23 ديسمبر، 2024 4:12 م

محمد بن سلمان… الابن سرّ أبيه

محمد بن سلمان… الابن سرّ أبيه

شيءٌ مجيدٌ يحدث في المملكة العربية السعودية، بعكس ما قاله شكسبير يوماً عن مملكة بعيدة في الزمان والمكان، وهو شيءٌ غني بتفاصيل المستقبل الذي يصنع، ومتماسك بالرؤية الحاكمة، رؤية 2030، ثري بالطموح والإنجازات، واعدٌ بالإمكانات والشمول.
في لقاء مطوّلٍ تحدث ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للكاتب الأميركي المعروف ديفيد إغناتيوس عن رؤيته لمستقبل بلاده ومواطنيه، فتحدث عن السياسة الخارجية وعن علاقات السعودية بالولايات المتحدة وروسيا وغيرهما، كما تحدث عن رؤيته الشاملة لتطوير وإصلاح وانفتاح البلاد.
في بداية تحمّل الأمير لمسؤولياته انتشر مقطع قصير يقارن صورته بصورة جدّه المؤسس الملك عبد العزيز ليظهر الشبه الشكلي بينهما ويؤدي رسالة أهمّ مؤداها الشبه القيادي بين الشخصيتين، وقد انتشر المقطع على نطاق واسعٍ، وهو أمرٌ أثبتته الأيام والرؤية والقرارات التي قادها الأمير محمد بن سلمان تحت قيادة العاهل السعودي وولي عهده.
كتب فيلبي عن الملك عبد العزيز: «لقد قام بتحقيق أهدافه فقط بعزيمته القوية، وإيمانه الذي لا يتزعزع بمقاصده وتوجيهاته…. قام هو شخصياً بأخذ زمام المبادرة نحو إرساء دولة الرفاهية التي لم يكن يحلم بها أحد»، وهو تحديداً ما فعله الأمير في بناء «رؤية 2030» (الرياض كما رآها فيلبي)، والتي بدأت تبرز بشائرها بشكل أسرع من المتوقع، ومن قبل علّق فيلبي على البرنامج التنموي للملك عبد العزيز قائلاً: «إن الشيء الذي يسترعي انتباه المراقب أكثر في هذا البرنامج التنموي هو سرعة الانطلاق أكثر من الحقيقة أو الواقع».
من أهم أهداف رؤية الأمير نشر الرفاه والسعادة بوصفه إحدى مهام الدولة المنوطة بها، وهو ما تحدث عنه عددٌ من الفلاسفة والمنظرين لمفهوم «الدولة»، ومع تأكيد مسيرة الأمير الإصلاحية، فإنه بمجرد تحسن الاقتصاد تمت إعادة بدلات الموظفين التي تمّ اقتطاعها قبل بضعة أشهرٍ، ومن قبل كتب فيلبي بعد أن شرح معاناة الرياض وأهلها زمن الملك عبد العزيز: «تلك كانت هي الرياض في فترة الشفق وعتمة الليل لفقرها البدائي المدقع، وبين إطلالة الفجر المفاجئة لرفاهيتها التي لم يكن يحلم بها أحد».
منذ إعلان ولي ولي العهد عن رؤية السعودية 2030 تعرضت لبعض من النقد في عدة مجالاتٍ، ونشر هذا النقد في الصحف المحلية كجزء من الشفافية التي وعدت بها الرؤية التي هو عرّابها، ولئن تحدث فيلبي عن فكرة الملك عبد العزيز في «إنشاء مطارٍ مناسبٍ في مدينة الرياض»، وأنه «قد وافق القادة الدينيون على ذلك»، كما كتب عن «قيام خط السكك الحديدية»، وذكر أنه «واجهته الآن بعض اعتراضات الخبراء الاقتصادية ضد مشروعه العالق بذهنه، وأن البلد لم يكن قادرا على تحمل مثل هذه الرفاهية.. لكنه وضع كل ذلك جانبا»، ثم أضاف: «وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1951 كان على قناعة تامة عندما ترأس شخصياً الاحتفال الرسمي بافتتاح الخط.. وعليه فقد تم التحقق وبكل نجاح من سلامة رؤيته المستقبلية»، لئن كان ذلك في السابق فإن الأمر يتكرر مرة أخرى مع الأمير ورؤيته.
في هذا السياق فلقد بدأت رؤية الأمير تتحقق بالفعل في مشاريع المترو في مدينة الرياض وفي طرقٍ جديدة للسكك الحديدية من الطبيعي أن تكون أشمل وأكبر من سابقتها بحكم تطور التاريخ، كما أنها تتحدث عن إحياء طريق الحرير وربط القارات الثلاث.
كتب إغناتيوس قائلاً: «إن الأمير محمد بن سلمان محافظ حينما يتحدث عن القضايا الدينية؛ إذ يتعامل مع السلطات الدينية كحلفاء موثوقين له ضد التطرف، ولا يعاملهم كخصوم. ويكرر الأمير محمد بن سلمان حجة مفادها أن النهج الديني المتطرف في المملكة العربية السعودية هو ظاهرة حديثة نسبيّاً نتيجة للثورة الإيرانية التي وقعت في عام 1979، واحتلال المسجد الحرام في مكة من قِبل متطرفين سنة في العام ذاته، كرد فعل للتطرف الشيعي»، وهو حديث يواجه المشكلة بالقرار الرصين والعمل المتزن، وهو ما يعيده الأمير مؤكداً: «أنا شاب، وسبعون في المائة من مواطنينا هم من الشباب. نحن لا نريد أن نضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال الـ30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، التي سببت التطرف والإرهاب. نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن. نحن نريد – كما يريد الشعب السعودي – الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا كأفراد وأُسر، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا. نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979». واختتم حديثه قائلاً: «لقد ولى زمان تلك الحقبة».
وقد كتب فيلبي في مقالة نشرت في عهد الملك سعود متحدثاً عن التعصب الديني في جيلٍ سبق التحديث، ونقل جواباً مهماً وملهماً لأحد أفراد الأسرة المالكة المسؤولين آنذاك، «والذي كان يوماً ما من أشدهم تزمتاً. وقد كانت إجابته في الصميم ومقنعة للغاية، إذ قال: لقد توسعنا. وقد كانت هذه بالضبط هي الكلمة الصحيحة».
ما أردته من التنقل بين الماضي والحاضر هو التأكيد أن هذا السبيل نحو التطوير والإصلاح والانفتاح هو الأمر الطبيعي لأي دولة في العالم، ترغب في الاستقرار والاستمرار والسعي نحو المستقبل – وكذلك – لتأكيد أن هذا الأمر نفسه كان هو سياسة الملك المؤسس، وهو ذاته الذي تسير عليه القيادة السعودية اليوم، وأن ما جرى في الثلاثين سنة الماضية كان استثناء من مسيرة التاريخ وليس هو القاعدة، ومن هنا فإنه كما قال الأمير: «في حال كان الشعب السعودي مقتنعا فعنان السماء هو الحد الأقصى لطموحاتنا»، ورضا الشعب وقناعته أظهرهما بجلاء اصطفافه الكبير خلف الرؤية ومنتجاتها المعلنة.
أخيراً، فلقد أصبح التاريخ يصنع كل يومٍ في السعودية، والمواطنون والمقيمون يشهدون التطورات النوعية بسرعة مذهلة، وصارت السعودية فاعلة بشكلٍ غير مسبوقٍ على المستوى السياسي إقليمياً ودولياً، وأصبحت الرياض مقراً مرحباً بزيارات زعماء العالم التي لا تنقطع، وقد تحدث الأمير في حواره مع إغناتيوس عن استعادة أميركا لحلفائها التقليديين حتى قبل انقضاء المائة يومٍ الأولى من عهد الرئيس ترمب، كما تحدث عن طبيعة العلاقة التشاركية معها، وأشار بوضوح لطبيعة العلاقات السعودية المتطورة مع روسيا.

*نقلاً عن “الشرق الأوسط”