{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
مُحمّد بن مُحمّد صادق بن محمد مهدي بن إسماعيل الصدر, إستشهد غيلة على يد جلاوزة المجرم صدام حسين، العام 1999؛ لأنه جاهر بمعارضته الديكتاتور، من داخل العراق، وتلك ميزة تفرد بها، عن سواه، الذين لم يدخروا وسعا في مقارعة النظام، لكن متحرزين بمأمن الخارج، وهو تحصن مشروع، نظير فظاعة الطاغية المقبور.
تميز بشرف مجيئه للدنيا، يوم المولد النبوي 17 ربيع الأول عام 1362 هجريه، الموافق 23 اذار 1943 في “الكاظمية” لاسرة دينية.. درس في الحوزة العلمية، مرتديا الزي الديني وهو في الحادية عشرة من عمره، وتخرج فيها العام 1964، مباشرا تدريس “البحث الخارج” في العام 1978.
إتخذ من مسجد “الرأس” الملاصق للصحن الحيدري مدرسة، واقفا على مسافة وسط من جميع المشارف، ومنفتحا على المدارس الفقهية في الإسلام.. ناقدا بصيرا ومحققا دقيقا.
تصدى للمرجعية الدينية، وسعى للحفاظ على الحوزة العلمية في النجف، وخطى بهذا الاتجاه، وفق ما ما تتطلبه الساحة الفكرية والحياة العصرية، مرسلا العلماء إلى أنحاء العراق كافة؛ لممارسة مهامهم التبليغية وتلبية حاجات المجتمع وبادر إلى إقامة المحاكم وفق المذهب الشيعي وتعيين العلماء المتخصصين للقضاء وتسيير شؤون أبناء المجتمع واقام صلاة الجمعة وأمها بنفسه في مسجد “الكوفة” بالنجف، وتعميم اقامتها بمدن العراق الأخرى رغم منعها، لكن موجات الرحمة المتدفقة، من أدائها إكتسحت صدام! الخائف مباشرة على مستقبل تكالبه المسعور على كرسي السلطة.
شارك في الانتفاضة الشعبانية العام 1991، كقائد لها بضعة ايام، سرعان إعتقلته عناصر الامن، ملهما أتباعه.. عربا وعجما.. الإيمان الروحي، فتحول الى ظاهرة تقتدى، من قبل السنة والشيعة وغير المسلمين، على حد سواء؛ لأنه متحرر من الفواصل المذهبية، بدليل دفاعه عن الشيخ الزاهد عبد القادر الكيلاني.
يوم الجمعة 19 شباط 1999، كان عائدا برفقة ولديه مؤمل ومصطفى، في سيارته، إلى منزله في “الحنانة” بالنجف، لاحقته سيارة مجهولة.. ضيقت عليه؛ فاصطدمت سيارته الميتسوبيشي، بشجرة قريبة.
يروي شهود ان المهاجمين ترجلوا من السيارة وأطلقوا النار عليه ونجليه.. توفى إبنه مؤمل، فورا اما السيد محمد، فنقل الى المستشفى على قيد الحياة، وقتل في ما بعد، برصاصة في الرأس من قبل محمد حمزة الزبيدي، أما مصطفى فأصيب بجروح ونقل إلى المستشفى من قبل الأهالي وتوفى هناك متأثراً بجروحه.
شهدت مناطق جنوب العراق ومدينة الثورة (الصدر حاليا) اضطرابات ونزاعات عسكرية سميت بانتفاضة الصدر 1999؛ إذ هاجمت مجاميع مسلحة، قوات الامن ومراكز الشرطة ومقرات حزب البعث.
طافت روحه، محلقة في الأثير، نحو الجنة، تسجد لها الملائكة المسومين، تاركا مؤلفات تفوق العد، فهو متفوق بالدراسة، حسب وصف زملائه، في كلية اصول الفقه بالنجف الاشرف / الدورة الاولى عام 1964.
أحرج الطاغية المقبور، بإقراره صلاة الجمعة، للمذهب الجعفري، الذي قاطعها منذ 1956، ململما تشظي الشيعة، حول موقف صلب، بكلمة حق سواء، قالها بوجه سلطة البعث الغاشمة، حد نغزه محمد حمزة الزبيدي.. مسؤول تنظيمات فرع الجنوب لحزب البعث الجائر، يدفعه بالعصا.
نصب وكلاءه في المحافظات والمدن والاقضية والقرى، دعاة ثورة منظمة، أثناء وصل صلاة الجمعة المنقطعة، حاول النظام تلافيها، بجريمة الإغتيال التي لا يعرف سواها، سبيلا في إدارة الدولة؛ فتضعضع تماسك بنيته، التي إنهارت بعد ئذ نهائيا، في 9 نيسان 2003.