18 ديسمبر، 2024 7:44 م

 أنْ تفوض أمرك إلى الله خير ألف مرة من شكوى ربما أغراك أحد ما بتقديمها ضد مسؤول أو دائرة حكومية ما. الشكوى لغير الله ـ تقدّست أسماؤه ـ لم تعد مذلّة فقط، إنما تؤدي إلى عقوبة شديدة ينالها مظلوم كان يأمل رفع الحيف عنه. وربما في جعبة الكثيرين أمثلةٌ عدّة على ما يحصل لموظف ـ مثلاً ـ شكا مسؤولاً فأُحيل إلى التحقيق ملطخاُ بعارٍ، كان يستحقه فاسدٌ يسنده حزب متنفّذ أو عشيرة قوية، أو يفشي أحدهم لجهاز أمني معلومةً عن نشاط إرهابي فتستحيل حياته وحياة عائلته جحيماً لأن الإرهابيين عَرفوا ـ بقدرة قادر ـ مَن تجرّأ وأشار إليهم. وقد يدلي أحد بشهادة عن جريمة وقعت ـ صدفةً ـ أمام ناظريه فتلاحقه عشيرة القاتل!!
    كنّا نظن أن اللصوص والفاسدين مثل خفافيش الليل لا يعملون أو يتحركون إلا في الظلام. الديمقراطية وحكومة المحاصصة والشراكة أثبتت بطلان هذا الظن والزعم. وفي حين يعمل القاتل واللص والفاسد تحت الأضواء الكاشفة والعدسات المكبّرة وبعلم الجميع، فإن النزيه والشريف والحريص على وطنه يحبس أنفاسه خشية أن يضيق صدره بما يرى ويتجرّأ على عاهرة ستسومه سوء العذاب بلسانها السليط وعلاقاتها المشبوهة مع المتنفذين.
    لعل واحداً من الأمثلة العجيبة على ما يحدث في هذا الزمن الديمقراطي، رسالةٌ نشرتها إحدى الصحف وجهها ساكنو منطقة مثلث الجزائر إلى وزير الكهرباء، يناشدونه فيها بالتوسط بينهم وبين كهرباء حي الشعب. في الرسالة يعتذر الأهالي عن شكوى تقدّم بها أحدهم عن تعرّض أسلاك الكهرباء إلى العطب باستمرار وابتزاز عاملي الكهرباء للمنطقة وعدم إيجاد حلّ جذريّ وحاسم لمشكلة الكهرباء المستعصية منذ سنوات. الرسالة تكشف عمق المحنة التي يمكن أن تتحول بها شكوى كان يُراد منها رفع الحيف إلى عقاب جماعي لحيّ سكنيّ كامل.
    في كلّ مكاتب الوزارات والدوائر الحكومية تنتشر إعلانات تحتوي على أرقام هواتف خُصصت للشكاوى، يندر أن تجد أحداً يجازف بتزويل أرقامها.. فإن فعل مغامرٌ ما زال يحسن الظنّ بوزارات المحاصصة والمشاركة، فسيكون حتما كمن يلوذ بالجحيم هرباً من الحميم!!
[email protected]