نشرت مدونة روسية متخصصة في الفن المعماري مقالا تفصيليا يقع في عدة صفحات مع صور عديدة متنوعة للمعمارية العراقية العالمية الراحلة زهاء حديد وانجازاتها المدهشة في مجال الفن المعماري , وكذلك نشرت المدونة صورة للصحافي العراقي الكبير محمد كامل عارف ( كاتب المقال ) مع تعريف واف به وبمكانته واهميته في عالم الصحافة العراقية و العربية والانكليزية , واشارت الى انه خريج كلية الصحافة في جامعة لينينغراد الروسية آنذاك ( بطرسبورغ) حاليا .
لقد شعرت ب ( الزهاء !) حقا وانا أقرأ ذلك المقال بالروسية حول زهاء حديد بقلم محمد عارف , اذ كان الاستاذ محمد كعادته (يغرٌد ! ) فعلا في مقاله ذاك باسلوبه المعروف الشفاف و المعمق و الرشيق , الاسلوب الذي تنعكس فيه دائما تلك الثقافة الواسعة والمكثفة للكاتب وذلك الحب الصوفي النقيٌ للعراق , واستطاع – وبمهارة رفيعة جدا – ربط فن زهاء حديد وابداعها المعماري بجذور حضارتنا الرافدينية العريقة من اوروك واريدو وبابل ..الخ و صولا الى المعالم العربية العظيمة لتلك الحضارة , وكل هذا المزيج المتنوع والمتناغم (اردت ان استخدم كلمة الخبطة باللهجة العراقية ولكنني ترددت ) قدٌمه لنا محمد عارف بشكل ممتع ومنطقي وعلمي , ويمكن القول – وبكل ثقة – ان هذا المقال هو كلمة جديدة للقارئ الروسي في عالم الفن المعماري وتاريخه بشكل عام, وفي عالم الفن المعماري الخاص بزهاء حديد , وبالتالي فان محمد عارف استطاع – وبنجاح منقطع النظير حقا – عبر بحثه هذا ان يقدم صورة مشرقة وجميلة جدا للعراق في ماضيه الحضاري العريق , وحاضره المرتبط بابداع الفنانة المعمارية زهاء حديد المتميز والمدهش .
قررت ان اكتب حول ذلك المقال المهم جدا في الصحافة الروسية من وجهة نظري , لاني اهتٌم بموضوعة العلاقة المتبادلة بين ثقافتنا العربية والثقافة
الروسية واتابعها دائما, واحاول ان اسجل وقائعها البارزة ودراسة تاثيراتها المتبادلة بين العالم العربي والروس بشكل عام , وبين العراق وروسيا خصوصا . وهكذا وضعت العنوان وبدأت التخطيط لكتابة هذه المقالة , وما ان بدأت بالكتابة , واذا بي اسمع وبالصدفة ( في نشرة ألاخبار المسائية في التلفزيون الروسي لذلك اليوم بالذات ) النبأ الحزين والرهيب , وهو رحيل زهاء حديد المفاجئ وغير المتوقع بتاتا, وتوقفت طبعا عن الاستمرار بكتابة المقالة تلك من هول هذا الخبر , اذ لم يكن من المناسب بتاتا الاستمرار بالكتابة .
الان قررت الرجوع الى هذه المقالة, بعد ان هدأت الخواطر قليلا , وبعد ان استقرت افكار الجميع على ان رحيل زهاء حديد هو رحيل الجسد ليس الا , وان فنها المعماري سيبقى خالدا على الارض , سواء الذي استطاعت انجازه , او الذي خططت لتنفيذه , انطلاقا من المبدأ الانساني العظيم , الذي تلخصه باعجاز مدهش الآية الكريمة – ( فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ).
ومما شجعني للعودة الى ما خططت الكتابة عنه و اكمال ما بدأت بكتابته هو مقال محمد عارف نفسه بعد رحيل زهاء , اذ نشر مقالا بعنوان – ( زهاء حديد..تحية وداع بالروسية ), والذي كتب فيه محمد ما يأتي – ( وكما يحدث مع الشخصيات التاريخية , ستؤثر زهاء بعد رحيلها بقوة أكبر مما في حياتها . فبناياتها المشيدة حول العالم لا تغيب عنها الشمس , وبنايات تنتظر الانشاء …وستكتشف الاجيال الجديدة الابعاد السياسية والفلسفية لعمارتها , التي قامت بمغامرة لا مثيل لها في تاريخ الفكر والفن والسياسة ) , ويستطرد محمد قائلا – ( … ولم أدر ان بحثي عن زهاء بالروسية ..سيكون تحية الوداع ..) , ويشير الى انه ترجم لزهاء بعض مقاطع من بحثه ذاك , وخصوصا كلمات الناشر الروسي في تقديمه لمحمد عارف , والذي يقول فيه – ( …قد يبدو اننا نعرف كل شئ عن زهاء , لكن هناك من يعرف عنها أكثر بكثير ..) , ويعلق محمد على ذلك قائلا – (
… ولا فضل لعراقي ان يعرف العراقية أكثر بكثير , فهو يعرفها بقلبه. وهل غير حدس القلب العراقي جعلني استشهد في بحثي بالروسية عن زهاء بموال / ونيٌت ونٌة حزن , جبل حمرين هزٌيته/ .)