23 ديسمبر، 2024 12:10 ص

محنة الاطباء في العراق

محنة الاطباء في العراق

مع استمرار تراجع الخدمات الطبية وتدهور الواقع الصحي في العراق،وبضمنه تناقص عدد الأطباء، خاصة الاختصاصيين, ترتفع حالات الاعتداء على الاطباء , وارتفاع الضغوط على الأطباء تفسد المبادئ الأساسية لمهنة الطب , الاعتداءات أصبحت حالة عامة في عموم محافظات العراق,, محنة الأطباء ليست وليدة اليوم، وإنما هي تتفاقم يوماً بعد آخر منذ غزو العراق وفسح المجال واسعاً أمام تغلغل الطائفيين والفاشلين والمزورين والفاسدين والحرامية وسط الأحزاب المتنفذة في العراق ( الجديد)، والشروع بتنفيذ مخطط تصفية عقول العراق بهدف إفراغه من علمائه وكفاءاته، الذي راح ضحيته لحد الآن أكثر من 5 آلاف عالم وأكاديمي وكفاءة علمية وفنية العراق بأمس الحاجة إليهم, نتيجة لاستهداف الكفاءات العلمية والخبرات الطبية وتصفية المئات من الأطباء جسدياً واضطرار آلاف الأطباء لمغادرة العراق، أو تركهم للعمل مجبرين، لم يبق في العراق سوى عدد قليل جداً من الأطباء الذين واصلوا العمل في المستشفيات الحكومية بدافع خدمة أبناء وبنات شعبهم، لا يسد عددهم سوى ربع الحاجة الماسة إليهم. ونتيجة لهذا إلى جانب الزيادة السكانية الملحوظة في العراق، ولفشل سياسة الحكومة في تشجيع الأطباء الاختصاصيين العراقيين العاملين في الخارج للعودة إلى بلدهم الأم والعمل في مؤسساته الطبية، محتلين مواقعهم فيها بحسب مؤهلاتهم وخبراتهم،التزاماً بمبدأ” الشخص المناسب في المكان المناسب”، الخ، أصبح في العراق اليوم طبيب واحد لأكثر من 40 ألف مواطن- وفقاً لأعضاء في لجنة الصحة والبيئة النيابية.. وبذلك أصبح العراق يمتلك أطباءً أقل بنحو 50 مرة مما لدى الدول النامية الأخرى، ومنها من هي أفقر من العراق بكثير, ويبدو أن المخطط الإجرامي يتواصل حتى تحقيق الهدف المرسوم- إفراغ العراق من آخر طبيب كفوء وحريص وليتواصل تدهور الخدمات الطبية وفقدان المزيد من العراقيين لحياتهم، لاسيما أن هذا الهدف المفضوح يقترن باتساع حجم الأمية ، خاصة وسط الأمهات، وهو أمر مقصود، مصحوب بتشجيع ظاهرة “عمالة الأطفال”، المؤلفة من التلاميذ الذين تركوا الدراسة مضطرين لمساعدة عوائلهم الفقيرة، ضمن سياسة إشاعة الجهل والتخلف في شتى الصعد،التي يستكملها انتشار الدجالين والمشعوذين في قطاع الصحة، من خريجي ” مريدي” وأمثاله، الذين راحوا ينافسون بعدد مراجعيهم-دون مبالغة- مراجعي خيرة الاختصاصيين في الطب الباطني والجراحة والنسائية والأطفال ,
وضمن هذا المخطط الخبيث أصبح الطبيب هو المستهدف، يوجه له بعض الناس غضبهم تذمراً مما يعيشونه حالياً من إرهاب وترويع وقهر وغبن وتهميش،وتردي أحوالهم الصحية،مصحوبة بسوء خدمات الكهرباء والماء والمجاري، إلى جانب الفقر والبطالة وغياب القانون وانعدام النظام والعدالة الاجتماعية، الخ.. للأسف،الغضب والامتعاض من الواقع المزري السائد لا يوجه إلى المتنفذين في الحكومة وفي مجلس النواب، أو إلى المليشيات المسلحة والقتلة والمتواطئين معهم، وإنما يعكسه البعض على الأبرياء، مثل الأطباء والكادر الصحي المساعد، باعتداءات ظالمة وغير مبررة, والغريب المريب أن تقف وزارة الصحة ونقابة الأطباء المركزية متفرجة على ما يحصل لمنتسبيها وأعضائها. فقد اعترفت وزارة الصحة خلال ندوة نظمتها في بغداد تحت شعار “نحو خلق بيئة آمنة للأطباء” بخضوع الأطباء للابتزازات العشائرية والبلطجة، مؤكدة أن الشرطة تكون في بعض الأحيان غير قادرة على حماية الأطباء بسبب تعرضها هي الأخرى إلى التهديد، لافتة إلى أن بغداد وحدها سجلت ما لا يقل عن 70 حادث اعتداء ضد طبيبات وأطباءسنويا.وتسجل من وقت لآخر في مستشفيات بغداد وباقي المحافظات،حالات الاعتداء بالضرب والتهجم على الأطباء “لأسباب الشرف” بفعل المجتمع العشائري ومطالبة الأطباء بملايين الدنانير كفدية وماشابه..لكنها لم تقدم حلاً للمشكلة,, هذه الاعداد تتزايد , وتزايد معها هجرة الاطباء
العدد الجديد للمغدورين انضم للقائمة الطويلة التي شملت مئات الأطباء الذين تمت تصفيتهم جسدياً خلال السنوات الأخيرة، بينما وقفت الحكومة وأجهزتها الأمنية عاجزة،في حالات عديدة،وبضمنها تنفيذ عمليات الاغتيال أمام أنظار الشرطة، في بغداد ومحافظات أخرى، عن حماية الأطباء حتى وهم يقومون بواجباتهم الوظيفية، المهنية، والإنسانية.وهو ما دعا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أن تؤكد من جديد أن العنف الموجه ضد العلماء والأطباء في العراق هو السبب الرئيس لهجرة العقول من البلاد.وشددت على ضرورة عدم ترك مرتكبي هذه الجرائم دون عقاب, ويقول رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماوريرالتي تقود حملة ضد ظاهرة العنف التي تطال الرعاية الصحية “نشعر بالقلق إزاء تدخل العادات القبلية والطائفية بقسم أبقراط (الذي يؤديه الأطباء قبل ممارسة مهنتهم) الأساسي في علاج المرضى على قدم المساواة، وهو ما يتوقف على مدى خطورة المرض وطابعه الملح، ولا يعتمد على الأصول أو الانتماء العرقي أو إيمان شخص أو جماعة, ثم اين القانون ؟ واين دولة المؤسسات؟ اذا بقينا نركض ونخضع للفصل العشائري وللمطالب التي يرفضها العشائريون ومن يدفعهم .على السلطات ان تشرع القوانين التي تحمي مهنة الطب والاطباء من مثل هذه الحالات التي لا تتناسب وما تقدمه العائلة الطبية ونحن نعيش وضعا مأساويا من انعدام الانفلات السياسي وتقليل هيبة الدولة من مسؤولين كبار في مؤسسة الدولة ولكنهم لا يحترمون القانون ولا العرف ولا مشاعر الشعب ولا تطلعات الشعب ولا يعيشون مع الشعب في مآسيه والامه وعوزه وفقره همهم انفسهم والبلبلة والقتال والانتقام والفوضى ماداموا في قصورهم وتحت خيمة رجال حمايتهم
المشهد السياسي الذي نعيشه قد اثر على اخلاقنا وعاداتنا وسلوكنا وعلاقاتنا الاجتماعية والانسانية . يكد الانسان اي انسان في سبيل الوصول الى وسيلة عيش تقيه الفاقة والعوز فبعضهم لا يحالفه الحظ فيتجه نحو العمل الجدي وبعضهم يتجه نحو العمل الفكري ومنهم من يصبح مهندسا او طبيبا او استاذا او محاميا او اية مهنة محترمة تدر عليه ما يكفيه وتمنع عن عائلته العوز والفاقة وكل انسان شريف يعيش من عرق جبينه يرغب في جني الربح في سبيل تحسين احواله المادية
ونتساءل اخيرا من يحمي الأطباء من عشيرة المريض ؟ الأطباء يواجهون الهجوم في مستشفيات العراق يوميا , تفشي هذه الظاهر وانتشارها ليس من مسؤولية وزارة الصحة وحدها، بل تتحمل أوزارها الدولة برمتها،وتتحملها السلطات كلها: التنفيذية والتشريعية والرقابية والامنية والقضائية. ويتعين على الذين يطالبون بالاصلاح ان يبادروا بتوفير الحماية للاطباء والقضاة والمعلمين ولكل مواطن في هذه الدولة، التي تعاظمت فيها قوة القبائل المسلحة بالشر، حتى تعالت فوق قوة الدولة- وا أسفاه.