، الأدبية مِنْهَا والمادية ، غير موجوده في قاموس العرب. لقد اضاع مبدأ التوريث الذي اعتمده معاوية بن ابي سفيان والذي فضل به ابنه لان يخلفه في الأمارة على سائر أبناء الخلق الآخرين اضاع التطور السلس والتدريجي الذي اندرج عليه العرب قبل الاسلام لتطور المجتمع العربي وأضاع ايضا القيم والمفاهيم التي انعم الله تعالى بها على العرب وغير العرب بعد ظهور الإسلام.

 

ومن يومه فأن المفاهيم التي اندرج عليها العرب في رسم وتوضيح الحقوق والواجبات والعلاقة ما بين الحاكم والرعية تصاغ كلها عند العرب وفق مقاربات مظللة تلقي بضلالها على الواقع المرير والمزري الذي تعيشه الشعوب العربية بصورة متواصلة منذ انقضاء الفترة القصيرة الموصوفة التي اعقبت ظهور الاسلام وحتى يومنا هذا. لقد عاش العرب حقبة قصيرة من الزمن بعيد ظهور الاسلام تساوى فيها الناس في الحقوق والواجبات ولكن كما أسلفنا كانت فترة قصيرة. ومن يومه تندر الوعي القومي ليحل محله ولاءات اخرى لا تصب في صالح التطلعات التي تنشدها كل أمة حية من أمم المعمورة.

 

نعم لم يكن للعرب قبل الاسلام رؤية واضحة ومحددة بخصوص التقاسم في الحقوق والواجبات اذ كان يطغي على الحياة الاجتماعية في حينه او في الفترة التي سبقت ظهور الاسلام طابع البداوة والحياة القبلية التي تعزل حياة كل قبيلة عن القبيلة الاخرى. ولكن كانت تتطور لديهم المفاهيم الانسانية والتعايش السلمي بأنسيابية تامة مقارنة بما كان عليه حال الشعوب والامم الاخرى في حينه. فقد كان العرب يتمتعون بحرية العبادة فكان منهم الوثني ومنهم من لا يعبد احد الى جانب الأحناف ومعتنقي الديانتين اليهودية والنصرانية ، وكان اليهود في شبه الجزيرة العربية من السكان العرب من أهل شبه الجزيرة العربية واعتنقوا اليهودية بكامل الحرية ولم يكونوا من بني اسرائيل. وكان العرب يتزاوجون بينهم دون أية معوقات دينية وكانوا كلهم يدونون مفاخرهم وبطولاتهم ويتداولونها بالشعر العربي ووفق الثقافة العربية.

 

ان الخزين المضاف الى الارث العربي بظهور الاسلام وتوحد القبائل العربية في حياة اجتماعية حضرية يسودها التعايش السلمي والمساواة في الحقوق والواجبات لم يدم طويلا فقد انزلق العرب عن هذا المسار. ان أول ثمار المساواة في الحقوق والواجبات ان تقيد الصلاحيات المطلقة للحاكم في اتخاذ القرارات الواسعة او الشاملة كشن الحروب وما يشابه ذلك.

 

وعلى هذا الأساس للاسف فأن محن الشعوب العربية تاريخيا تفوق محن الشعوب والامم الاخرى. وهي ، هذه المحن ، في العموم تنجم عند العرب ، عن انحرافات فردية ، ومرجعيتها دائما فرد واحد او أسرة حاكمة ، ولا يملك الشعب أدوات كافية للردع ، وتأخذ تلك الانحرافات ، بمرور الوقت ، بجريرتها الشعب بأكمله. ، وحتى في كثير من الأحيان يتسع نطاق الانحراف ليأخذ بجريرته اكثر من شعب واحد من الشّعوب العربية.

 

وقد لا يتسع المقام لان نتوسع في سرد الانحرافات التي حصلت في الماضي او على امتداد التاريخ وما نجم عنها من محن وكوارث عانت منها الشعوب العربية وما زالت تعاني منها ، واخرتها مئات السنين عن الركب الحضاري السائد في المعمورة لنقتصر الان على سرد الانحرافات التي وقعت في التاريخ المعاصر جدا وما جرته من محن وكوارث على الشعوب العربية التي تلامسها في يومنا الحالي ، فهي تكتوي بنارها الحارق.

 

وبدون شك هذه الانحرافات كلها الان وفي الماضي وكما أسلفنا ترجع الى عدم امتلاك كل العرب معالم واضحة ترسم العلاقة الطبيعية والمنطقية بين الحكام والشعوب العربية التي تحت حكمهم والتي لا يمكن المساس بها او تجاوزها. وهنا لا تختلف كثيرا محنة العراق عن المحن الاخرى في سوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس والقائمة تطول حتى لتنتهي بقطر ، فكلها نشأت عن اخطاء متراكمة كونت مع مرور الوقت انحرافات ثم لتنتهي تلك الانحرافات في نهاية المطاف الى محن مستعصية على الحل. فليس محنة العراق ولا بقية المحن التي اصابت الدول العربية الاخرى هي بنت اليوم بل هي ناشئة عن تراكمات الأخطاء العديدة التي أسفر عنها انحرافات تحولت مع مرور الزمن الى محن عصية على الحل طالما يصر الحكام على الاستمرار في مزاولة الأخطاء عينها والتي أدت الى الكوارث.

 

وقد لا يختلف الحكام العرب الذين يدعون ان حكمهم يستند الى تفويض إلاهي لا يمكن مناقشته او المساس به عن هؤلاء الحكام الذين يمارسون الحكم المدني فالاثنين قد منحا نفسيهما الصلاحيات الواسعة والمطلقة التي لا تقيدها أية حدود مهما كانت واهية ومنحا نفسيهما السرمدية عبر سياق التوريث.

 

ان هذا الوضع الشاذ ، طالما انه لا يجاري المنطق ، قد وضع بعض الحكام العرب في مأزق اذ لا سبيل لهم لتثبيت حكمهم وما يترتب عليه من امتيازات انانية لا تعد ولا تحصى الا بالاستعانة بالأجنبي والاستقواء به لتثبيت أركان حكمهم.

 

وربما بعض الدول الخليجية العربية الصغيرة التي لا تعاني الان من شكوى الحرمان التي تعاني منها دول خليجية اخرى كون الأسر الحاكمة تمتلك من الأموال التي تفيض عن حاجة سكانها لقلة عديدهم ثم ان تطوير منتجاتها وصناعاتها في مجالي النفط والغاز والآفاق الاخرى لا بد وان ينعكس بشكل إيجابي على مواطنيها ، غير انها ، هذه الدول الخليجية الصغيرة ، تعاني من الصراعات مع جيرانها بخصوص الاراضي وما تحتويه بواطن الارض والمياه من ثروات.

 

إذن تساوت الدول العربية الخليجية الصغيرة والكبيرة في اعتمادها على القوى العالمية للاستقواء بِهَا على قضاء حوائجها. الدول الكبيرة تستقوي بها على شعوبها التي تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات. بينما يقتصر مجهود حكامها الاول على الحفاظ على انظمتها الاسرية القائمة. في حين تستقوي الدول الخليجية الصغيرة بها على جيرانها من الدول الصغرى والكبرى على حد سواء التي ترى فيها بأنها طامعة بما تمتلكه من ثروات لا حصر لَهَا.

 

الدول الخليجية الكبيرة تفضل الاستناد على القوى الخارجية عوضا عن تلبية المطالَب الشعبية لديها لانها لا تعلم أين ستقف تلك المطالَب وهل ستطول نظم الأسر القائمة وفق صيغتها الحالية القائمة ام لا. بينما الدول الخليجية الصغيرة تلجأ الى القوى الخارجية للاستقواء بها للإبقاء على الحال على ما هو عليه بدلا عن التفاوض مع الدول المجاورة وتسوية الأوضاع معها لانها لا تعلم أين تصل بها الأمور. فعندما رفضت دولة قطر سنة ١٩٩٠ الوساطة السعودية لتسوية النزاع بينها وبين دولة البحرين ولجأت الى محكمة العدل الدولية لتسوية هذا النزاع بدلا عن الوساطة السعودية أعطت المحكمة الدولية البحرين اكثر مما أعطتها مبادرة الوساطة السعودية.

لا تكتفي الدول الكبرى او الكيانات العالمية المؤثرة دائما بالمنافع التي تنهال عليها مقابل الاسناد العلني والخفي للدول ممن هي على هذه الشاكلة بل يكون لديها املاءات ينبغي على الدول المستفيدة مراعاتها. وهنا وفِي هذا المقام تبرز أمامنا قطر والدور المشاغب الذي تقوم به في المنطقة وفِي العالم. من يملي عليها ما تقوم به وأي مردود يعود عليها من هذا النشاط المريب وعالي التكلفة؟

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب