بين المصاطب الخشبية المنتشرة في هذه المحطة يبدو ذلك المسن قد ارقه الانتظار في محطات .السفر ، هو يرتدي معطفا اسود ويعتمر قلنسوة من الصوف رمادية لم يبرز السواد من معالمه ان لم
يكن له قلبا ابيض ،وحين انسحب النهار مثل بساط من تحت أقدام المسافرين ،حل مكانه الليل يوحي بالعزلة ومسحة كابية على نثار الراحلين ، في عرباته يرسمون ابتساماتهم يوزعوها عنوة ويلوحون عبر النوافذ حين يجعجع القطار ويطلق صافرة الرحيل .
نشورا ونفير.. تختفي الأشجار والحقول وتعود ثانية فيحملها باقات..باقات .. ليتركها دموعاً على مآقي المودعين. انحسر احد المسافرين القلة مثل النهر وحين طغى المد انفجر باكيا بصوت مسموع ونشيج، فانبرى له احد الكبار عن كثب، ربت على كتفه مثل أب وشد على ساعده كرجل شجاع بحث في معطفه ثم في معطف المسافر حين رآه يصر بأسنانه وينتفض عن شيء فتناثرت أوراقه. صورة لطفل والثانية بطاقة شخصية ادلف الرجل الكبير منشفة صوفية في فمه و مزق أزرار قميصه ، بدا الجمع الغفير محملقا في هذا المسافر ، وتوافد آخرون من العربات راعهم الموقف فانصاعوا لنداء فضولهم قبل الضمير، انصبت النضرات فجأة تجاه بطاقته الشخصية..
للتو أطفئ القطار ستة وعشرون شمعة وسط جو تأبيني صامت … دون عزاء او حتى بكاء او صدى لمآثر يذكر .. دون محطة. وبقي هو يشق طريقه وسط عتمة الليل كما هو في الداخل أيضا لم يتغير اي شيء عدا ان الجميع انصرف وبقي الرجل الكبير ماثلا والمحصل ، في حين انزوى رجال الشرطة يتشاورون .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * *
تنحني القامات حين يشتد الزمهرير ، تقصر المسافات بين محطة وأخرى يتهافت الوافدون الى العربات الخلفية، يحملون نزقهم وأحزان الشتاء، وينصاعون صاغرين ، لما يتفرس المحصل في وجوه المندسين بين البضائع يسألهم عن الأجر، يحاورهم بسيمائية وغضونه تتجدد عبثا بين المحطات .
غادر باعة الرصيف وباعة الكرزات والسجائر كذلك بعد ان خمدت السنة النار المستعرة بآخر الأعواد الخشبية وجذاذات الأوراق ، مخلفة فقط الرماد . في حين ضل احد المتسولين يناضل تحت كوم من الأسمال أن يحضا باليسير من الدفء يعينه حتى الصباح .
وبدا الصمت حانيا على صخب الصباح ، وأخذت الرياح تؤرجح ذوائب الأشجار بانتظام . بينما بقي القطار حافلا بين قصة يرويها احد الزبائن وأخرى لمسافرة يحاورها احدهم عن أسباب الرحيل وعن الأماكن المعتمة داخل العربة لتبادل القبل .
وترزح المحطة في سكونها العنيف عندما يغادرها الزبائن ، لولا ذلك المسن الذي لازال يمطرهم وابلا من علامات الاستفهام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تهامس العاملون وتبادلوا النظرات وجلها كانت مصوبة من والى داخل المحطة..
ماذا ينتظر ابن جاحد ، زوجة أثقلها الكبر ، صديق حالت بينهم الأيام ،أم تراه هائما متشردا …
كان آخر مسافر قد غادر المحطة إلا هو لقد كان لابثا في محطته الأخيرة ..