23 ديسمبر، 2024 1:01 ص

محمد الصدر.. والخطاب التوحيدي التجديدي

محمد الصدر.. والخطاب التوحيدي التجديدي

الخطاب التوحيدي الميداني.. هو الذي لا يكون عموده الأساس التكرار في نقل المصادر التاريخية.. والذي لا يستند على الحفظ الواسع والمعلوماتية. والذي لا يقوم على بتكرار ازمة خرج المجتمع من زمنها.. والذي لا يحتاج الى تجميع للمجلدات الغالية وانعزال عن الناس.. والذي لا يسجن نفسه بالموروث ..والذي لا يجعل الانسان كائنا  ملقنا  لا يعرف ماذا يفعل  وليس لديه نهجا واقعيا ..يتعامل به مع الواقع ليعزز التوحيد  في روحه ..ولقد كان القران  عندما ينزل  على الرسول الاكرم (ص) خطابا توحيديا ميدانيا .. لكن تم استخدامه من قبل الثقافة السلطوية المكتوبة في المجلدات والخطاب المنعزل. وتم تحويل القران والخطاب التوحيدي الى مجلدات التفسير المطولة ومحاضرات الفقهاء الصعبة التي تمتنع عن عامة الناس ….
ومهما انطلقنا في شرح الخطاب التوحيدي الميداني. فالإنسان المسلم لا يستطيع ولن يستطيع فهم هذا الشرح وتذوقه وتخيله الا إذا عاش هذا الجو بكامله …
فهو خطاب ميداني يربط الأرض بالسماء وينفتح بهموم اهل الأرض باتجاه السماء والخالق سبحانه وينفتح بهموم السماء باتجاه اهل الأرض انه خطاب يجهل الكل في حالة صلاة دائمة ويزج الجميع في محنة اختيار  لمدى شرعيته ومدى توكله على الله ومدى تصديقه بالآخرة  ومدى تعظيمه لله ومدى تحول التوحيد لديه من عقيدة  الى منهج سلوكي حياتي …
هذا هو الخطاب الذي جاء به السيد الشهيد محمد صادق الصدر (رض) الذي جاء بثقافة توحيدية ميدانية عززت الاجتهاد العقائدي أزال به سطوة الاجتهاد الفقهي.. حيث ان الاجتهاد العقائدي والروحي يقوم بفتح افاق التدبر والتاويل داخل الامة واحتضان كل اليات التجديد المقدس الذي يطهر الامة من اثامها الفكرية والنفسية المتراكمة..
محمد الصدر جاء بالتوحيد الميداني الذي يعزز مكانة العقل الملهم في الانسان وليس العقل القياسي.. والفرق بين العقلين كبير.. فالعقل القياسي يقوم على قدراته البشرية وعلى المنطق المادي وعلى مقدمات الواقع المجردة سواء المقدمات الدينية والتراثية الدنيوية.. اما العقل الملهم فهو العقل الذي يحصل على نتائج حقيقية بكل سهولة لأنه مستند الى بركات  الله سبحانه وهو يتولى  الصالحين ..أتذكر منظر فلم الرسالة حيم احتجز الحرس التابعين للطاغوت المكي أولئك الثوار المتمردين على الدين البائد السائد.. حينما جاء الحمزة ليكسر هذا الطوق ويفتح لهؤلاء الثوار الذين يحمون الأمانة ممرا ليأخذوا فرصة اكبر لإيصال صوت الله والعمل تحت امرة رسول الله (ص) بنفس هذا الموقف والفعل.. قام الولي الطاهر محمد الصدر.. فقد وقف مدافعا عن الثوار الصغار وعن ثقافة الموهبة وعن كل الذين اصابهم.. التعب من الاكاديمية الحوزوية والذكاء والمنطق والجدالات والحفظ والدين المكتوب ولم يصلوا الى نتائج واقعية حقيقية في تطوير علاقتهم مع الله سبحانه وتعالى..
محمد الصدر كان كالحمزة مدافعا عن الشباب الذي يشعر بضرورة التجديد ليأخذوا فرصتهم  في وقتها  بدل  ان تبقى  محاصرة من قبل رجال الدين  المكتوب حتى تموت  تلك المواهب فيهم ..محمد الصدر احتضن كل المبادرات بكل أنواعها وطروحاتها …
لقد احتضن الدين في الشعر.. والدين في الرسم.. والدين في القصة.. والدين في الاحلام.. والدين في الخطب.. والدين في البحوث.. والدين في الدموع .. والدين في الروحانية.. والدين في الجهاد.. والدين في التجديد..لهذا كانت دعوة الولي الطاهر للفقهاء كي يحضروا الجمعة ليس لسلب موقعهم كرجال دين وفقهاء بل لإفراغ هذا الموقع من مظاهر الكبر والتعالي والاعتزال وما رافق ذلك من منعه لتقبيل يدهم او في مناداتهم بخطاب الجمع..
وكان إصراره لحضور النساء لصلاة الجمعة لإفراغ موقع الرجولة من التسلط والعنجهبة عندما يشعر انه والمرأة في ساحة واحدة وتكليف واحد..
وكانت دعوة موظفي الدولة في الوزارات للتوبة وبالتالي للحضور في الصلاة لكسر حواجز التكبر والتبرج ولتبني اخلاق التواضع في المجتمع …
كان محمد الصدر ظاهرة لأنه الوحيد  من بين كل رجال الدين الذي جعل  الثقافة  التوحيدية ثقافة ميدانية  شفوية وثقافة بسيطة وهو الذي استطاع ان ينتج مئات الالاف من الفقهاء في التوحيد.. والفقهاء في محبة الله.. وطاعته.. والفقهاء في الشعور بالمسؤولية تجاه الدين..
فعندما نقول ان خطاب الولي الطاهر كان مختلفا بكل معنى الكلمة عن كل ما تعودنا عليه من كتب واشرطه مسجلة.. فنحن لا نبالغ ان قلنا نحن المتأثرين بالولي محمد الصدر بتنا لا نستذوق قراءة الكتب او الاستماع الى المحاضرات لأننا تشعر بمدى الفرق الكبير بين خطاب التوحيد الذي قاده مرجعنا الكبير الصدر المقدس وبين الثقافة المكتوبة المنعزلة