19 أبريل، 2024 7:34 ص
Search
Close this search box.

محنة العراق حاضراً ومستقبلاً

Facebook
Twitter
LinkedIn
جميع مجتمعات دول العالم بدون استثناء تمر عبر الزمن بظروف وأحداث داخلية وخارجية عديدة تتشكل بموجبها منظومة القيم والعادات والأعراف والسلوكيات لتلك المجتمعات ، وهذه المنظومة مجتمعة تعبر عن طبيعة وخصائص النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة والتي تعطي هوية وخصائص ذلك المجتمع . بعض الدول كيفت تلك الظروف من أجل إحداث تغيرات إيجابية لمجتمعاتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبحت بذلك دولاً متقدمة من جانب ومتحضرة من جانب آخر ، والبعض الآخر من الدول عكس ذلك . العراق واحد من هذه الدول التي مر بظروف وأحداث عديدة على مر الزمن شكلت هويته وخصائصه التي تباينت خلال المراحل الزمنية المتعاقبة .
ما يهمنا هنا هو طبيعة وخصائص المجتمع العراقي ما بعد عام ٢٠٠٣ والتي تمثل مرحلة إستثنائية في تاريخ العراق . ومع اختلاف وجهات النظر بين مختلف شرائح المجتمع العراقي بخصوص التعبير عن هذه المرحلة كمرحلة تغيير أو مرحلة إحتلال فإن هذه المرحلة بالتأكيد كانت مرحلة نادرة في تاريخ العراق ( والتي يستحيل تكرارها ) كان بالإمكان استثمارها من أجل بناء المنظومة السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تضع العراق على بداية الطريق نحو التقدم والتحضر معاً ، بحيث تتولى النخب السياسية الوطنية الواعية والمتعلمة والمثقفة والمخلصة والمتحضرة مسؤولية إدارة الدولة وفق النظام الديموقراطي الصحيح ونقل المجتمع الى مجتمع متقدم ومتحضر يتمتع بالحرية المطلقة والرفاه والمساواة والعدالة والامان والضمان المطلق لحقوقه بدون أي تمييز ، بحيث يكون القانون هو السائد على الجميع وفي كل الظروف والأحوال .
إلا ان ما جرى من أحداث وظروف معروفة خلال الفترة التي أعقبت عام ٢٠٠٣ ولحد الآن أودت بالفرصة الوحيدة التي كانت متاحة ونادرة أمام العراق لجعله بلداً متقدماً ومتحضراً يتميز عن باقي دول المنطقة على الأقل . وبسبب الفشل الكامل للنخب السياسية المتعاقبة التي تولت مسؤولية إدارة الدولة من ناحية وبسبب الجهل السائد في معظم شرائح المجتمع في إختيار النخب السياسية من ناحية اخرى فإن ما تحقق في العراق خلال المرحلة منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الآن يمكن تلخيصه بالآتي
١- تردي الوضع الأمني بشكل عام وعدم الآمان في الحياة وهذا ما يعكسه أعداد القتلى العراقيين على مر السنوات لأسباب متعددة طائفية واختطاف وثأر وإقتتال وتصفيات وما شابه . والتي أصبحت إحدى الظواهر اليومية المتعارف عليها .
٢- إن معظم ( ما يدعى بالنخب السياسية ) التي تولت إدارة الدولة هم أشخاص منتفعين ( ولائهم لكل شيء عدا الوطن ) ليس لديهم الشعور بالمسؤولية لبناء دولة متقدمة ومتحضرة وهم وما زالوا يعتبرون أي موقع مؤثر في إدارة الدولة عبارة عن فرصة للكسب الشخصي المادي والمعنوي . وأصبحت ظاهرة مقبولة من الجميع . وقد أدت عقليات وممارسات تلك النخب الى تشتيت وانقسام المجتمع لفئات وطوائف ومجموعات وتكتلات متناقضة عززت مشاعر الكراهية وعدم الثقة مابينها. الى جانب تجهيل المجتمع وخلق جيل غير واعي وغير مثقف .
٣- العراق يدار فعلياً من قبل كيانات ومنظمات مسلحة تتبع أحزاب فائزة بالإنتخابات تحت واجهة نظام شكلي يدعي الديموقراطية ومتمثلة بالبرلمان ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية ، وهذه الأحزاب المؤثرة ذات الأجنحة المسلحة هي المستحوذة بشكل مباشر أو غير مباشر على المواقع المهمة والحيوية لمفاصل الدولة التي تدر عليها الأموال من ناحية والتأثير الشامل على مصادر القرارات من ناحية أخرى .
٤- تردي الأوضاع الإقتصادية بشكل عام وشامل وما يتبعه من تردي مستمر في الخدمات العامة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وبنى تحتية وما شابه
٥- الأهم من كل هذه المشاكل استمرار زيادة البطالة بين الشباب وخصوصا الخريجين من الجامعات .
٦- أثر التدخلات الخارجية التي أفقدت معنى ” سيادة الدولة ” بحيث يخجل معظم المسؤولين حتى الأشارة أو الحديث عنها، والأمثلة عديدة منها التواجد العسكري التركي وعملياته العسكرية داخل الأراضي العراقية ، أو التواجد الأمريكي المتمثل بعدد غير معلوم أساساً من القواعد العسكرية ، أو العمليات العسكرية التي تنفذها إيران في الأراضي العراقية ، وغير ذلك . بحيث يعجز العراق فعلياً من التعامل مع هذه القضايا.
٧- إستحالة معالجة مشكلة الفساد الإداري المستشري في مفاصل الدولة بمختلف الأشكال والصور ، والأهم من ذلك إستحالة فتح ملفات الفساد الكثيرة والمتراكمة والمحفوظة فقط لأغراض الإبتزاز والمساومات . يضاف الى ذلك التعتيم الواضح على ملفات مهمة ومصيرية مثل ملف سقوط الموصل ومحافظات اخرى ، وملف سبايكر ، وملفات اخرى غير معلومة بالتأكيد.
وباختصار ، يمكن الإستدلال من هذه الصورة غير الإيجابية ، بالاضافة الى تفاصيل اخرى لا مجال لذكرها هنا ، الى وضع العراق خلال المرحلة القادمة وبالشكل التالي :
سيبقى العراق يعاني بشكل كبير من عدم الاستقرار خصوصاً في الجانب الأمني وستستمر عمليات القتل والتصفيات الفردية بشكل واضح لأسباب متعددة ومختلفة . كما وان استمرار التردي في الوضع الاقتصادي عموماً وما سيرافقه من زيادة أعداد العاطلين سيربك الوضع الأمني سواء من ناحية إعادة التظاهرات بشكل أوسع ومؤثر أو من ناحية ظهور مجموعات مسلحة صغيرة بشكل عصابات منظمة تستخدم مختلف الوسائل للحصول على المال . ونتيجة لاستمرار حاجة الأحزاب الرئيسية بأجنحتها المسلحة ، وبعض الكيانات الاخرى ، الى الأموال الكثيرة لتعزيز وجودها وتأثيرها في مجمل العملية السياسية فإن تلك الأحزاب ستتنافس فيما بينها بشكل شرس للسيطرة على معظم المصادر التي تدر الأموال الكثيرة والمستمرة وخارج سياقات قوانين وأنظمة الدولة . وبالنتيجة ستعجز الدولة تماماً ( بأجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ) عن مواجهة هذه الظاهرة ومعالجة حالة الفوضى هذه . وستتعمق ظاهرة الفساد الإداري دون فتح أو معالجة أي من ملفات الفساد الرئيسية والمهمة ، كذلك ستبقى ملفات مصيرية اخرى طَي الكتمان كملف سقوط بعض المدن العراقية مثلاً . وأخيراً ، فإن العراق سيعاني كثيراً وعلى مختلف المستويات من نتائج الصراعات الدولية في المنطقة وسوف يدفع ثمناً باهضاً نتيجة ضعف الحكومة من ناحية والصراعات الحزبية التي ستسود في المرحلة المقبلة . هذه ببساطة محنة العراق والمتضرر الأول والأخير هو المواطن العادي الذي ليس له إنتماء غير الوطن .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب