23 ديسمبر، 2024 3:17 ص

محمد بن سلمان : عندما ينتصر العقل

محمد بن سلمان : عندما ينتصر العقل

لابأس من تغيير المواقف اذا كانت تصحح خطأً ، او تتدارك سياسات لم تثبت فاعليتها .. حتى لو كان تغيير تلك المواقف بنسبة مئة من المئة .

عندما اعتلى الامير محمد بن سلمان قمة السلطة في المملكة العربية السعودية قبل ست سنوات شعر العديد من الناس والمحللين وحتى السياسيين في المنطقة والعالم بالقلق من طموح امير شاب صعد الى السلطة بسرعة الصواريخ الفضائية وكسر القواعد التي بنيت عليهاالمملكة بتوريث العرش لابناء الملك عبد العزيز حصراً ، ويبدو ان كبر سن والده الملك سلمان واعتلال صحته وتجديد دماء القيادة هو الذي دعا الاسرة الحاكمة الى ايكال امر المملكة الى امير شاب يمتلك طموحات لا حصر لها .. وللتاريخ فقد واجه الامير في بداية ولاية عهده صدمتين ولا اعنف ولا اقوى وهما : حرب اليمن وقضية عدنان خاشقجي .. تخلص من الثانية بطريقة تحمُّل الصدمة وامتصاص النقمة ومن ثم وضع القضية في برّاد التجميد ثم النسيان حتى ولو الى حين ، اما الاولى وبعد اعوام من الحرب على اليمن وهي حرب اللا جدوى وتعقد وتعارض المواقف وبيان النوايا والتداخلات والتدخلات وانفراط التحالفات فقد ادرك الامير في النهاية الكلفة الباهضة لهذه الحرب وعدم امكانية حسمها عسكرياً مهما طالت باصرار كل الاطراف على مواقفها دون الاخذ بنظر الاعتبار مصالح البلد وفقره المدقع واوضاعه الاقتصادية المتردية ، ادرك الامير ان التوقف والانسحاب في مرحلة لاحقة اولى حتى لو اعتبر ذلك انسحاباً او هزيمة للتفرغ الى امور البلد ( السعودية ) ومن ثم الانطلاق لعمل اقليمي يعيد اولاً الريادة الى المملكة باعتبارها اغنى واكبر بلدان العالم العربي والاسلامي بالضرورة وثانياً البدء باولى خطوات رؤية الامير الشاب الستراتيجية المملكة ٢٠٣٠.. هذه الرؤية التي تستلزم الاستقرار الامني : الاقليمي والوطني والتنميةالمستدامة والامير هو رائد الصندوق السعودي للاستثمار ، والذي يدخر جزءاً من الاموال حاليا ًالى الاجيال المقبلة ، وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمورد وحيد للدخل القومي والابعد من ذلك هو الانطلاق في الاستثمار الخارجي وفي جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية والتوسع في شراء السندات السيادية لدول اخرى والشروع في حملة مكثفة وقاسية على بؤر الفسادالمالي والإداري في المملكة واستعادة مليارات الدولارات من رؤوس الفساد ، مع اطلاق حزمة اجراءات داخلية لتحسين صورة المملكة خارجياً حتى لو كان ذلك يخالف توجهات الموسسات الدينية المتنفذة التي درجت عليها خلال قرن كامل واتخاذ خطوات تثير غضب حليف المملكة الستراتيجي واقصد هنا الغرب والولايات المتحدة الاميركية من خلال اولاً : مقاومة الضغوط الهائلة التي تمارس على المملكة للتطبيع مع إسرائيل اسوة ببعض الاقطار العربية الاخرى ، والالتزام بمبادرة السلام العربية التي اطلقها عم الامير ، الملك عبدالله في قمة بيروت العربية ٢٠٠٢ وثانياً : من خلال ضربة المعلم التي وجهها الأمير محمد للولايات المتحدة بالاصطفاف مع دول اوبك وروسيا في رفض الطلب الامريكي بزيادة انتاج النفط لخفض الاسعار العالمية وكذلك في موقف الامير محمد بالوقوف على الحياد في الحرب الاوكرانية الروسية ورفض الطلب الامريكي الغربي في ادانة الحملة الروسية على أوكرانيا ورفض تزويد الاخيرة بالدعم والسلاح ،واخيراً في توجه الامير نحو الشراكة الكاملة مع الصين وهي في خضم ازمتها الطاحنة مع الولايات المتحدة الاميركية ، وهذه الامثلة وهي امثلة فقط تدل على ان المملكة بدات تخرج من عباءة الوصاية الاميركية الى تفعيل وتفضيل المصلحة الوطنية والاقليمية وجعلها اولوية في سياسة المملكة .

بكل اعجاب اؤوشر ان الامير محمد ادرك انه لمعالجة ازمات سوريا واليمن ولبنان ومخاوف بعض دول الخليج ( البحرين والامارات مثلاً ) وحتى العراق لابد وان تتم بالذهاب والجلوس والاستماع الى لاعب اساسي آخر في المنطقة هو ايران التي تدعم وبكل قوة وعلانية مادياً ومعنوياً اطرافاً هي جزء اساس من مشاكل هذه البلدان فبادر الامير هو بالاتصال بايران لحل كل القضايا مجتمعة واعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة والتاسيس لمرحلة شراكة وتعاون مما اغضب امريكا وربيبتها إسرائيل وهزهما بعنف .. فجاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الى طهران اليوم والاجواء الاحتفالية والاحتفائية التي قوبلت بها صدمة لامريكا واسرائيل ولكنها متوقعة من كثير من المراقبين الذين يعرفون توجهات الامير الشاب الذي ينحو احياناً الى مايمكن ان نسميه المغامرة العقلانية .. ووضع الحلول الإقليمية للمشاكل الاقليمية المستعصية حتى لو كان ذلك بالضد من ارادة الحلفاء الغربيين وتوجهاتهم وبذلك يحقق الامير الشاب مزيداً من النقاط في سلة كل منالمنطقة والعالم الذي تعب من الحروب والمواجهات والاختلافات التي لابد من مواجهتها وانهائها ، او تحجيمها او تجميدها على الاقل حتى ولو كان ذلك بالتنازل عن بعض المباديء التي عفا الزمن عليها .