في غمرة المناقشات و الحوارات حول ماهية الإصلاحات المفترضة ، يُجمع الخبراء على أن أصلاح المنظومة القانونية هو الأساس الجوهري لمن يرغب بإصلاح جاد ، فلا يمكن تحقيق وظيفة سليمة لأي من مؤسسات الدولة من غير بناء صالح ، فالقوانين هنا فضلا عن دور البناء في معادلة البناء و الوظيفة ، تمثل محركات الأفعال المؤسساتية ، و من أجل هذا تَعُدْ المدرسة التطورية أن التقدم الحضاري هو في الحقيقة تطور القوانين الصانعة للأفراد ، و لهذا تعد صناعة القوانين واحدة من أعظم الأعمال التي يضطلع بها المختصون ، و بعد هذه المقدمة : علينا أن نواجه ما أسميناه بـ ( محنة التشريع )
ونعني به ، عملية تشريع القوانين في العراق ؛ و التي بحق تشكل أكبر محن تجربة الدولة العراقية المعاصرة ، فكما هو واضح و بكل صراحة ، لا زالت السلطة التشريعية غير مكتملة ، ففي المادة (48) من الدستور العراقي و التي نصها : ( تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد ) ، فعلى الرغم من مرور عقد من الزمن ، لم ينجح مجلس النواب العراقي بإكمال بناء السلطة التشريعية العراقية ، و ذلك بتأسيس ( مجلس الاتحاد ) ، و هو أمر يدرك أهل الاختصاص مدى فداحته و خطورته ، و هنا ينبغي للجميع أن يعرف أن ليس في العراق ( سلطة تشريعية ) ، بل مجلس نواب فحسب ، هذا يمثل البعد البنائي لمحنة التشريع ، أما المحنة الثانية ، فتتمثل في بنية السلطة التنفيذية و بنية مجلس النواب العراقي ، و هنا علينا أن نقدم مثالا حيّا كي لا تبقى التصورات عائمة ، فمنذ زمن ليس بالقليل تقدمت السلطة القضائية بكافة أجهزتها و مؤسساتها ، بمنظومة تشريعية لما يرتبط بقوانينها ، كجزء من أعمال الاصلاح و التطوير القضائي ، و لعلنا ذكرنا و على مدى عشرات المقالات تفاصيل عن كل ما يرتبط بهذه القوانين و أبعادها على المستويات كافة ، إلا أنها أي السلطة القضائية و تشريعاتها المقدمة مرت بمحنتين ، تمثلت الاولى : بركن هذه القوانين لمدة طويلة و عدم إدراك أهمية إكمال الجهات المعنية لواجباتها في هذا المجال ، و المحنة الاكبر و التي نتحدث عنها هنا ، هي عملية تدخل جهات في هذه القوانين من غير ذوي الشأن و الاختصاص و الدراية ، فهذه المنظومة المعدة في ( مصنع التأريخ و الراهن القضائي )
تتعرض الى تدخلات من قبل جهات متعددة في السلطة التنفيذية ، و مجلس النواب ؛ بشكل يعرض المبدأ الدستوري و الديمقراطي ( الفصل بين السلطات ) إلى إنتهاك صارخ ، كذلك هي تمثل تهديد لصناعة قوانين على أسس المصالح الأثنية و الطائفية و الحزبية ، و يمكن كما في بعض المصاديق من أجل مصالح شخصية ، الامر هذا ليس خرقا يبتدأ بزمان و ينتهي بزمان ؛ بل أنه بناء كما قلنا في مقدمة هذا المقال سيشكل محرك الاعمال و السلوك لمؤسسات الدولة كافة ، كيف و إذا كانت المؤسسات هنا ، هي ( مؤسسات العدالة )