22 نوفمبر، 2024 10:54 م
Search
Close this search box.

محنة وطن… محنة موقف

محنة وطن… محنة موقف

حينما يكون الوطن في محنة، فأن مصلحته العليا تكون فوق كل المصالح، ومهمة الدفاع عنه تكون فوق كل المهمات، وان واجب تعبئة جميع صفوف الشعب وزيادة تلاحمها تكون اسمى من جميع الواجبات، فيجب علينا التصميم الحازم في ان نضع كل طاقاتنا المادية والفكرية في رد ومجابهة الخطر الخارجي الداهم ورده على اعقابه وتحقيق الظفر عليه، لأن في ذلك وحده الحفاظ على استقلال عراقنا والذود عن حريته ضد اي تسلط او تدخل اجنبي.

ان عراقنا العزيز يمر في مرحلة عصيبة اختلطت فيها الاوراق وتداخلت الاحداث وبدت وكأن الحدود قد فقدت فيها بين الصحيح والخطأ والخير والشر، اضطربت المقاييس والموازين، فكثر المزيفون والمدعون، واختفت بعض النيات المخلصة في كثير من الاحيان وراء حجب كثيفة من الدعاوى الكاذبة والتهريج، وانبرى المصطادون في الماء العكر واعداء شعبنا المجاهد الصابر، وكذلك تكالب تجار الفوضى وعملاء الخارج ليستفيدوا من وقت صعب مؤقت في تنفيذ مخططاتهم البائسة اصلاً، وتحقيق اهدافهم في سلب جماهيرنا ما حققته بعرقها ودمائها من انجازات.

وعلى هذا الاساس، يجب تشخيص وضع العناصر الموجودة في ساحة المواجهة، وتحديد موقعها الحقيقي في هذا الجانب او ذاك او في أية مسألة اخرى قريبة او بعيدة عنها، وحين نتجاوز هذا الامر فقد نصطدم بأمر ما ليس اقل صعوبة من سابقه، وهو معرفة الاسباب التي حدث ببعض العناصر الى تبني هذا الموقف او ذاك او اتخاذ هذا المكان او ذاك في ساحة المجابهة.

لقد تميزت حركات الشعوب التي تقودها قيادات شعبية حقيقية في انها تسير متوازية ومتساندة نحو اهدافها الوطنية، مدركة ان اي انتصار لشعب من الشعوب وتحرره وبلوغ اهدافه، انما هو نصر لجميع الشعوب الاخرى الساعية للتحرر وبلوغ اهدافها، وان اية انتكاسة له، انما هي انتكاسة للشعوب المناضلة جميعاً، فأن تحقيق اهداف اي شعب يجب ان لا يكون على حساب ومصلحة اي شعب آخر، ومن هذه المبادئ انطلقت الثورات الانسانية الكبرى في التاريخ وتميزت من الحركات البرجوازية العنصرية والحملات الاستعمارية التي فقدت بفقدانها الجانب الانساني والصلة التي تربطها بالجماهير المناضلة ومصالحها الحيوية.

ان بعض القوى الخارجية ضمن محيط العراق الاقليمي، تقوم الآن بحملة واسعة منظمة ضد العراق هيأت لها كل امكاناتها الضخمة واجهزتها السياسية والاقتصادية والاعلامية ضمن ما يهيئه لها الوضع الدولي الحالي من ظروف ملائمة حسب تقديرها، ومواقف بعض الدول والانظمة السياسية المساندة والمؤيدة لها بهدف تخريب وتفتيت هذا البلد وشعبه….

لقد كشفت عدوانات هذه القوى على عراقنا.. وامام جميع الشعوب، لعبة الامم، وأظهرت حقيقة العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية في عرض ما يسمى بمكافحة الارهاب الاسلامي المتطرف في العراق

وسوريا وباقي بلدان المحيط العربي.. بكونها اولاً وأخيراً – اي اللعبة- صفقات تجارية تحكمها المصالح الآنية ولا تستند الى أية مبادئ اخلاقية او اساسيات انسانية او أسس قانونية، وان اقوى المعاهدات وأشد المواثيق لا تعدو ان تكون حبراً على ورق، اذ تفرض المصالح السياسية والاقتصادية نفسها في المواقف الحرجة، وتصبح العنصر الفعال والوحيد في تحديد السلوك وتوجيه التصرفات، فاذا بخريطة الاصدقاء والاعداء تضطرب وتتداخل احياناً لاسباب واضحة في بعض الاحيان ولحسابات غامضة آنية او غير آنية قد يكون في بعضها الكثير من قصر النظر وضيق الافق.

ان عراقنا يتعرض دون شك ومنذ سنوات الى خطر جدي يتطلب وعياً عميقاً وشعوراً عالياً بالمسؤولية من قبل جميع عناصره، واستعداداً جدياً في ساحة المواجهة، بل يتطلب تضحيات لا نشك في ان شعبنا لن يبخل بها في سبيل الدفاع عن تربته الطاهرة وارضه المقدسة، كما يتطلب سياسة حكيمة حازمة لا تدع لأي قوى خارجية بغيضة وعملاءها منفذاً يتغلغلان منه لتهديد وطننا العزيز وانتزاع مكاسب شعبنا التي حققها خلال نضاله الطويل وتضحياته الجسيمة.

وعلى الرغم من ثقتنا بأن حسابات هذه القوى الدنيئة وعملائهم خاطئة لانهم لا يحسبون حساب الشعوب وقدراتها الخارقة في المواقف الحاسمة، ولمبالغتهم في الثقة على فرض ارادتهم على جماهيرنا واحكام قبضتهم عليها. نقول: برغم ثقتنا بذلك، فان خطورة الوضع الحاضر واشكال العدوانات والتدخلات الخارجية ما زالت ماثلة… يتطلب منا الارتقاء أكثر فأكثر الى مستوى المسؤولية وحشد كل طاقاتنا للدفاع عن الوطن واحباط هذه العدوانات التي اتضحت خطوطها العامة واهدافها بشكل لا يترك مجالاً للشك في طبيعتها.

ان قوى البغي وعملاءها… يعتقدون انهم يمتلكون اوراقاً رابحة لا تفشل باستطاعتهم أثارة الخلافات وافتعال بعض الاحداث… وتضخيم احداث اخرى… وبذر الشك والارتياب، واثارة البلبلة، وزرع الاشاعات بين افراد الشعب العراقي الواحد.

لكن شعبنا العراقي الصابر قد بلغ من عمق الوعي والشعور بالمسؤولية، بحيث لن يسمح مطلقاً لمثل هذه الالاعيب ان تؤثر فيه، وأنه اكثر وعياً من ان يخدع بمبررات المواقف السلبية وحجج التخاذل والتردد عن الاسهام جديا في النضال ضد كل انواع العدوانات، وان شعبنا وبعض من وقياداته يدركان تمام الادراك خطورة المؤامرة ويعرفان عظم ما يتعرض اليه العراق من اخطار ويقدرون تمام التقدير عنف الهجوم الخارجي.

ولكنهما في الوقت نفسه يعلمان ان لا سبيل الى التراجع ولا مجال للتخاذل في معركة اليوم، انهما يدركان برغم المؤامرات الدنيئة وضخامة امكاناتها وشراستها، فان ظروف المعركة – المواجهة تهيء كل امكانات النصر.. واهم هذه الظروف وأكثرها اهمية هي قدرة شعبنا على الصمود واستعداده للتضحية، ونحن واثقون ان وعي جماهيرنا وادراك قياداته الوطنية ليست السلطوية- لمسؤوليتنا في الظروف الخطيرة الراهنة كفيل بتحقيق ذلك ولا سيما عندما تتوفر له قيادة جماهيرية وطنية كفؤة وحكيمة.

[email protected]

أحدث المقالات