أجدادنا الأوائل كانوا عندما يتكلمون عن رجل متزوج من امرأة ليس أبن عمها أو من عشيرتها يقولون فلان متزوج من – أجنبية – أو يقولون – غريبة – هذه الأفكار والتربية الاجتماعية الخجولة المبنية على العادات والتقاليد القبلية نقلوها معهم عند هجرتهم من الريف إلى المدينة كونهم من أصول فلاحيه تمتهن الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك , فنشأ جيل من أبنائهم في المدن الكثير منهم لا يعرف الحب والغرام المبني على الجات والمسجاة و الموبايل,يحترم بنت الجيران ويعتبرها أخت له ولا يسمح للآخرين بالتجاوز عليها , حتى لو كان لديه رغبة بالزواج منها فأنه يكلف أمه أو أخته لطلب يدها ومفاتحة أهلها بالزواج .. في وقت لم نسمع فيه – بالستلايت و الهوة بيرد والنيل سات والفيسبوك – ولا ننسى بان التعليم والثورة المعرفية التي بدأت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي والتوسع في بناء الجامعات والمعاهد الفنية والكليات الحكومية في معظم إنحاء العراق اوجد ما يسمى – بالاختلاط – في تلك المعاهد والكليات الدراسية و خلق فرصة للتقارب والتعارف بين الجنسين وكسر حاجز الخوف والخجل لدى تلك الأجيال القادمة الأغلبية العظمى منها من الريف , بالإضافة إلى دوائر الدولة وشركاتها الفتية استوعبت كافة خريجي الكليات والمعاهد ,فانتقلوا من ساحات العلم والدراسة إلى ساحات العمل وعادوا مختلطين مرة أخرى ولكن هذه المرةَ في مؤسسات ودوائر الحكومة أو ما يسمى – القطاع الاشتراكي – آنذاك مما شجعهم على تحسين مستواهم المادي والمعرفي وشجعهم كذلك على الزواج والإنجاب وبناء الأسرة , لان الزواج كما يقول علماء النفس والاجتماع يبعد الإنسان عن الإمراض والأفكار المنحرفة ويحصن النفس الأمارةَ بالسوء ويوثق العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ويشكل الأسرة التي هي نواة المجتمع , قبل إن ينتقلوا إلى الحروب العبثية المستمرة والحصار الاقتصادي الذي جعلهم يبيعون ما ادخروه لأيام الضيق و الشدة , بعد التغيير عام 2003م راحت الأغلبية من الشباب نحو جادة الانغلاق والخجل مرة أخرى وكأنها في عصر جدي المولود عام 1897م في العهد العثماني , ليس لديهم القدرة على مفاتحة النساء بالزواج أو إقامة علاقة حب شريفة مع فتاة معجب بها , فيلجأ الكثير منهم إلى الفضائيات لطلب الزواج ( الدائم والمؤقت)أو كما يطلق عليه البعض– الزواج العرفي – منهم من يريد الزواج بمطلقة وهو لا يعرف بان نسبة ظاهرة الطلاق عندنا العام الماضي بلغت (65%) , وأخر يطلب أرملة بعد إن حصدت الحروب والأعمال الإرهابية أرواح أزواجهن , آذ أن نسبة الارامل في العراق بحسب اخر مسح اجراه الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العام 2011 وصلت الى 5% اي ما يعادل ( 575 )الف ارملة من عمر 15 عام فما فوق , والأخر يطلب الزواج من سورية أو فلسطينية أو مصرية لأنه يعتقد أنها ارخص ثمنا من العراقية , والأغلبية ربما تكون إعلاناتهم عن طلب الزواج وهميه وغير صادقة الغرض منها التسلية ليس غير , والكثير منهم متزوجين ويدعون أنهم عزاب لأنهم يعتقدون بان هناك فريسة جاءت لكي يصطادوها أو لكي يتهربوا من زوجاتهم خوفا وطمعا , و بعد مراجعة دقيقة لتلك الفضائيات وجدت أن حوالي ( 80% ) من العارضين فيها هم من العراقيين بعد إن كانت السعودية تحتل الرقم المذكور , وحسب تقارير وزارات التخطيط والمرأة والصحة العراقية فأن هناك أكثر من مليون أرملة لديهن بحدود ثلاثة ملايين طفل يتيم وان 59% منهن فقدن أزواجهن بعد نيسان 2003م , البعض منهن يتقاضين رواتب متدنية عن طريق شبكة الحماية الاجتماعية, وان 22% من النساء تزوجن دون سن 18 سنة و 5% منهن تزوجن دون سن 15 سنة وتحت مبررات دينية واجتماعية وثقافية محدودة دون الاستمرار بالدراسة,مع تصاعد نسبة الفقر في المجتمع آذ بلغت في الريف 39% وفي المدن 16% مسجلة بحدود (7) مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر , نعم تنعكس مشكلة الفقر بشكل مباشر على ازدياد العزوف عن الزواج وتزايد العنف والسرقة والانحراف الأخلاقي 0ولكن في كل يوم نرى حقوق المرأة مهدورة ليس فقط في مجالات العمل وفرص الزواج وتكوين الأسرة وإنما حتى في البرلمان الذي مهمته المحافظة على الدستور0وأخيرا أقول إذا كان لدينا هذا الكم الهائل من النساء العازبات والمطلقات والأرامل والشباب الراغبين بالزواج , لماذا لا نفتح محطة فضائية عراقية متخصصة بالزواج تتبناها شبكة الأعلام العراقية ووزارة المرأة ؟ تدار من قبل كادر نسوى متميز وتساهم فيها منظمات المجتمع المدني والمعنيين بالدفاع عن حقوق المرأة بالأفكار والحلول الجذرية لمعالجة مشكلة المرأة وما تعانيه من ظلم وحيف لحق بها نتيجة ظروف العراق السياسية و الاقتصادية على مر السنيين , بالتنسيق مع الجهات المعنية لمساعدة ضحايا العنف الأسري من خلال أيجاد فرص عمل لهم وتقديم الاستشارات الأسرية والقانونية ومكافحة ظاهرة الطلاق و تقديم برامج الإرشاد والتوجيه والنصح لغرض تحقيق الاستقرار المجتمعي , بدلا من الثرثرة الفارغة التي نسمعها اليوم في أجهزة الإعلام والكلام المعسول الذي يدافع عن المرأة في الصحف والمجلات والندوات والمؤتمرات, وما تقدمه لنا وزارات الدولة المعنية من إحصائيات مرعبة عن واقع المرأة العراقية دون وضع برامج وخريطة طريق علاجية تنقل المرأة من واقعها الحالي إلى واقع أكثر تطورا ورفاهية ,على ان تضم المحطة برامج مخصصة لمساعدة المشاهدين على ايجاد الشريك المناسب والبحث عن أماكن سياحية لقضاء شهر العسل داخل العراق وخارجه وشراء الاثاث المدعوم والحلي وبث برامج تعليمية عن كيفية التعامل بين الزوجين والأهل وتربية الاطفال وتعليمهم خصوصا الموظفين من كلا الجنسين يجدون صعوبة في التعرف الى شركاء محتملين بسبب انشغالهم في العمل وغياب ثقافة الحب الصادق المبني على الزواج وبناء الاسرة .