22 ديسمبر، 2024 4:59 ص

محنة الكتاب العراقي

محنة الكتاب العراقي

مستر فورد صاحب مصانع فورد سئل ذات مرة: لو كان لديك مئة دولار فكيف تستغلها في مشروع.؟ فأجاب على الفور أصرف تسعين دولاراً على الدعاية وعشرة أعمل بها. وهذه الحكاية مهما كان نصيبها من الصحة فأنها تعني إن للدعاية أهمية عظيمة في ترويج المنتج ـ أي منتج ـ ومنها المطبوع. ومن يشهد حفل الدعاية لترويج رواية (هاري بوتر) بجزئها السابع  للكاتبة البريطانية “ج. ك. رولينغ” الذي عرضته قنوات العالم لابد وأنه سيصاب بالذهول. انه احتفال ينافس بإبهاره حفل تتويج أعظم ملوك وأباطرة العالم. الدعاية الفخمة التي واكبت الرواية استطاعت أن تحقق لها مبيعات بلغت ثلاثمائة مليون نسخة على الصعيد العالمي.
أحد الزملاء في اتحاد الأدباء صدرت له قبل فترة عن دار الشؤون الثقافية وبعد انتظار دام سنين، رواية. هذا الزميل طلبت منه نسخة منها فاعتذر واخبرني أن الدار منحته خمسين نسخة فقط وزعها على الأصدقاء ومبلغاً بسيطاً من المال كمكافأة وباقي النسخ نامت في مخازن الدار، لتأكلها الرطوبة والغبار وليذيبها توالي السنين. فما تطبعه هذه الدار التي تكاد تكون الجهة الحكومية الوحيدة التي تتولى طبع نتاجات مبدعينا قليلا، فبعد جهد صعب ينجز المبدع كتابه ويقدمه للدار وبعد مروره بلجنة الخبير التي لا تجتمع إلا بقدرة قادر، وكل حول أو حولين لتبت ـ وحسب تباين أمزجت أعضائها ، بصلاحية المطبوع للنشر ، وبعد انتظار طويل يستغرق أربع أو خمس سنوات، يمزق أعصاب الكاتب، يُطبع المؤلَّف ليستقر في قعر مخازنها المظلمة ولا يعرف به سوى صاحبه. أما الآخرون فيكتشفون صدوره عن طريق إعلان صغير في الغلاف الأخير من المجلات الدورية البائسة التي تصدرها الدار فلا يقرأه أحد سوى غبار ورطوبة مخازن الدار. ترى لم قامت الدار بطباعته أصلاً؟!!
هناك مبدعون عراقيون لو لاقت كتاباتهم ربع الاهتمام الذي يلقاه أي مطبوع في العالم لتبوأت مؤلفاتهم مكانة مرموقة لا تقل عن الكتاب العالميين ولنالوا شهرة لا يستهان بها. فأية مهزلة هذه التي تعيش ثقافتنا في هذا الجانب. ناهيك عن الجوانب المزرية التي يعانيها مثقفنا لو تحدثنا عنها لاتسعت لمجلدات. ترى متى تهتم دولتنا دولة الديمقراطية، بالثقافة وتوليها جزءاً من اهتماماتها الأخرى.