في نقاشات مع الكثير من المثقفين العراقيين لاحظت تباين وجهات نظرهم في مسألة الاقاليم والسبب هو قصور تجربتنا الديمقراطية وعدم نزاهة القائمين على العملية السياسية وتجاذباتهم العقائدية التي تفسر الامر الواحد على عدة اوجه ، بالاضافة تأثر النخب بالتدخلات الخارجية المرتبطة بمشاريع اقليمية وكونية ، كل هذه الامور قد تفقد مشاريع الاقاليم من مفاهيمها الايجابية وتحولها الى دكاكين طائفية وعرقية تدفع حتما باتجاه التقسيم . والتقسيم ان حصل لا سامح الله فلن يكون تسريح بمعروف . فازاء التوتر السياسي وتناقض المصالح والتوجهات والتاثيرات الخارجية … فان التقسيم سيكون بداية لحروب تغرق العراق والجوار لن تنتهي الا بأثار كارثية على العراق والعراقيين تفوق في قسوتها ودمويتها وتاثيراتها المستقبلية اضعاف ماعاناه العراق سابقا .
ان مناداة قطاع مهم من جمهور الانبار وعدد اقل من جمهور الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك بانشاء الاقليم السني لم يكن نتيجة قناعة نابعة من حاجتهم لهذا الاقليم كخلاص من معاناتهم بقدر ماهو رد فعل على سياسة التهميش الطائفي ودفع من بعض الطائفيين الراكبين لـ” الصحوة السنية ” او بدفع خارجي والاهم :اهمال الحكومة للكثير من المطالب المحقة التي يتظاهر ابناء السنة المخلصين لوحدة الوطن من اجل تحقيقها .
وكما قلنا أن البنية الديمقراطية الهشة في البلد وضعف مؤسسات الدولة المركزية والبناء غير المتوازن للجيش والاجهزة الامنية …تجعل من فكرة الاقاليم التي اقرها الدستور على اساس اداري واقتصادي تتحول الى اقاليم على اساس عرقي وطائفي … وبضوء حجم التناقضات العقائدية والمشاكل الجغرافية والتوجهات السياسية وغيرها والاحتقانات التي افرزتها المرحلة السابقة .. فان بقاء هذه الاقاليم ضمن دولة مركزية واحدة تبدو امرا بعيد المنال .. لا بل ونستطيع التاكيد ان مشاكل الاقاليم مع الحكومة المركزية ستزداد اكثر بدلا من أن تحّل . وسيؤدي ذلك الى صدام وبالتالي الى الانفصال لا محالة ، خاصة وان الشعور الوطني الحالي باللحمة والوحدة الوطنية سيضعف تدريجيا مع انشاء الاقاليم وانزواء كل اقليم على نفسه واضعاف العلاقة مابين ابناء الوطن الواحد في الاقاليم المختلفة ( ومع الوقت سيختفي كل من عاش وآمن بعراق واحد عبر التاريخ ) .
من وجهة نظر جيوسياسية نرى ان انشاء الاقليم السني في هذه الظروف سيواجه صعوبات جمة ، وبنفس الوقت يفرض تحديات كبرى على الدولة المركزية والاقاليم الاخرى وكما ياتي ::
اولا. لا تجد فكرة الاقليم اجماعا كافيا لدى جمهور السنة ونخبهم ..والكثيرون يعدّون مشروع الاقليم ارتدادا على الثوابت الوطنية والقومية التاريخية للسنة باعتبارهم رواد فكرة الوحدة الوطنية العراقية والقومية العربية . يضاف الى ذلك عدم وجود دراسات جدية لمفهوم هذا الاقليم من حيث التنظيم والشكل والحدود وطريقة ونظام وشكل الحكم والعلاقة بين اجزائه المختلفة وتوزيع السلطة وعلاقاته مع الجوار العراقي والعربي … وكذلك غياب الرؤى لسياسات التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية (اي سيكون المشروع حقلا للتجارب تاكل الكثير من جرفه قبل ان يرى النور ).
ثانيا . غياب المرجعيات الموحدة المعترف بها من الجميع لهذا الاقليم والتي يمكن ان تلعب دور الحاضن والجامع باتجاه الدفع بفكرة الاقليم نحو اتجاهات محددة وحل اية اشكالات ناشئة .. هذا الامر يسمح بظهور الاختلافات في الرؤى والتوجهات وعدم الاتفاق على القضايا المختلفة وقيام محاور مختلفة في النظرة والممارسة …قد يمهد لنشوء صراعات تعيق البناء السليم للاقليم وتضر بوحدته .ونقصد بالمرجعيات هنا … مرجعيات سياسية او دينية او عشائرية . فالمشهد الحالي هو خليط من مرجعيات متضاربة فيما بينها داخل المحافظة الواحدة ومابين المحافظات … فلا يكفي الاتفاق على فكرة الاقليم لخلقه ونجاحه (تشظي رؤية قائمة العراقية لهذا الموضوع مثالا)
ثالثا . النقص الفادح في الكوادر والاطر البيروقراطية الفنية القادرة على قيادة الاقليم بنظرة عصرية ومهنية ناجحة توازي تلك التي نقلت اقليم كردستان الى المستوى العالي الحالي .. فنقص هذه الكوادر ونقص الخبرة السياسية والفنية لديها يعتبر عائق جديلقيامه ويستلزم وقتا طويلا لتراكم الخبرة… ناهيك عن الطبيعة الديمغرافية المحافظة في مناطق الاقليم التي ستعمل على شد الامور باتجاهات خارجة عن نطاق التطور العصري كما هو حال كردستان … فالتيارات المدنية والعلمانية ضعيفة والسطوة هي لرجال الدين المتشددين ورجال العشائر الذين سيعملون على ان تسير الامور وفق نمط الدولة الدينية العشائرية المتخلفة ولن يكون مثالا يحتذى به من قبل المتنوين السنة قبل غيرهم .
رابعا . يمتلك الاقليم مقومات قوة عملية ونظرية تجعله صالحا للحياة عند حسن استغلالها تتمثل بالاتي :
-قوة بشرية مكونة من 8.1 مليون نسمة( ارقام مفوضية الانتخابات 2010) في المحافظات الاربع (نينوى – ديالى –الانبار-صلاح الدين ) بدون حساب محافظة التاميم وسنة بغداد وباقي المحافظات ، ولو اخذنا التجانس القومي والعقائدي والايمان القومي المشترك والفئات العمرية وغيرها من المعايير فان هذه الكتلة البشرية تعتبر متماسكة من الناحية البشرية وفاعلة اذا ماتم العمل على رفع مستويات التنمية البشرية .
– مساحة اكثر من 250 الف كيلومتر مربع (اكثر من نصف مساحة العراق ) . تتنوع تضاريسها مابين الصحراء والسهل والهضاب والجبال قليلة الارتفاع مما يعني تنوع الحياة الزراعية والنشاطات الاقتصادية .وقادر على استيعاب اعداد اكبر من السكان .
-وفرة المياه السطحية في السهل وواديي دجلة والفرات وجودتها التي تتيح التوسع بالزراعة واستصلاح اراضي جديدة ، كما تتيسرالمياه الجوفية في الصحراء الغربية التي يمكن تسخيرها لاغراض الزراعة والرعي .
-توفر الثروات الطبيعية المتمثلة بالنفط في الموصل وكركوك ومكامن هائلة للغاز والنفط في الصحراء الغربية القابلة للاستثمار، بالاضافة لوجود الكبريت والفوسفات والمركبّات السليكونية وغيرها التي تدخل في صناعات الزجاج والسمنت والصناعات البتروكيماوية .
-الاتصال الجغرافي لمناطق الاقليم من الشمال الى الغرب والى الشرق وسيكون متصلا من الشرق مع ايران ومن الشمال والغرب مع سوريا والاردن والسعودية وهذا الامر يعطيه مرونة في بناء علاقاته الاقتصادية والسياسية والتواصل مع محيطه العربي المجانس له من حيث القومية والطائفة بما يوفر له العمق الستراتيجي المطلوب ، مع بعض التحفظات التي تفرضها الحدود الطويلة خاصة في الشرق .
خامسا . مقومات القوة لدى الاقليم هي قوة كامنة وينقصها الكثير لتكون قوة حيوية قائمة …فمناطق الاقليم تحتاج الكثير من اجل استثمار الموارد المكتشفة وتحتاج الكثير في مجال البنية التحتية للاستفادة من هذه الموارد ( خطوط نقل وتخزين وتسويق ومدن سكنية ) بالاضافة الى تطوير الينى الاقتصادية والتعليمية والصحية الحالية المتهالكة … بالاضافة الى رؤوس الاموال ، وان انجاز كل ذلك يحتاج فترة لا تقل عن 10 سنوات واكثر .
-في ظل الاستقطاب الاقليمي الحاصل في العالم العربي ، فان الاقليم المقترح سيحظى برعاية عربية وخليجية خاصة من حيث الدعم السياسي والمالي …وسيساعد ذلك في ايجاد روابط خاصة مع هذا المحور واشكال من اشكال التسيق السياسي والعسكري والاقتصادي يستفيد منه الاقليم في جذب الاستثمارات وتعزيز مقومات استقلاليته في اطر لا يمكن تحديدها اليوم . اذ ان الاقليم الجديد سيمثل ” دولة العراق العربية الرسمية ” وفق التصنيف الذي يفرضه مايدور من صراع مذهبي ( سني شيعي ) في المنطقة . بمعنى ان تقوية الاقليم ستكون بهدف الوقوف بوجه الاقليم الشيعي وكخط صد ضد ايران ليس الا (مما يجعل الاقليم وماجاوره ساحة صراع اقليمي ) .
التحديات
انشاء الاقليم حتى في اطاره الاداري لن يمر بسهولة بسبب جملة من العوامل الموضوعية التي تفرضها الحقائق الجيوبوليتيكية والتاريخية المترابطة واهمها :
اولا. ستحاول الحكومة المركزية بكل استطاعتها منع قيام هذا الاقليم سياسيا وعسكريا وحتى بالشراء المالي للنخب او بتقديم تنازلات بسيطة في مجالات معينة . فقيام الاقليم الان وفي المستقبل القريب يتعارض مع التوجهات الجيوسياسية للنظام العراقي الحالي خاصة في الوقت الراهن لانه يفصل ماتبقى من العراق عن امتداده الجغرافي مع الاردن وسوريا والشمال وتركيابكل مايعنيه ذلك من عزل ايران عن حلفائها في الغرب … ناهيك عن سيطرة الاقليم على خطوط نقل وتصدير نفط الجنوب الى الاردن وتركيا وسوريا ( في حال تفعيل الانبوب المار عبر سوريا والتحكم بصادرات الجنوب للابتزاز السياسي ) …
ثانيا . أن انشاء اقليم السنة سيشجع مناطق اخرى في الوسط والجنوب الى اعلان اقاليم يضم كل منها عدد من المحافظات المتصلة والمتجانسة مع بعضها ..فالائتلاف الشيعي الحاكم مشتت الرؤى حول جملة من المواضيع وخروج السنة من المشهد سيركز الجدال حول مكامن الخلاف بين مكونات الائتلاف وسينفجر ذلك بشكل دعوات لاقاليم اخرى… والاقليم المرشح للظهور قبل غيره هو اقليم البصرة لاعتبارات اقتصادية وسياسية وتاريخية … فتكامل اقليم البصرة مع محيطها الخليجي اكثر فائدة لها من اندماجها باقاليم مجاورة تتحمل اعباء تنميتها ومشاكلها … وان مايميز محافظات الفرات الاوسط عن محافظات الجنوب امور كثيرة … وان مايجمع بين محافظات الوسط والجنوب الان من اشتراك مذهبي ستضعف اواصره مع ابتعاد الحافز الذي تعمل الاحزاب الشيعية على تهويل خطره … هذا الامر يمثل صداعا مؤرقا للحكومة المركزية … ونضيف الى كل ذلك ان بغداد باختلاطها السكاني ستكون بؤرة توتر قد تتصاعد الى مايشبه حرب اهلية معلنة او غير معانة ستقحم قوى اقليمية ودولية في اتونها .
رابعا . بسبب الاوضاع المرتبطة بـ ” الصحوة السنية ” والارهاب العابر للحدود .. وبسبب هشاشة الوضع الامني في الاقليم السني خلال مرحلة التاسيس او لوجود حواضن تسهل للمجموعات المتطرفة العمل والمرور … فان الاقليم سيكون مصدر خطر مستمر للحكومة المركزية العراقية … وسيزداد هذا الخطر بفعل انفتاح مجالات جديدة للعمل وتيسر قواعد امينة له في مناطق قريبة من ” مناطق جهاده ” .
خامسا . العامل الكوردي حاضر على الدوام ، فانشاء الاقليم من ناحية يصب في مصلحته الداعية الى عراق فيدرالي ( او كونفدرالي ) ، وبذلك يجري تفتيت الدولة العراقية الى كيانات ضعيفة لا تشكل خطرا عليه مستقبلا ، كما يتيح له الكيان السني الجديد الضعيف وبمساعدة الظروف الاقليمية الموالية للكراد بان يتمدد الكيان الكردي الى اراضي في الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين ، وبذلك يضع الاكراد ايديهم على اراضي جديدة غنية بالموارد الطبيعية وزيادة رقعة دولتهم وزيادة اعداد سكانها ( خاصة وان هناك تسريبات باستيراد اكثر من مليوني كردي من الدول المجاورة للعمل كمستوطنين في الاراضي المستولى عليها … في تكرار واستنساخ فريد للتجربة الاسرائيلية ) . من ناحية اخرى سيكون الكيان السني الضعيف حاجزا بين الاكراد والدولة الشيعية القوية في الجنوب ( في حالة عدم تفتتها ) .
سادسا . للاسباب اعلاه ، وان كان انشاء الاقليم السني لا بد منه ( وقد يكون انشاء الاقليم السني يصب في مصلحة غلاة الطائفيين السنة الذين لا يخفون هدفهم هذا ، لكنهم يريدون ان يبدأ السنة انفسهم بالمطالبة بالتقسيم ليزيحوا عن انفسهم المسؤولية التاريخية عن ذلك) ، فعندها سيسمح بقيام الاقليم ، لكن قبل ذلك سيصار الى انتزاع الكثير من مقومات الحياة والقوة منه ليولد ويبقى ضعيفا عبر سلخ بغداد منه واجزاء من ديالى والمناطق المتاخمة لكربلاء والحدود السعودية ، فيما سيتولى الاكراد قضم نصف نينوى ونصف ديالى وثلاثة ارباع كركوك وربع صلاح الدين . أما بغداد فسيصار الى حملة تطهير مذهبي لتكون عاصمة المركز .
سابعا . سيتم حرمان الاقليم من واردات ميزانية المركز … وهذه المشكلة ستشكل عامل ضغط اجتماعي واقتصادي كبير في السنوات الاولى ، كما ستكون سببا في نشوء نزاعات قانونية معقدة بين الاقليم والمركز حول حقوق الاشخاص والممتلكات العامة في الجانبين وما تفرضه من تعويضات .
ثامنا . الانكشاف الجيوستراتيجي للاقليم .. فبحكم التكوين القسري سيكون محاصرا بين دولتين أقوى منه عسكريا واقتصاديا وتنظيميا تناصباه العداء . من الشمال والشرق دولة كردستان بملايينها الستة (باضافة المسوطنين الاكراد الاتراك والسوريين والايرانيين) ومن الجنوب دولة العراق الشيعية بملايينها الخمس عشرة حيث سيكون للامتدادات الشيعية والسنية في كل منهما تأثيرات كبرى في نزاعات لن تنتهي حتى مع قيام حملات ترانسفير قصوى في كلا الاتجاهين ( شبيهة بالترانسفير بعد تقسيم الهند بين الهندوس والمسلمين ) سيدفع الستة في بغداد وغيرها والشيعة في ديالى ومناطق اخرى في الشمال ثمنا فادحا لها . ومما يزيد العداء بين دول الجوار مشاكل كبرى اضافة للتداخل السكاني ، مشاكل تتعلق بالسياسات والطائفية والقومية وحدود الاقليم والثروات الطبيعية المشتركة والمياه .
تاسعا . في حالة سلخ اراضي من الاقليم خاصة في الجنوب فأن حدوده الطبيعية ستحده من الغرب فقط الاردن وسوريا . فبقاء النظام الحالي يعني قطع اي امل بمساعدة الدولة السورية له في ظل العلاقات المتقدمة مع النظام الحالي . وان جاء نظام جديد يقوده السنة فان ذلك سيكون سندا له لكن الدولة السورية الجديدة ستكون ضعيفة ومقطعة الاوصال وتحتاج لعشرة سنين ان لم يكن اكثر لتقف على قدمها ..لكن ذلك سيسهل تسلل التطرف السوري الذي تمثله تنظيمات كثر من المقاومة المسلحة الى الاقليم ومنه الى الاقليم الشيعي وهذا يفتح باب جديد للمشاكل على الصعيد الداخلي والخارجي . اما الاردن فسيحاول ان يكون حياديا للمحافظة على العلاقات الاقتصادية والنفطية التي تربطه ببغداد لكن الضغط الشعبي ونمو واردات نفط الاقليم سيجعله مستغنيا عن نفط بغداد وقد يدخل في اتحاد فدرالي مع الاقليم السني .
عاشرا . ورقتا القوة التي يملكها الاقليم ستكون بالدرجة الاساس ورقة المياه وبدرجة اقل ورقة خطوط نقل نفط الجنوب المارة فيه … هاتان الورقتان ، ان فرضت الاوضاع استخدامهما فستكونا عامل تهدئة وعلاقات مصالح مشتركة مع الجنوب .. والا فانهما ستكونا مصدرا لحروب ونزاعات مستمرة . فالجنوب لن يستغني عن انابيب النفط المارة عبر الاقليم الى تركيا والاردن وسوريا لانها تقصر مسافات وتكاليف تصدير نفطه وتغنيه عن استثمارات جديدة لتصدير النفط .
اما بالنسبة للماء فان اقامة عدد من السدود في المنطقة الغربية على الفرات وعلى دجلة في الموصل وصلاح الدين كفيل بان يجعل الاقليم جنة زراعية ، لكن في نفس الوقت ستكون مصدر خراب للجنوب وتعطيش اهله وستموت اراضي الجنوب وستزداد ملوحتها وتجدب وتصبح بور ويصير ملايين الفلاحين بلا عمل، ويجر ذلك تغييرات بيئية ومناخية تجعل مناطق الجنوب غير قابلة للعيش ، وسيقل منسوب شط العرب وتغمره التيارات البحرية الملحية وتموت الثروة السمكية وغابات النخيل على ضفتيه…. وسيكون محتما على ابناء العراق ان يعيشوا في عصر صحراوي جديد يتم صرف موارد النفط كافة لشراء الغذاء والماء ومايستغرقه ذلك من كلفة ووقت لبناء بنية جديدة تتكيف مع حياة الصحراء الجديدة .
هكذا نرى ان فكرة الاقاليم هي فكرة مدمرة لكل العراقيين سنة وشيعة ، ولا يجادل احد ، خاصة طارق الهاشمي الذي يدعّي ويتبنى الان فكرة الاقليم السني زاعما انها تقوم على اساس اداري ولا تعني تقسيما ، فبحكم رؤيتنا الديمقراطية المحدودة الافق فان أي اقليم يقوم الان او في المستقبل سيتجه حتميا الى الانسلاخ عن المركز بفعل التركز العالي لمكامن الاحتقان والمشاكل والارادات الخارجية التي تتدخل في هذه المسائل الحساسة …
وسيسعى اي اقليم يقوم على اساس اداري الى توسيع صلاحياته المحلية في مجال الامن والدفاع والاقتصاد والتعليم ومناهجه وغيرها من الامور الى ان ياخذ شكل الاقليم شبه المستقل على غرار كردستان ومن ثم يدخل في مشاكل كثر مع المركز تؤدي الى التصادم ولا تنتهي الا بالانفصال . وكرة سيحة الاقاليم ستمتد الى محافظات الوسط والجنوب ليكون العراق ارخبيل من الجزر المستقلة المتناثرة والمتناحرة ايضا … فأية دولة ترجو من هكذا وضع ؟
أن هذا التشتت في الرؤى السنية وخطل فكرة الاقليم في هذه الظروف يجب ان تدفع المثقفون منهم والحريصون على مصلحة الطائفة قبل الوطن ان يكونوا اكثر جراة في اندفاعهم الى الامام لاخذ زمام المبادرة من السياسيين التقليديين الحاليين وأن يطرحوا افكار واقعية قابلة للحياة … المعتدلون المؤمنون بالوطن الواحد هم من تحتاجهم هذه المرحلة . فمحاربة طائفية النظام لا تكون بتجييش طائفي مقابل وعنف مقابل وتطرف او انشاء الميليشيات والجيوش والارتهان لاطراف خارجية لم يثبت صدقها سابقا في حب او مساعدة العراقيين فهل نصدق بها الان وكل ماترومه خدمة اجنداتها الذاتية … فلا تسمحوا لانفسكم ان تكونوا ادوات ووقودا لحروب لا مستقبل لنا منها وقد خسرنا سابقا وسنخسر الكثير اذا ماسرنا بهذا الدرب الذي اثبتت وقائع التاريخ خطله ……ينبغي عدم السماح لكل من هب ودب مهما كانوا صادقين بطروحاتهم على تغليب عواطفهم على مصالح الطائفة الانية والمستقبلية .
وبما ان اليد الواحدة لا تصفق ، فالدعوة موجهة كذلك الى مثقفي ووطنيي الطرف الاخر بعزل دعاة الفتنة والتقسيم على اساس طائفي ، والضغط عليهم لنبذ سياسات التهميش والاقصاء على اساس العرق والطائفة لانها تتعارض مع البناء الديمقراطي والحضاري المعاصر … ونقل ساحات الصراع الى الفكر والتباري في تقديم الافضل وليس الصراع بالسلاح وتسقيط الاخر اخلاقيا …. والى ان يحين ذلك حفظ الله العراق واهل العراق من كل مكروه ومن كل طائفي حاقد . الحل هو باعطاء الحكومات المحلية استقلالية تامة في الامور الادارية والاقتصادية والامن الداخلي وان يتولى المركز الامن والدفاع الوطني والمالية والرقابة على اداء الحكومات المحلية والتخطيط العام لكل العراق .