في العالم و من الأزل كانت و ما زالت محنة كبيرة و كبيرة جدّاً تتعدّى و تشمل في نفس الوقت كلّ الآفاق؛ لم يستطع حتى الأنبياء والرسل من حلّها جذرياً, رغم إنّ الباري الخالق قد سخّرَ مئات الآلاف منهم ومن الأوصياء و الشهداء لهذا الأمر المتحرك بين إرادة حرة للمخلوق و بين إرادة كونيّة ثابتة لم تُعرف معالمها بعد ولم تتوائم مع تلك الأرادة الحرة .. و يا لها من محنة عظيمة لأنّها تخصّ أهم و أعظم قضية ترتبط بحقيقة و مصير و كرامة الأنسان و وجوده و عاقبته في هذا الوجود الذي لا بدّ من معرفة حقيقته .. تلك المحنة التي لم يتمّ وضع العلاج النهائي لها, رغم مرور الفلسفة بستة مراحل كما عرضناها حتى ختمناها بالمرحلة السابعة, والتي أسميناها بآلفلسفة الكونية(1).
إنها محنة الفكر التي تُمثل كلّ شيئ .. لكون الأنسان لا يُمثل حقيقتهُ هذا الجّسد المكوّن من العظم و اللحم و الدّم و العروق و الشعر؛ بل يُمثلهُ الفكر و بآلذات الباطن و ليس الظاهر فقط, و على الباحث ألمُفكر أنْ يعلم بأنّ للعقل درجتان(2):
الأول: هو آلعقل الظاهر.
ألثاني: ألعقل الباطن, وهو آلأهم والأسمى الذي من خلاله يبصر الباحث حقائق المكونات والوجود و أسرارها, لوضع الحلول المثلى لها.
وسنبدأ بطرح جذور و حيثيات تلك المحنة التي لا بُدّ لكلّ مثقّف و مُفكرٍ وعالمٍ وفيلسوفٍ .. الأطلاع عليها و التأمل فيها كي يستند في أسفاره وتقريراته و أحكامه على حقائق ثابتة ورصينة لا تتغيير بسهولة لعارض أو تأثير من هنا و هناك, بل يُمكنه الأعتماد عليها لرسم المناهج و الدساتير و القوانين الثابتة التي من شأنها تحقيق العدالة وبآلتالي رسالة هذا المخلوق العجيب الغريب الذي من أهمّ و أبرز صفاته الظلم و الجّهل كتوأمان, بجانب 33 صفة مشينة أخرى ذكرها الباري تعالى في كتابه المجيد, بحسب تقريرات الآيات السّماوية كمؤشرات يجب أن توضع بعين الأعتبار عند سنّ أي قانون, حيث علّمتنا تلك الكتب السماوية ضرورة بل وجوب الأعتماد على تفسير أيّة ظاهرة من خلال البحث و الغوص في أعماقها و جذورها وأسرارها, كي تكون القرارات التابعة أقرب للحقّ و تستند لقواعد لا يمكن أن تتبدل و كما هو حال القوانين و الدساتير الوضعية الحاكمة اليوم في بلدان العالم, و التي تتحدّد من خلال طبقة معينة .. هي (المنظمة الأقتصادية) التي تحكم العالم, فما من يوم يمرّ إلّا ويُسنّ قانوناً جديداً و يحذف آخر ليحل محلّه و هكذا و كأن البشر مختبر لتجارب العابثين بحقوقهم .. ليعيش الأنسان المواطن في بظلّ إستكبار و أهواء هذه الجماعة و تلك الجهة بحسب مقتضيات المصالح الأقتصادية والمالية الشخصية و الحزبية و الفئوية.
لذلك سنطرح أهم تلك الجذور التي يجب أنْ تُوضع من قبل الجميع بعين الأعتبار كأسسٍ و قوانين لا بُدّ منها لمعرفة و حلّ مشاكل الحياة و الحروب و الحكم و القضاء و الأجتماع و الاقتصاد والتعليم و البناء و التمدن و الحضارة, و من الله العون و التسديد, فتابعوا معنا هذه السلسلة الفكرية – الفلسفية الكونيّة – التي لا غنى عنها خصوصاً للمتشرّعين في(السلطة التشريعية) بآلدّرجة الأولى ثمّ آلقضاء(السلطة القضائيّة) بآلدّرجة الثانية, ثمّ الأجرائيين في (ألتّنفيذية) المتصدية لشؤون وقضايا الأمة بدرجة ثالثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع : (ختام الفلسفة), للفيلسوف الكونيّ
(2) راجع: مباحثنا في: أسفارٌ في أسرار الوجود. (أربع مجلدات) تبحث في جذور و خفايا الأسرار المكنونة في هذا العالم, للكاتب أيضاً.