في بداية الثمانينات وعند بوابة أكاديمية الفنون الجميلة تعرفت بالمصادفة بــ محمد عبد الجبار وبالمباشر وقبل أن نبدأ مراسيم تعارفنا سألني هل قرأت مقالتي ، على ماأتذكر أن مقالته كانت منشورة في الصفحة السياسية لجريدة التآخي (العراق ) وكانت هذه الجريدة وفي صفحتها تلك تجمع نخبة متميزة من الكُتاب وكان كل ما يكتب فيها يسترعي الإنتباه بل أن الرئيس صدام حسين نبه كتاب جريدة الثورة الى خطورة ماينشر في جريدة التأخي وتحديدا في الصفحة السياسية وبوصفه بأنها أمور غير مسموعة وما يكتب في تلك الجريدة أفضل ممايكتب في جريدة الثورة أثناء زيارة خاطفه له للآخيرة ،
وكان وليس من المعقول أن تنشر مقالة لشاب في بداية حياته أن تنشر بذلك الحجم وبذلك المكان من الصفحة وبتلك الرؤية الجديدة المغايرة عن المألوف في عالم المقالة السياسية لكني لازلت أتذكر بأن تلك المقالة والتي كانت عن المتغيرات الدولية قد إستحقت بحق أن تكون ضمن مقالات الكتاب المعروفين في تلك الجريدة ،وجلهم يكتبون خارج الحدود المعلومة لخط الدولة وكانت هذه الكتابات مختلفة بشكلها العام عن التوجهات السائدة ضمن مفهوم الخط التعبوي العام في زمن الحرب العراقية الإيرانية ضمن ضوابط النشر في الصحافة العراقية أنذاك
كان محمد عبد الجبار مختلفاعنا في سلوكه وفي علاقاته وفي حياته الخاصة فمحمد عبد الجبار الشاب قد وهبه الله حينها من الجمال ربما وهب القلة مثله ورغم ذلك فلم يكن يفاخر بأمتيازه المظهري بشعره الأصفر وبعينيه الملونتين بل كان محافظا على سمته الدينية وتدينه وخشوعه لله وأداء فرائضه وواجباته فلم يكن زئير نساء كما كان يفعل الكثير منا ولم يكن من رواد الحانات وحتى صداقاته إقتصرت على شخص واحد ضمن أكاديمته هو الراحل(سامي عليوي حافظ ) …
أعجبت بمحمد عبد الجبار وسألت شقيقا لي عنه فأضاف لي عنه من الصفات الحسنة ماجعلني أعيد تنظيم نفسي بالإتجاه الذي يجعل من المرء
أن يؤنب ذاته حين يجد قرينا له أفضل منه ولربما تلك فائدة لمن يبحث عن الكمال لإستكمال ضروراته كي يكون مميزا في قدرته على ضبط نفسه ،
لم ألتق محمد عبد الجبار ولم يلتقيني والى الآن إلا من خلال ماكنا ننشر ولازلنا ننشر هنا وهناك
ولم أسمع بعد ذلك عنه إلا أنه غادر العراق بعد تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة ،
بعد الإحتلال الأمريكي للعراق قرئت معظم ماكتب وأستنتجت أن أخلاقياته تلك لازالت حاضرة فيما يكتب بدءا من علاقته بالخالق الى حسه الوطني ونبذه للطائفية وأحترامه لذاته الى ردوده المهذبة والقليلة في إيضاحه لأمرٍ ما الى صراحته فيما يقوله عن الحقائق العينية على الأرض والتي يريد البعض غلق أعينهم عنها ،،،المهم الذي أريد قوله أن المنافسات الوظيفية لن تستطع بأي حال من الأحوال أن تلغي القدرات وتلغي المكونات التي عمل الإنسان على إستخلاصها لنفسه عبر إنسانيةٍ كان الصراع بباطنها طويلا كي يحتفظ المرء بسماته الخاصة ، لذلك كان محمد عبد الجبار الشبوط مثالا للتعافي من بعض الأمراض المزمنة التي يمتلكها الغير لشحذ السكاكين ضد البعض في مناسبات معلومة ،،،المهم الآخر أن ننتبه لما نكتب بحيث نبتعد عن المؤشرات التي تقود القارئ بأن مانكتبه هو لمصالحنا الشخصية وننسى وظيفة الكتابة الحقيقية وخصوصا ووطننا تملاءه الفئران وتشرب دمه الذئاب الضالة ورغم ذلك لازال أمامنا القدر الذي نستطع به أن نفكر من جديد بما يعيد الثقة بما نقص منا وأن نُتمم مالم يُتمم ونحن ماضون في أمانة هذه المهنة التي ترتقي الى مهنة الحاكم العادل والمقدس العفيف فالكتابة تأتي بها المخيلة ضمن ضميرها المحفز لقول قول ما الغاية منه مايمكن أن يقدم للمجتمع لنيل القبول لدى الضمائر المتعففة ولاشك أن يكون هناك أخرون بالضد وهولاء لايملك الكاتب إزاءهم سوى القول فليذهبوا للجحيم ،،،،