18 ديسمبر، 2024 8:36 م

محطات متناقضة في حياتي .. لا تنسى

محطات متناقضة في حياتي .. لا تنسى

المحطة الأولى :
ـ في العام 1973 حضرت شابة معدمة الى بيتنا.. وقالت بالحرف الواحد: “أريد عمل .. وقالوا ليً: أنت تكدر تعيني”.. وهي لا تحمل أية شهادة دراسية.. وفعلاً كانت بحاجة الى عمل.. المهم خلال يومين عينتها في معمل البطاريات في منطقة الوزيرة.
ـ ظلت هذه البنت تحاول رد فضلي بتقديم هدية ليً.. وأنا في كل مرة أرجوها مؤكداً: إنني غير محتاج أي شيء.. وكانت ترغب في إكمال دراستها فانضمت الى محو الأمية.. واستطاعت بنظام التسريع الحصول على الشهادة الإعدادية.. وانقطعت أخبارها.
ـ يبدو إنها واصلت دراستها.. ففي العام 1982 كنتُ موفداُ الى بلغاريا لإلقاء محاضرات في معهد جورجي ديمتروف للدراسات النقابية.. وإثناء دعوة الغذاء التي أقامها المعهد على شرف زيارتنا.. تقدمت شابة وسلمت عليً.. وبدا ليً إنها عراقية.. ابتسمت.. وقالت دكتور “أنا فلانة.. التي عينتني في معمل البطاريات.. وأنا الآن بزمالة دراسية من وزارة الصناعة ادرس في المعهد لنيل شهادة الماجستير في اقتصاديات العمل.. وأنا من المتفوقات”.
قمتُ من كرسيي احتراماً لجهادها.. فقالت دكتور ألان حلت الهدية.. قلتُ لها عندما تنالين الماجستير تحل الهدية.. وأرجو أن تكون هدية رمزية وبسيطة.. وبغيرها لن استلمها..
ـ في نهاية العام 1983 حضرت الى بيتي مع زوجها.. وهديتها كانت فعلاً رمزية وبسيطة.. لأنها كانت متأكدة لو جلبت هدية غالية لرفضتها.

المحطة الثانية:
اتق شر من أحسنت إليه
راجعني أحد موظفي دائرة الإعلام الخارجي في أيلول 1983.. وهو يحمل أوراق قبوله للدراسة في بلغاريا.. ورجاني انجازها بسرعة.. المهم انجزناها خلال ساعتين.. بعد أسبوع عاد ليً ليقصً ليً مشكلته “فالفرقة الحزبية أبلغته التحاقه بقاطع الجيش الشعبي.. ورفضت قبول أعذاره كطالب بعثة لدراسة الدكتوراه”.. وحجزوا جواز سفره في الفرقة الحزبية .. وجاءني لأخلصهُ من هذا المأزق.. وقال “إن ابن مسؤول الفرقة الحزبية.. حالياً طالب مسائي في العلوم السياسية.. وأنت أستاذه.. وكلمة منك كأستاذه يؤجلني للقاطع القادم.. وأكون أنا وقتها في بلغاريا).. وعدته خيراً.. وفي المساء التقيتُ الطالب وطلبتُ منه كيفية تأجيل (ع . ح) من قاطع الجيش الشعبي.. فوعدني خيراً.. وفعلاً أعفيً (ع . ح) من قاطع الجيش الشعبي.. وسلموه جواز سفره.. وغادر إلى بلغاريا للدراسة وأخذ عروسه.. التي أستطاع قبولها للدراسة العليا معه أيضاً ..
في العام 1989 أعلن عن جوائز تقديرية للعلماء والباحثين المبدعين.. جمعتُ كل كتبي وبحوثي ودراساتي الأصيلة العلمية المنشورة.. وذهبتُ بها إلى وزارة الثقافة والأعلام.. حيث كنتُ متقاعداً من هذه الوزارة منذ العام 1984.. وفي الوزارة إلتقتني إحدى الزميلات.. وعرفت موضوعي.. فقالت بسيطة اليوم نكملك المعاملة.. وأضافت وهي مبتسمة “ولو مدير الدائرة المعنية واحد عكرة.. دكتور جديد”.
المهم: دخلنا على المدير العكرة.. كما قالت الزميلة حمدية.. فقدمتني له.. فاٍستقبلني ببرود شديد.. فوجئتُ انه طالب الدكتوراه (ع . ح).. قالت له حمدية : (نريد كتاب تأييد لأستاذنا العزيز دكتور هادي اليوم).. ردً عليها بحزم: يراد تدقيق كل مؤلفاته من قبل الخبراء.. ولن تنجز بأقل من شهر.. نظرتُ إليه بإمعان.. وقلتُ له: “الذي أنجز معاملة بعثتك بنفس اليوم.. وأنقذك من قاطع الجيش الشعبي.. سيجلب لك أمراً بانجازها فوراً”.. وحملتُ نتاجاتي الفكرية إلى مكتب الوزير.. الذين رحبوا بيً واتصلوا به هاتفياً.. وأمروه بانجاز المعاملة فوراً.. وخلال ربع ساعة جلبً المعاملة بيده منجزة.
نظرتُ إليه ثانيةً.. وقلتُ له: “لم أندم في حياتي عن عمل قمتُ به.. ولو عاد الزمن وجئتً أنت مرة ثانية.. لأنجزتُ لك معاملة بعثتك إلى بلغاريا لدراسة الدكتوراه.. ولأنقذتكً من قاطع الجيش الشعبي مرة أخرى”.. صمتً ولم يتكلم.