18 ديسمبر، 2024 7:06 م

محنة السلطة القضائية والإصلاحات المرتقبة ومطالب المتظاهرين/1

محنة السلطة القضائية والإصلاحات المرتقبة ومطالب المتظاهرين/1

كثر الحديث في الايام الاخيرة عن ضرورة اصلاح السلطة القضائية، وكررت هذه المطالبات في التظاهرات، ومما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو امرين: الأول، عدة مطالبات من أصدقاء ومحامين وقضاة ومن أعضاء في نقابات واتحادات دولية وعربية، والثاني: ما يظهر بين الحين والآخر من يتصدر القنوات والمواقع الإلكترونية باجتهادات لا ترقى مع خبرته وخدمته المهنية والقانونية ومنهم من يطلق على نفسه مستشار قانوني باختلاس لمسميات وظيفية اوجدتها مراكز وهمية في لبنان ومصر وانتقلت الى كردستان، والتي تمنح منصب مستشار بثلاثة أيام وبخمسمائة دولار(وكتبت مقال عن ذلك) والمؤسف ان من يرعى ذلك نقابات واتحادات مهنية، ورجال قانون من خريجي هذه المراكز يمارسون الاحتيال والسطو(مع سبق الإصرار والترصد) على مناصب وظيفية لا تأتي الا بعد خبرة وخدمة واليات ليست بالسهلة وتستمر لسنوات(قانون نقابة محامي إقليم كردستان)وبصدور مراسيم جمهورية(قانون الخدمة المدنية العراقي النافذ)، لكنهم اصبحوا مستشارين في صفحات الفيس بوك وكارتاتهم التعريفية وعلى واجهات مكاتبهم بغفلة من الزمن، ورجال القانون المهنيين في مصر والأردن يسمونهم(مستشار بمائة دولار)، وشاهدت قنوات تستضيف قانونيين ومحللين ممن لا يفقه من بحر القانون الا سواحله الرملية، وممن لم يحسنوا في أدائهم المهني وممن لا يفهموا لغة طرح الآراء القانونية والاجتهادات ولا آفاقها، وهم يحاولون أن يسبحوا في بحيرات ضحلة، وقرات عدة مقالات واستمعت لعدة نقاشات في ورش عمل، كلها تلقى فيه اللوم على السلطة القضائية بعدم سعيها لتغيير التشريعات النافذة التي أصبحت لا تتفق وتحولات ما بعد عام 2003 ومنها التشريعات التي تعنى بالهيكلية القضائية.
 والسلطة القضائية في العراق تطورت من ناحية النصوص القانونية الحاكمة لفعالياتها بعد 9/4/2003 ففي عهد النظام السابق كان هناك مايعرف ب (مجلس العدل) الذي اخضع السلطة القضائية وفق القانون رقم 101 لسنة 1977 وحيث ان مجلس العدل كان برئاسة وزير العدل فلنا ان نعرف حجم تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية.
بصدور الامر رقم (35) المؤرخ في 18/9/2003 تم اعادة العمل بمبدأ استقلالية السلطة القضائية، شُكل مجلس القضاء الأعلى الذي يتكون من رئيس محكمة التمييز وعضوية نوابه الخمسة ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي ورؤساء محاكم الاستئناف.
هذه الخطوة جاءت منسجمة مع المعايير الدولية والنظم الديمقراطية التي تدعوا الى استقلالية القضاء وفصل السلطات ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/ 1985، والأمر 35 لعام 2003 الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة ( (CPA، فقد جعل مجلس القضاء الأعلى، مسؤولا عن الاشراف على النظام القضائي في العراق ويمارس مهامه بشكل مستقل عن السلطة التنفيذية ووزارة العدل فله تعيين القضاة والترشيح لتولي المناصب القضائية المنصوص عليها في قانوني التنظيم القضائي والادعاء العام، وقد تم فصل ميزانية مجلس القضاء عن السلطة التنفيذية بموجب مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة بالرقم 12لسنة2004، وتم اعطاء السلطة والولاية على موظفي المحاكم بدلا من وزارة العدل، وهذه كلها اجراءات صحيحة لا غبار عليها ويجب ان تستكمل بجعل المعهد القضائي ومديريات التنفيذ ومديرية رعاية القاصرين تحت سلطة مجلس القضاء وكذا الحال في ما يتعلق بمجلس شورى الدولة ومحكمتي القضاء الاداري وقضاء الموظفين مستقلتان اي لا تتبعان السلطة التنفيذية حتى يتأكد مبدأ فصل السلطات.
حددت المادة 89من الدستور مكونات السلطة القضائية، وجاءت المادة 90 لتشير الى تولي مجلس القضاء الاعلى ادارة شؤون الهيئات القضائية، اما المادة 91 من الدستور اشارت الى ان مجلس القضاء الاعلى يتولى ادارة شؤون القضاة والاشراف على القضاء الاتحادي.
والكل يتساءل عن الجهة التي من الممكن ان تقُيل السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى او تجري اصلاحات داخل السلطة القضائية، والتي ضاعت ملامحها بين رئاسة الجمهورية والبرلمان، فبعد مطالبات الجماهير وكذلك المرجعية الدينية بضرورة اصلاح السلطة القضائية، أعلنت السلطة القضائية الاتحادية، عن رفض اعضاء مجلس القضاء الاعلى بالأجماع طلب رئيسه القاضي مدحت المحمود بإحالته على التقاعد، مما جعل الامر لا يروق للمتظاهرين، وهناك توجهات بتمرير مشروع قانون المحكمة الاتحادية حيث يعده الكثير انه وحده الكفيل بإجراء الاصلاحات المطلوبة داخل السلطة القضائية .
فأننا ومع عظيم احتراماتنا للسلطة القضائية، نقدم وبكل تواضع وصدق وبعيداً عن قصد التجريح وانتقاص من جهود هذه المؤسسة العريقة، رؤيتنا المتواضعة أملين أن يتفهم الجميع أن الغاية من هذه الدراسة لتوضيح بعض من وجهة نظرنا بالحقائق التي نرى من الأهمية التطرق إليها لغرض تصحيح وضع المؤسسة القضائية، التي أصبح بقائها بهذا الحال خطر على المسار الذي خطه دستور 2005 في تحقيق الحقوق والحريات وحكم القانون والقضاء العادل وحتى بقاء تماسك الدولة العراقية كدولة اتحادية موحده، إننا نرى أن الإصلاح يتم وعلى التوازي من خلال المعابر التالية:
المعبر الأول: مدى شرعية بعض مكونات السلطة القضائية:
المعبر الثاني: مناقشة ورقة الإصلاح المقدمة من السلطة القضائية:
المعبر الثالث: السلطة القضائية ومطالب المتظاهرين:
المعبر الرابع: إيقاف التدخل في اعمال الوظيفة القضائية:
المعبر الأول: مدى شرعية السلطة القضائية:
صنفت المؤسسات القضائية كواحدة من سلطات ثلاث بالسلطة القضائية إضافة إلى السلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان والسلطة التنفيذية التي تتمثل في الحكومات ومؤسساتها، ومما يستوجب التذكير، إن التصنيف السلطوي للجهات الثلاث، يُحرم تدخل أيا منها في شؤون الأخرى، فكل منها سلطة مستقلة بذاتها استقلالا تاما، إن التنسيق بينها منوط بكل منها برضاها ومبادرتها إلى ذلك، وقد اقترن هذا التصنيف بخاصيتين اثنتين:
الخاصية الأولى: إن لكل سلطة واجبات واضحة ومحددة ومعرفة بالتشريعات النافذة.
والخاصية الثانية: إن كلا منها خاضع للمراقبة والمحاسبة، بجهات ومرجعيات محددة كذلك بالقوانين المعنية بهذا الشأن.
ولا يهم ان يكون الهرم القانوني اي الدستور تشوبه بعض العيوب الشكلية والموضوعية، فتطبيق القانون بشكل سليم، يمكنه بمرور الوقت ان يربي جيلا يؤسس لثقافة قانونية قد تعدل وتلغي القوانين التي لا تتوافق مع الديمقراطية.
وسأناقش في هذا المعبر بعض الطروحات والآراء في شرعية عدة مفاصل في السلطة القضائية، وكما يلي:
المحور الأول: شرعية مجلس القضاء الأعلى
المحور الثاني: شرعية المحكمة الاتحادية العليا
المحور الثالث: شرعية محكمة التمييز الاتحادية.
المحور الرابع: شرعية المناصب القضائية.
المحور الخامس: مسالة السن القانوني للتقاعد.
المحور الاول: شرعية مجلس القضاء الأعلى:
الف-السلطة القضائية في العراق قبل سقوط النظام كانت مرتبطة بوزارة العدل، ووزير العدل هو من يسير امور مرفق القضاء، عندما جاء الحاكم المدني بريمر بعد سقوط النظام أصدر الحاكم المدني بالعراق بصفته التشريعية الأمر المرقم 35 في 18/9/2003 الذي أسماه (أعادة تشكيل مجلس القضاء) بموجبه تم فصل السلطة القضائية من وزارة العدل وجعلها مستقلة، وتم تأسيس مجلس القضاء والذي جاء في القسم الثاني من الأمر.
باء-أصدر الحاكم المدني مذكرة سلطة الإتلاف المؤقتة رقم 12 لسنة 2004 الذي تم بموجبه فصل القضاء بالكامل عن وزارة العدل من حيث الموازنة والملاك والعقارات وكل ما يتعلق بإدارة القضاء
جيم-صدر قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الدستور المؤقت) عام 2004 والذي جاء في الباب الثالث المادة (ثالثا/ج) منه؛ والتي نصت على مايلي (ينتهي سريان نفاذ هذا القانون عند تشكيل حكومة منتخبه وفقا لدستور دائم) وجاء في الباب السادس منه (السلطة القضائية الاتحادية) المادة 45 والتي جاء فيها (يتمّ إنشاء مجلس أعلى للقضاء ويتولى دور مجلس القضاة، يشرف المجلس الأعلى للقضاء على القضاء الاتحادي، ويدير ميزانية المجلس، يتشكّل هذا المجلس من رئيس المحكمة الاتحادية العليا، رئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية، ورؤساء محاكم الاستئناف الاتحادية، ورئيس كل محكمة إقليمية للتمييز ونائبيه. يترأس رئيس المحكمة الاتحادية العليا المجلس الأعلى للقضاء، وفي حال غيابه يترأس المجلس رئيس محكمة التمييز الاتحادية.)
 وفي الباب التاسع (المرحلة مابعد الانتقالية) المادة 62 والتي نصت (يظلّ هذا القانون نافذاً إلى حين صدور الدستور الدائم وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بموجبه).
دال- إن قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أصبح قانون ملغي بموجب أحكام الدستور الذي صوت عليه الشعب بالإجماع ونشر بالجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) بالعدد 4012 في 28/12/2005  بموجب المادة( 143) التي نصت على(يلغى قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وملحقه عند قيام الحكومة الجديدة باستثناء ماورد في الفقرة ( أ) من المادة (53) والمادة (58) منه) كذلك بموجب المادة (ثالثا/ج) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية والتي نصت على مايلي (ينتهي سريان نفاذ هذا القانون عند تشكيل حكومة منتخبه وفقا لدستور دائم).
هاء- أن إلغاء قانون الدولة للمرحلة الانتقالية بموجب أحكام المادة 143 من الدستور واستنادا للمادة 130 من الدستور والتي نصت على  تبقى التشريعات النافذة المعمول به ما لم تلغ أو تعدل وفق أحكام الدستور دليل واضح على  سريان وتفعيل الأمر 35 لسنة 2003 الذي بموجبه تم تأسيس مجلس القضاء الأعلى ويكون رئيس محكمة التمييز(رئيسا للمجلس).
واو- استمرت السلطة القضائية تكسب شرعيتها وعملها بموجب الامر المذكور، حتى سنة 2012 عندما تم تشريع قانون 112 لسنة 2012 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4266 في 4 / شباط / 2013 المتكون من 12 مادة والذي بموجبه تم اختيار رئيس جديد للسلطة القضائية بدلا من السيد(مدحت المحمود) ولكن هذا القانون لم يسر كثيرا، اذ سرعان ما تم الطعن به من قبل ائتلاف دولة القانون وأصدرت المحكمة قرارها  بالعدد 87 / اتحادية / إعلام / 2013 في 16/9/ 2013 بالأكثرية، وتم نقضه، بحجة انه شرع خلافا للسياقات الدستورية، لتعود السلطة القضائية الى الامر35 لعام 2003، باعتباره القانون الأساسي.
ولا اعرف ما هو الدافع الذي جعل من كتلة سياسية نافذة الطعن بقانون مجلس القضاء الاعلى الذي منح للمجلس ولقراراته ومؤسساته شرعيتها الكاملة؟
وهناك اراء قانونية كان لها صدى في الميدان القانوني والقضائي والتي تدعي بان (الامر35 لعام 2003 يمكن الغاؤه من قبل مجلس الوزراء وباعتبار رئيس مجلس الوزراء قد حل بدل المدير الاداري بريمر الذي اصدره، وان قرار بريمر صادر منه بصفته المدير التنفيذي للبلد في وقتها ورئيس مجلس الوزراء الان المدير التنفيذي للبلد قانونيا والمركز القانوني لبريمر في وقتها(رئيس حكومة العراق) هو ذات المركز القانوني لرئيس مجلس الوزراء الان، كما ان هذا الامر ليس بقانون ولم يعرض على تصويت برلمان، لأنه ليس في وقتها كان هناك برلمان، وبما ان القانون لا يلغى او يعدل الا بقانون يوازيه، وبما ان الدستور هو أسمى من كل القوانين فتكون الاوامر الادارية التي صدرت في عهد بريمر كلها ملغية لأن الدستور ألغي مصدر شرعيتها والالغاء جعل القانون بحكم اللاشيء او المنعدم، فلا وجود اليوم لقانون اسمه قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية).
وهذا الراي غير صحيح، ذلك لان السفير بريمر كان مستندا على قرارا أممي حسب الإشارة الواردة في نص ألامر 35 لسنة 2003، وان الامر 35 مستند الى قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية خصوصا المادة 26 منه التي نصت: ان القوانين والانظمة والاوامر والتعليمات الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة بناءً على سلطتها بموجب القانون الدولي تبقى نافذة المفعول الى حين الغائها او تعديلها بتشريع يصدر حسب الاصول ويكون لهذا التشريع قوة القانون.
ونضيف لما سبق من اراء حول عدم شرعية مجلس القضاء الأعلى، ونقول:
ان المادة 47 من الدستور نصت على ان: (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اسا مبدأ الفصل بين السلطات) ونص الفصل الثالث من الدستور على السلطة القضائية واحكامها ونصت المادة(90) من الدستور على تكوين السلطة القضائية: (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيأة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون) وقد اصدر المدير التنفيذي لسلطة الائتلاف المؤقتة في العراق الامر(35) لسنة 2003 في 18/9/2003 وفقا لصلاحياته كمدير اداري لسلطة الائتلاف المؤقتة، وانسجاما مع قرارات مجلس الامن ذات الصلة بما فيها القرار1483 لسنة 2003 وبناءا على قوانين واعراف الحرب، (بالرغم من ان اتفاقيات جنيف تمنع القوات المحتلة من تغيير البنى التحتية الادارية والقضائية) والذي بالرغم من صدوره من قوات الاحتلال، الا انه يعد القانون الأساسي وعزز استقلالية القضاة، واعاد تشكيل مجلس القضاء ليتولى المجلس إدارة شؤون القضاء بشكل مستقل عن السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل، وعهد الى القاضي مدحت المحمود منصب رئيس مجلس القضاء، وقد تأسس مجلس القضاء بتركيبة جديدة تضم كل من رئيس محكمة التمييز ونوابه ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف العدلي ورؤساء محاكم الاستئناف ومدير عام الدائرة الإدارية.
وصدرت بعدها المذكرة رقم 12 لسنة 2004 التي اسست للاستقلال المالي والاداري للسلطة القضائية، وأثر ذلك انيطت رئاسة مجلس القضاء الأعلى في حينه برئيس محكمة التمييز الاتحادية التي كانت اعلى هيئة قضائية اتحادية قبل تشكيل المحكمة الاتحادية العليا عام 2005، ولم يكن الامر 35 لسنة 2003 موفقا في ذلك، لان الرئاستين يجب ان تكون لشخصيتين قضائيتين، لضمان الشفافية المطلوبة في فلسفة العدالة والمناصب القضائية، ولضمان حسن الأداء للمكونين القضائيين، بخاصة ان رئاسة محكمة التمييز الاتحادية لها عملها القضائي البحت الذي يتطلب رئاسة الهيئة العامة والتواجد المستمر في أروقة المحكمة لضخامة عدد الدعاوى، اما رئاسة مجلس القضاء الأعلى فهو عمل اداري أولا وتتخلله اعمال قضائية هامشية ضيقة، والرئاستين لهما أعباء ثقيلة كلُ في مضماره، لذا من غير الممكن ادارتهما من شخصية قضائية واحدة، خصوصا اذا ثار نزاع بين مثلا محكمة التمييز الاتحادية ورئاسة مجلس القضاء الأعلى، في هذه الحالة تكون الخصومة في مقتل لانعدام توفر الحيادية والنزاهة في التقاضي، والشفافية لا تتحقق، وكان من الأمور الجوهرية اجراء تعديل على الامر 35 لسنة 2003 في هذا الجانب وجوانب أخرى لاجل ان يكون متماشيا مع الدستور الذي اكد ان مكونات السلطة القضائية منفصلة الواحدة عن الأخرى ولا سلطان لمجلس القضاء على أي واحدة منها باي شكل من الاشكال، والامر مخالف لنص قانون التنظيم القضائي المرقم 160 لسنة 1979، ولكنا امام انفراجه قوية في تغيير منصب رئاسة السلطة القضائية.  
ثم صدر قانون إدارة الدولة العراقية(الدستور المؤقت) سنة 2004 لاحقاً للأمر رقم 35 لسنة  2003 وعدلت المادة (45) منه بعض الاحكام الواردة في الامر رقم 35  لسنة 2003 حيث تم تبديل اسم (مجلس القضاء) الى (مجلس القضاء الأعلى) وأنيطت رئاسة (مجلس القضاء الأعلى) برئيس المحكمة الاتحادية العليا التي أصبحت منذ تشكيلها بالقانون رقم 30 سنة 2005، وتعد هذه المحكمة اعلى هيئة قضائية اتحادية في العراق نظرا للاختصاصات التي تنظرها بموجب قانون إدارة الدولة وبموجب دستور 2005 النافذ، وتعد هذه المحكمة ممثلة للسلطة القضائية باعتبارها تمثل قمه الهرم القضائي، وان التعديل الذي جرى على الامر35 لسنة 2003 بموجب المادة (45) من قانون إدارة الدولة الانتقالية يبقى نافذاً رغم الغاء قانون إدارة الدولة بصدور الدستور النافذ، الا ان ما جرى في ظله من تعديلات قبل الغائه تبقى نافذة؛ لأنها صدرت بموجب دستور نافذ في حينه (قانون إدارة الدولة، وهو بمثابة دستور مؤقت) ويبقى الامر 35 لسنة 2003 المعدل نافذاً، وذلك استناداً الى احكام المادة(130) من الدستور شأنه شأن بقية التعديلات التي جرت على بقية القوانين وبموجب قانون إدارة الدولة في المجالات الأخرى، وان قانون إدارة الدولة اذا كان قد الغي بصدور دستور جمهورية العراق عام 2005 كما تقدم ذكره؛ الا ان ما جرى في ظله جرى بموجب قانون نافذ في حينه، إضافة الى ان قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 112 لسنة 2012 قد اقر في المادة (9) منه بمجلس القضاء الأعلى المشكل وفقاً للأمر 35 لسنة 2003 المعدل بموجب المادة (45) من قانون إدارة الدولة لسنة 2004 حيث أوردت المادة(9) منه ان مجلس القضاء الأعلى المشكل بموجبه وهو 112 لسنة 2012 يحل محل (مجلس القضاء) المشكل وفق الامر 35 لسنة 2003 ومجلس القضاء الأعلى المشكل وفق للمادة (45) وحيث ان القانون رقم 112 لسنة 2012 قد الغي لعدم دستوريته بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم(87/اتحادية/ اعلام/2013) الصادر في 16/9/2012 فتعود الحالة الى ما كانت عليه قبل تشريعه ويعود مجلس القضاء الأعلى المشكل وفق للأمر (35) لسنة 2003 الذي اعدلته المادة (45) من قانون إدارة الدولة عام 2004 بكل مفاصله (تركيباته ومهماته ورئاسته ) ولا وجود لمجلس اخر غيره ومنذ سنة 2004.  
ز- ان امر سلطة الائتلاف رقم (35) حدد هيكلية مجلس القضاء الاعلى وممن يتكون، من الادعاء العام والاشراف العدلي ومحاكم الاستئناف والدائرة الادارية، لكن مجلس القضاء الاعلى اوجد تشكيلات لاوجود لها في الامر(35) ولا في قانون التنظيم القضائي المرقم 160 لعام 1979، ومنها:
دائرة شؤون القضاة واعضاء الادعاء العام
الدائرة المالية
دائرة العلاقات العامة
دائرة الحراسات القضائية
معهد التطوير القضائي.
ح- جاء في دستور جمهورية العراق عام 2005 في المادة 91 / ثانيا، ترشيح رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم، والترشيح والتعيين في مجلس القضاء الأعلى لتولي رئاسات أجهزتها يختلف اختلاف تام عن عدد وطريقة تعيين أعضاء المحكمة الاتحادية العليا كون أن هذه المحكمة، هيئة مستقله إداريا وماليا عن مجلس القضاء الأعلى وهذا ماجاء في نص المادة 92 من الدستور، وان السيد (رئيس مجلس القضاء الاعلى) قد خالف أحكام المادة(91/ثانيا) من الدستور، حيث لم تعرض أسماء المرشحين لهذه المناصب على مجلس النواب لغرض التصويت عليهم وتعيينهم لتولي منصب رئيس الادعاء العام أو رئيس الإشراف القضائي باستثناء عدد من أعضاء محكمة التمييز الاتحادية (عشرين عضو) قد صوت عليهم من قبل مجلس النواب.
ي- تم الغاء منصب الامين العام لمجلس القضاء مع ان هذا المنصب منصوص عليه في القانون، ولا يجوز الغائه الا بصدور تشريع يلغيه ولا يلغى بأمر صادر من رئيس مجلس القضاء الاعلى.
وسنكمل في الجزء الثاني من دراستنا المحور الثاني: شرعية المحكمة الاتحادية العليا.
b