17 نوفمبر، 2024 6:29 م
Search
Close this search box.

محنة الاهوار العراق

” بحة ” داخل حسن و”أهوار” الجيزاني و”جبايش” مهلهل
ليس هناك عراقي يسمع المطرب داخل حسن وألا سحرته تلك ” البحة” الجنوبية التي تلازم صوته ، ولعل هذه الميزة لمْ تتوفر لغيره من مطربي الريف من السابقين والمعاصرين ،وربما لسحر الجنوب السومري درواً في صقل هذه الظاهرة الفريدة ما يؤهلها لدخول موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية كأفضل “بحة ” في العالم .
لعل صوت داخل حسن السومري الذي سحر الأفئدة العراقيين واخذ منها مأخذاً عظيماً ، لم يكن مجرد صدفة كونتها الظروف ولكنه سحر “سومر” و” أكد” و” جلجامش” و” اور” وقرابين العجائز وهن ينذرن ما تجود به الأيدي لدفع البلاء ، هو من يحرك كل هذا الوجد الذي تغازل مع الاهوار والغابات والقصب والبردي لتشكل قطعة فردية لا يمكن ان يفهمها سوى من خامرت أقدامه طين الحري وحقل رز العنبر وغنت للاوز المهاجر ” يا ماخذين الولف ، اخذوني ويالكم” . استطاع هذا السومري أن يفك رموز السفونيات بكوفيته وعقاله مع حركة يديه وهما يداعبان المسبحة في حركة تتراقص معها أسراب الكراكي والبجع مع حفيف البردي ومسطحات العنبر وهما يقصان للأجيال المعاصرة حكاية “شبعاد” و” تموز ” و” أنانا ” وحزن سومري توارثه الأحفاد من الأجداد تفرح مع رائحة ” الخريط” و” الطابك ” و” السيّاح” والمضيف القصب يستقبل الأضياف بعدما سحرهم لعز ” جلجامش ” .
دخلت مناطق الاهوار إلى رائحة التراث العالمي ومعها دخل ارث الجنوب مرحلة جديدة تتطلب من الجميع تضافر جهودهم في أن ترى هذه المنطقة إعادة الحياة إليها بعدما تكالبت عليها عوامل الزمن والظلمة في طمست معالمها وتحويلها إلى مدن خالية من الروح وغادرتها المياه للتحول إلى ارضٍ جراء تتحسر على غيث السماء . الجفاف يؤرق أحلام الطيبين ،ويجعلهم يبحثون عن مدن تحتضن أنين “داخل حسن” و” حضير أبو العزيز” و” أبو معيشي” و” الطور الصبي” ، و كيف سينمو القصب وزر العنب و” الشبوط” و” المشحوف” بعيداً عن الهور الذي يحفظ أسماء كل الموجدات ويمنحها بركاته التي يأتي مع دفق المياه وتغمر الاهوار صحة وعافية .
لابد من فعل شيء ما ليبقى ” جلجامش ” يقرض العالم حكمته وقوته التي منحته إليها عوامل الماء والخضرة وموال “محمداوي” وهو يتعرش في يد ملحمومة وهي تهز بمريديها المياه الراكة ” مشحوفي طر الهور والفالة بيدي ” .
إعادة البسمة إلى الأهوار ليست قراراً اممياً يبحث عن من يطبقهُ وسياسة لا تعرف سوى المصالح ؛ لابد من وسيلة تعيد لهذه المسطحات المائية القها البهي ،ولعل التحرك على جميع الصُعد قد يكون لهُ بعض العزاء لمن بقى ، وهو يصارع لأجل البقاء تحت ظروفٍ قاسيةٍ وجفاف لا يرحم حتى جف ضرع قطعان الجاموس وهي تبحث عن ماء بعدما حبس نهرا دجلة والفرات بسلسلة من السدود جعلت دول الجوار تجود على بلاد الرافدين بالقطارة .
بعيداً عن السياسة وحبالها الطويلة والمصالح المشتركة ؛تحرك بعض الأشخاص للقيام بحملة تعريفية بمخاطر جفاف اهوار الجنوب العراق وهو يعني القضاء على ارث إنساني يمتد آلاف السنين ، ومن واجب المجتمع الدولي مدّ يد العون إلى هذه البقعة التي أهدت الإنسانية أولى أبجديات الكتابة وعملت العالم العجلة الدوارة وحاكت اساطير التحدي والخلود . نموذجان عراقيان سحرهما الجنوب وشربا من هوره وتذوقا طمع زره العنب ، بذلا كل ما يستطيعان من قوة لتعريف دول العالم بأصالة وعمق الاهوار وما تشكله من عمق تاريخ رفد الإنسانية بكثير من الإنجازات ، أنهما السومريان المتغربان مكاناً والعاشقان روحاً للاهوار ،الفنان احسان الجيزاني والكاتب نعيم عبد مهلهل . الأول بحكم عمله التصوير الفوتغرافي نذر نفسه لإشاعة مشروع أحياء الاهوار من خلال جملة من المعارض جال بها مدن أوربية للتعريف بعظمة هذه الرقعة الجعرافية من العالم حتى وصل حبه وعشقه الأبدي للاهوار أن يطلق على ابنه البكر ” اهوار ” لتذكره دائما بقضيته الأولى والأخيرة . أما الثاني نشم من كتاباته رائحة العنبر وسحر اهوار “الجبايش ” و ” الناصرية ” وشارع ” الحبوبي ” وأغاني داخل وخضير وناصر الحكيم وحسين نعمة ” للناصرية تعطش وشربك ماي بجفوف ايديه ” .

أحدث المقالات