23 ديسمبر، 2024 9:37 ص

محنة اهل السنة ..       

محنة اهل السنة ..       

بعد سقوط الدولة العثمانية تناول سنة العراق الحكم بيد عربية قومية من يد تركية اسلامية ، ولم يكن الانكليز سوى منسق ممكنات وراعي قوي لهذا البروتوكول الشهير .واستمرت صيغة السني العربي في القبض على مقاليد الحكم بيد من حديد وهي تنفي السني الكردي والعربي الشيعي في آن معا.جاء ( حزب البعث ) ليضع خلطة العروبة والإسلام تحت خدمة خدمة هذا المشروع السلطوي وأصبح البعث العربي خليطا يضم العلمانيين ، والطائفيين ، و الدراويش ، والمسيحيين المنتفعين ، والاكراد المتبرئين من قوميتهم . 
صدام يقول إن البعث يعطي حصانة للبعثي أكبر من حصانة عمر أبن الخطاب .وعزة الدوري يقول إن الإسلام الصوفي الخالص يحصن البعثي المبدئي . وطه ياسين رمضان يقول صحيح انا كردي لكن الدم الذي يجري في عروقي دم عربي . وكان ميشيل عفلق يقول :كان محمدا كل العرب فليكن كل العرب محمد .
حزب علماني يتولى شرح الخلافات العقائدية بين السنة والشيعة للرأي العام العربي والإسلامي في زمن الحرب على أيران 
حزب علماني يؤلف كتابه ومثقفوه كتبا و دراسات تاريخية تثبت أن أم الإمام زين العابدين عليه السلا لم تكن إيرانية من اصل فارسية 
حزب علماني يستضيف مؤسسه السوري ميشيل عفلق في بغداد ، ويستضيف في بيت بجواره ف (حي اليرموك ) المراقب العام للأخوان المسلمين السوريين عدنان سعد الدين حزب علماني يبني مساجد للسنة ، ويمنع الشيعة من بناء المساجد في بغداد 
حزب علماني قومي عربي يقود حملة إيمانية لبناء المساجد وتحفيظ القرآن في السجون ذلك هو حزب البعث العربي الاشتراكي في عهد صدام حسين .كنت استغرب ممن يقول إن البعث علماني لا يفرق بين طائفة وأخرى .
وأستغرب اليوم ممن يستغرب أن البعثيين يقودون تنظيم داعش الإرهابي ، وان زعيم داعش الإرهابي (أبو بكر البغدادي) كان بعثيا بدرجة ( عضو عامل ) في الحزب .ما الغريب في الأمر ؟ وما الجديد فيه ؟
ليست القضية الاهم عند السني العراقي أن يكون قوميا بعثيا ، أو اسلاميا سلفيا ، المهم أن يجد له ثوبا سياسيا على مقاسات السلطة الغاشمة .
لم يتعامل شيعة العراق العرب تعاملا براغماتيا نفعيا سياسيا مع تجربة الحزب الشيوعي العراقي مثلا بأعتباره مشروعا للوصول إلى السلطة على تقدير أن اغلبيته الساحقة من الشيعة ، بل حاكموه محاكمة أيديولوجية وفكرية أدت إلى تحريم الانتماء إليه وضربه فكريا وسياسيا لصالح البعث القومي كنتيجة وليس عن سابق قصد . 
لقد أسلم شيعة العراق شيوعييهم العلمانيين للموت على خلفية عقائدية ، بينما حافظ سنة العراق على بعثييهم العلمانيين على خلفية سياسية ، ليحفظوا لهم السلطة في مفارقة لافته ترجع إلى الفارق التاريخي بين العقل السياسي الشيعي ، والعقل السياسي السني .في 5 نيسان 1943 ألقى ميشيل عفلق على مدرج جامعة دمشق محاضرة تضمنها فيما بعد كتابه ( في سبيل البعث ) بعنوان ( ذكرى الرسول العربي ) قال فيها : ” ولسوف يجئ يوم يجد فيه القوميون انفسهم المدافعين الوحيدين عن الإسلام ويضطرون لأن يبعثوا فيه معنى خاصا إذا ارادوا أن يبقى للأمة العربية سبب وجيه للبقاء ” .
السلطة هي الحاسة السادسة عند سنة العراق ، وكان من السهل عليها أن تلتقط هذه الافكار الخادمة لمشروعها وتصر عل تنفيذها مهما ارتفعت كلفة التنفيذ . 
خلطة سياسية وأرهابية تبدو انهاغير متجانسة ، حيرت المراقبين للشأن العراقي ، ولا يعرف تأويلها إلا الله والراسخون في فهم طبيعة المجتمع السني العراقي ، والسياقات التاريخية والثقافية التي تشكل فيها وعيهم السياسي والمجتمعي .
يتأسس العقل السياسي السني في العراق على قاعدة استخدام كل الأدوات ، والرموز ، القومية ، والدينية والسياسية ، من أجل التمسك بالسلطة ، حتى لو كانت هذه الأدوات متشاكسة وعميقة التناقض فيما بينها .
ستجد أن البعثي السوري أو الأردني يفكر الف مرة قبل أن يتحول إلى السلفية . 
والسلفي الوهابي السعودي يفكر مليون مرة قبل أن ينتمي إلى حزب البعث . 
وحده السني العراقي الذي لن يستغرق عنده الأمر ربما ساعات وهو يجد نفسه طائفيا ووطنيا ، وسلفيا وبعثيا ، ومدنيا وعسكريا ، وعشائريا وتقدميا ، بقد تعلق الأمر بموضوع سلطة العراق 

قد لا يكون من الهين استيعاب كيف أن ضباط الأمن والمخابرات و الاستخبارات المسلكيين الذين خدموا ف (شعبة مكافحة التجسس ) ربع قرن بأكمله تحولوا بهذه السرعة إلى عملاء وجواسيس بمنتهى الرخص لأجهزة مخابرات لدول أقليمية وعربية مختلفة الأحجام والأوزان بعضها أقزام .

في لعبة العودة إلى السلطة المفقودة ستستحيل الثوابت السياسية إلى متغيرات ، وتتوحد الانتماءات مع اضدادها ، وتتداخل الخنادق المتشاكسة من أجل تحقيق حلم السلطة هذا .
وعلى طريقة خذ الحق من أي وعاء صدر استمعت إلى رأي النائب السني مشعان الجبوري في تصريح قال فيه إن سنة العراق لن يقر لهم قرار وتستقر مناطقهم وينسجموا مع الحياة السياسية الجديدة في العراق مالم يتخلوا عن فكرة ( التآمر للعودة إلى السلطة ) وأنا معه في هذا الرأي .
ماذا جنى سنة العراق يمرون اليوم بمحنة هي الأصعب في تاريخهم منذ الفتح الإسلامي لهذا البلد االعريق الذي استكمل في عام 14 للهجرة على يد رمز التسنن الكبير الخليفة عمر أبن الخطاب.
أربعة عشر قرنا ونيف كان التاريخ يحنو فيها على سنة العراق ، ولم ينقلب عليهم كما قلبوه على رؤوسهم بأيديهم هذه الأيام .
ماذا حل بأبناء هذه الطائفة الكريمة التي بدت وكأنها عدوة نفسها ، حين تتخذ قرارات دمارها ، وترك الصعبة وتقول هي الذلول . 
هل رضي سنة العراق بوعي كامل أن يتمادوا في لعب هذا الدور حتى شوطه الأخير : رأس العراق العنيد الذي إما أن يحكم وإما أن يتكسر 
أربعة ملايين لاجئ ، ومهجر ، ونازح هم أكثر من نصف ابناء هذه الطائفة . 
مدن حل بها الخراب ، وتوقفت مشاريع الأعمار ، وانعدم الاستثمار ، وتعرضت بنيتها التحتية للدمار . أسواقها تعاني من الكساد ، ومنافذها الحدودية بيد المهربين واللصوص .داعش تجلدهم على التدخين ، وتقطع رؤوسهم على البيعة ، وتعدم ضباطهم على الظن ، وتقتل علمائهم لمجرد الأختلاف ، وتتزوج نسائهم بالترغيب والترهيب ، وتتخذهم متاريس عند القتال ، وتجند أطفالهم في المدارس ، وتفرض عليهم أنماط عيش القرون الوسطى والقرون الوسطى ارحم .
طائرات التحالف تقصفهم من الجو ، وطيران الجيش العراقي يلاحق أهداف الارهابيين بين بيوتهم ، وقد علقوا بين تقدم الحشد الشعبي وتراجع داعش وحلفاءها ، وبين عشائر متمردة وأخرى تقاتل المتمردين ، وصحوات تتقدم وفصائل تتورط .كل العراق ومن خلفه تحالف إقليمي وعالمي يلاحق الإرهاب الذي تغلغل في مدنهم ولا يمكن اقتلاعه إلى بدمار وخراب هذه المدن .
ضربات الجيش ، والشرطة الاتحادية ، والصحوات ، وأبناء العشائر ، والحشد الشعبي ، ومكافحة الإرهاب ، والبيشمركة ، تنصب على مدنهم ، وبيوتهم ، التي تترس فيها التنظيم الإرهابي المجرم .هل حان الوقت الذي يتسآل فيه عقلاء هذه الطائفة الكريمة عن الهدف الستراتيجي لكل هذا الدمار والخراب الذي تحملوه ؟

هل من مصلحتهم ومصلحة شبابهم ، وأطفالهم ، ومدنهم ، ومستقبلهم أن يسلموا خياراتهم الستراتيجية بيد منظمات وجماعات خرجت من التاريخ وتصر على جرهم إلى الوراء مثل داعش والبعث ؟الجيل الذي يختطف قرارهم هو جيل يائس وفاشل ومنبوذ ولا علاقة له بالمستقبل .
لم لا يأخذ المجتمع المدني الحر ،والشباب المتعلم ، ورجال الأعمال الطموحين من أبناء السنة زمام المبادرة ، وينتزعون المستقبل من هؤلاء اليائسين . لماذا لا ينقلب أبناء البعثيين والصداميين السنة على آبائهم ويقولون لهم : كفى لقد دمرتم الماضي والحاضر فاسمحوا لنا أن نختار مستقبل أفضل لنا ولكل العراق ؟لقد حان الوقت الذي يجب أن يتخلى فيه سنة العراق عن ستراتيجية ( الرأس اليابس العنيد ) ..