” عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه ، وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه”
( كلام الوزير البريطاني أنتوني ناتنج عن الراحل محمد حسنين هيكل1923-2016)
لم يكن الراحل محمد حسنين هيكل مجرد صحفي مشهور ولا فقط محلل سياسي مرموق وإنما هو أيضا كاتب متزن ومناضل بالقلم ومن الموقع. ويمكن أن نضيف بأنه ظل مؤرخا دقيقا ومفكر حاذقا وضع الأسس الأولى لقيام إستراتيجية عربية تحدد بدقة البوصلة.
لقد عايش هيكل العديد من الزعامات العربية والإقليمية وكان قريبا من عدة حكام وتحمل مسؤوليات وكتب العديد من الدراسات والبحوث والمقالات عن تجاربه السياسية الوطنية والقومية وتكلم في كل القضايا الحساسة التي تمس جواهر الأمور حول التجربة الناصرية والقضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني والثورة الإيرانية ونقد بشدة سياسة الانفتاح ومعاهدة كامب دفيد التي وقعها أنور السادات وقدم أوراق على غاية من الأهمية بخصوص تجارب البعث في العراق وسوريا وخذلان العرب لصدام والأسد. كما أعجب بتجربة حزب الله وأعجب كثيرا بقيادة حسن نصر الله للمقاومة اللبنانية والعربية ودعا إلى حماية حماس وبقية الفصائل الفلسطينية من سياسة التطبيع والتعديل والفوات الحضاري.
لقد كان شاهدا على العصر العربي في تحولات دراماتيكية ومبصرا لتغيرات الأحداث وكان يستبق المآلات ويستقرأ الاستتباعات قبل وقوعها وكانت الحصص التلفزية التي يحضرها منفردا بمثابة تنشيط للذاكرة العربية المصابة بالنسيان وإحياء للمحطات النضالية والحاسمة.
ربما تمكن هيكل من معرفة نقاط قوة العقل السياسي العربي ونقاط ضعفه وحاول فهم طرق اشتغال الأعداء المتربصين بالأمة ولكنه لم يتمكن من فهم العقل السياسي الغربي وربما حاول تفكيك الصورة النمطية التي يحملها عن الإسلام والعرب خاصة والشرق عامة.
ماهو حقيق بنا هو الاعتراف للشخصية الاستثنائية بالريادة الطويلة والإضافة النوعية التي قدمها للثقافة العربية وتحوله إلى ضمير حي للقضايا العربية المشتعلة ونبراس تهتدي بها الحركات السياسية الطامحة نحو الانعتاق من نير الظلم والاستبداد والتحرير من الاستعمار.لقد ظل طوال حياتها ناطقا رسميا باسم الأمة العربية ولسان حالها وبيانها المستفيض حول التحديات التي تواجها والقدرات التي تمتلكها وبقي قديسا منشدا حول أهمية الوحدة العربية والضرورة التاريخية للتكتل العربي في مواجهة العولمة المتوحشة. رحم الله الإنسان الصادق والوفي محمد حسنين هيكل ورحيله في هذا الوقت من الزمن الصعب التي تمر به الأمة مثل خسارة فادحة وكبيرة للعقل العربي ولكن يجب تقديم ألف تحية والشكر الجزيل لروحه التائقة نحو الاستقلال الحضاري والسيادة التامة وبورك جسده على البذل والعطاء الذي قدمه للقراء والمتبعين. لكن هل فهم الحكام العرب رسائل هيكل الاستراتيجية؟ ومَن هو القادر من الكتاب العرب في الراهن على ملء الفراغ الذي تركه برحيله المنتظر؟