20 مايو، 2024 10:37 ص
Search
Close this search box.

محنة السلطة القضائية والإصلاحات المرتقبة ومطالب المتظاهرين/5

Facebook
Twitter
LinkedIn

ونكمل دراستنا في جزئها الاخير ونقول:
المعبر الثالث: السلطة القضائية ومطالب المتظاهرين:
القضاء العراقي، يتعرض اليوم الى محنة كبيرة، تهدد وجوده وكيانه، كإحدى سلطات الدولة العراقية، التي لها صلاحية مساءلة بقية السلطات والرقابة على اعمالها، ان النظام القانوني العراقي، يعاني من مشكلة كبيرة تتمثل بالجهة التي تملك صلاحية محاسبة القضاء في حال فشله في ممارسة مسؤولياته القانونية والدستورية، نتحدث عن تجاوزات قام بها قضاة كبار، يتهمهم الشارع اليوم بالفساد، ويتظاهر ضدهم، اضافة الى وجود عشرات الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، تنتقد رأس السلطة القضائية ورؤساء الاجهزة العدلية الاخرى، وتطالبهم بالاستقالة، إن الشعارات التي رفعها المتظاهرون بإجراء إصلاحات في القضاء، اكتسبت زخما بإعلان المرجعية الدينية بضرورة اصلاح السلطة القضائية، وان يكون لدينا نظاما قضائيا فاعلا قادرا على انجاز ما تتطلبه حملة القضاء على الفساد وانفاذ القانون على الجميع دون أستثناء وبغض النظر عن انتماءاتهم ومواقعهم السياسية والرسمية تنفيذا لما جاء في نص الدستور بأن العراقيين متساوون امام القانون.
لقد أعلن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب والمرجعية موقفهما من ضرورة اصلاح القضاء والكل بانتظار موقف رئيس السلطة القضائية ليطمئن جمهور العراقيين في اجراء إصلاحات لتحقيق العدالة والنزاهة ومواجهة بعض مظاهر الفساد في القضاء العراقي، والمؤمل حزم السلطة القضائية ولا تأخذها بالحق لومة لائم ولا تنحاز لموقف سياسي او مركز سلطوي، وتتجدد الدعوات التي تدعو الى تمرير مشروع قانون المحكمة الاتحادية باعتباره الكفيل بإجراء الإصلاحات المطلوبة داخل السلطة القضائية.
السلطة القضائية، اصدرت قبل ايام مجموعة من القرارات ترى انها اصلاحات، تتناسب مع المرحلة الجديدة التي اسست لها التظاهرات، وتلبي نداءات المرجعية التي دعت للإصلاح.
أما فيما يتعلق بالمطلب الاساس للمتظاهرين وهو تنحية رئيس مجلس القضاء الأعلى من مهامه، فقد تم مناقشة هذا الموضوع عبر بوابة طلب الرئيس الاحالة الى التقاعد، وتم مناقشة الطلب والتصويت بالإجماع على رفض الطلب لأن المصلحة العامة والعدالة في هذه المرحلة تقتضي البقاء في مهامه رئيسا لمجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية (كما ورد على لسان السلطة القضائية).
والسؤال الذي يرد في هذا المجال، أين مطالب المتظاهرين؟ هل هناك خلافات شخصية للمتظاهرين مع شخص رئيس السلطة القضائية؟ هل هناك مصلحة خاصة لهم برحيله عن المنصب؟
اننا ندعم السلطة القضائية ونقدر شخص رئاستها لغزارة علميته، وعندما نكتب عن ضرورة احترام القضاء واستقلاليته عن المؤثرات الخارجية، واستعمال الفاظ مهذبة في نقدها، لا يعني اننا نؤيد اشخاصاً بعينهم، ذلك ان القضاء هو أكبر وأسمى من الأشخاص، وحسب علمنا لم يحدث بتاريخ العراق ولا بتاريخ الشرق الأوسط، أن يقوم شعب ثائر برفع صور (قاضي القضاة رئيس السلطة القضائية) مطالبا بإقصائه ومحاسبته، واتذكر، قبل ثمانية سنوات، هبت نقابة المحاميين الباكستانيين لتحدي اقوى نظام عسكرتاري في القاره الهندية من أجل رئيس المحكمة العليا الذي وقف مع العدالة وضد أوامر جنرالاته، أدى هذا الاعتراض الى ثورة شعبية ساندت النقابة وأدت الى سقوط كامل نظام الجنرال مشرف وللابد، ونفس الشيء في مصر العربية التي أسقط الشعب المصري أكبر حزب إسلامي على وجهة الأرض لأنه حاول التدخل في تعيين النائب العام المصري.
وهناك اسئلة وملاحظات ترد حول بعض القرارات التي اتخذتها السلطة القضائية مؤخراً، وتصريحات سياسيين. فمثلا: بعد المؤتمر الصحفي للنائب هيثم الجبوري، الذي اتهم فيه قضاة كبار بعرقلة المئات من الدعاوى بحق اصحاب مصارف في عمليات غسيل اموال، مقابل مبالغ مالية كبيرة، دفعت له على شكل عقارات في دول عربية واجنبية. هذا الاتهام الذي صدر من عضو في السلطة التشريعية، بحق عضو في السلطة القضائية، يجب الا يمر مرور الكرام، فعلى القضاء ان يحقق في تلك الاتهامات ويطلع الرأي العام عن مدى صحتها، وهل ان القاضي المتهم فاسد فعلا؟ أم بريء؟ وإذا كان فاسداً كما ادعى النائب، فما هي الاجراءات المتخذة بحقه وفقا للقانون؟ الاخبار تشير الى ان مجلس القضاء امر بنقل الدعاوى التي كانت تنظر من قبل القاضي المتهم من محكمة استئناف الرصافة الى محكمة استئناف الكرخ، وبعدها تم إعطائه إجازة لمدة ستة أشهر تحت ذريعة مرضه؛ ماذا يدل هذا الاجراء؟ على صحة تلك الاتهامات ام على بطلانها؟ والمثير للاستغراب انه بعد تعيين رئيس استئناف للرصافة جديد، تم إعادة دعاوى النزاهة، اليس هذا الاجراء وسابقه غامضين ومتسرعين، حيث خلال شهر واحد تتم هذه التنقلات الجوهرية وما رافقها من إجراءات إدارية وهي إجراءات ليست بالسهلة، لاسيما سيتم بسببها تأخير في عمل المحامين والمواطنين.
وقبل ايام، صرح النائب نفسه، ممهلا القضاء 7 ايام، للكشف عن ملفات الفساد التي ارسلت له والا، سيقوم البرلمان بإعلانها بنفسه! هل هذا التصريح، يدل على ان القضاء لا سلطان عليه غير القانون؟ أم هناك سلطان آخر؟ على ماذا يدل تحذير برلماني لقاضٍ؟ وهل فعلا، القضاء يتستر على قضايا فساد؟
على السلطة القضائية ان تخرج الى الرأي العام بقرارات حاسمة وجريئة، تعيد الى الشارع الثقة بها، وتؤكد للمتظاهرين انها مازالت تحت سلطان القانون ولا شيء آخر.
لذا نحتاج لنهضة تشريعية وقضائية طال انتظارها دون جدوى حتى الآن، وفي ذلك الماء الآسن ما فيه من خطر عظيم على مستقبل العراق ونظام الحكم فيها، يقول الكواكبي:
(إنها قولة حق وصيحة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، فقد تذهب غدا بالأوتاد).
المعبر الرابع: إيقاف التدخل في أعمال الوظيفة القضائية
ان المؤشرات في السنوات الماضية تشير الى ملامح تدخلات سياسية في سلطة القضاء وجنوح بعض القضاة نحو انتماءات سياسية ذات نزعات طائفية وعرقية ما يخل بصورة القضاء المستقل النزيه، حتى ساد اليوم القول بأن الفصل بين السلطات إنما هو مجرد نوع من توزيع الوظائف بين مؤسسات الدولة يقوم على أساس التعاون بينها تحقيقا للمصلحة العامة، الامر الذي يتطلب من المؤسسة القضائية مزامنة خطوات رئيسي الحكومة والبرلمان باتخاذ حملة لإصلاح المنظومة القضائية.
ان القضاء العراقي ومن خلال متابعتنا لمجريات الأمور يمر بمحنة كبيرة، ومحنته تتجسد في كثرة التدخلات من هذا وذاك وفي ممارسة سياسة الطعن والتشكيك والتشهير ضده من خلال وسائل الاعلام من كل من هب ودب وهي سياسة غير صحية يجب وقفها والتصدي لها وضرورة تعزيز هيبة القضاء العراقي واحترامه.
فالقضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون والقانون فقط، غير ان ما نقرأه ونشاهده ونسمعه من اساءات تمس هيبة القضاء العراقي ونزاهته تثير الشجون والأحزان والقلق، لهذا يجب ان تتوقف العديد من القنوات الفضائية ومواقع الأنترنيت والصحف وغيرها من وسائل الاعلام عن مثل هذه السياسة التي تضر بالقضاء وبسمعته وهيبته وشفافيته، ونأمل من السلطة القضائية ان تقوم بدورها بالإصلاحات المطلوبة وتطوير عمل المؤسسة القضائية بما ينتج عنه الية فعالة لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة والإرهاب.
وتعرض الكثير من القضاة الى القتل والتهديد او الاساءة وهو أمر غير مقبول وتتحمل الحكومة ووسائل الاعلام مسؤولية كبيرة في هذا المجال لحماية القضاء وتخفيف ما يمر به من محنة أضرت بهيبته وشككت في نزاهته واساءت لسمعته، وهو حالة خطيرة تضر بمستقبل العراق وببناء الديمقراطية ودولة القانون.
إنّ على رئيس مجلس القضاء الأعلى أنْ يبرهن للناس أنه لا سلطة على القضاء، ولا يكفي الكلام المجرد، وعليه أنْ يكون رقيبًا على تصرفات القضاة كي يكونوا واجهة مشرقة مشرفة، وعليه أن يوقف من لا يستحق القضاء غير آبه بقول أحد أو غضب مسؤول.
أن ولوج القضاء في المسائل السياسية حتى لو بدون ان يعلم، يكون قد نال من نفسه ومصداقيته لدى الشعب ويربأ الشرفاء أن يُتَّخذ القضاء معبراً للمرور من الأزمات السياسية ولو كانت خانقة، ويعود تسييس القضاء في أحد أهم أسبابه غير الشخصية إلى دخول قضاة عديدين الى المعترك السياسي والبعض الاخر اخذ يمثل جهة سياسية او دينية او طائفية، او من خلال  إصدار أحكام لخدمة أغراض السلطة التنفيذية، أو جهة  سياسية متنفذة بالتعرض لضغوط منها أو إغراءات تُغيب ضمير القاضي وتحفز قدرته على تحدي العدالة بتحريف نصوص التشريعات والتلاعب بمعانيها ومقاصدها التي؛ في العادة تتحيز للمتهمين(مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومبدأ الشك في  مصلحة المتهم)، أو ما نشهده هذه الأيام في العراق من مظاهرات واعتصامات من الشعب ومن احتجاجات ضد الأحزاب السياسية والدينية ضد الفساد واتهام القضاء العراقي(خصوصا من المنظمات الدولية) بأنه قضاء مسيس من جهة وفاسد من جهة أخرى، والمناداة بهتاف الشعب يريد تطهير القضاء.
ويقول الصحفي فخري في احدى مقالاته (إن التشكيك بالقضاء، حين يصل إلى السلطة التشريعية ويتحول إلى اتهام صريحٍ لأعلى سلطة قضائية بشبهة التواطؤ لصالح انحرافاتٍ سياسية خطيرة، وارتكاباتٍ تمس سلامة الدولة “ناقصة البنيان”، ووجهة تطور المسيرة الديمقراطية، فان ذلك يشكل تحذيراً من عيارٍ ثقيلٍ يتطلب وقفة جدية من أولي الأمر المختلفين).
وماصرح به (رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية وقبله المنظمات الدولية بصدد احكام الاعدام الاخيرة) بان المحكومون بالإعدام صدرت بحقهم لأسباب أمنية بضغوط سياسية.
ولهذا فأن على المؤسسة القضائية أن نكون بمستوى طلب المتظاهرين والمرجعية، ونقوم بصولة جبارة في محاربة الفساد من خلال محاكمة الفاسدين كما تحارب الإرهاب لان الفساد المالي والإداري أخطر من الإرهاب،
وطيلة عملي في المحاماة وتحديدا في المحكمة المركزية كرئيس غرفة المحامين لأكثر من ست سنوات(2005-2012) كان الكثير من القضاة، شرفاء وابطال ورموز وفرسان جسدوا عظمة القضاة العراقيين، والقلة من الذين قد رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم وقبلوا نحر العدالة في العراق.
وبالنتيجة نحتاج الى رحمة حقيقية كون القضاء يمثل أرادة الله في الأرض والقاضي يمثل خليفة الله في الأرض ولا يمكن للبعض من القضاة وهم محترمون أّن يعطونا صورة على أَن الله ظالم – حاشى الله أِلا أَن يكون رحيماً عطوفاً على عباده وهادياً لهم في أَن يسيروا في الهدى.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب