8 أبريل، 2024 6:39 ص
Search
Close this search box.

محطات في حياتي .. (22) نزيه من بلادي

Facebook
Twitter
LinkedIn

خلال استعداداتي وتهيئتي تنظيم وإقامة معرض الفن التشكيلي للفنانين العراقيين الشباب المقيمين في المدن الايطالية العام 1979.. تردد اسم أحد الفنانين الشباب المبدعين (…………).. فطلبتُ لقاؤه.. لكنه لم يحضر.. قد يكون لبعد مكان إقامته بأكثر من 400 كيلومتر عن روما.. قلتُ ونفسي (الميجي وياك.. تعال ويا).. وانطلقتُ إلى سكن هذا الفنان لنجد انه خرجَ من بيته منذ الصباح الباكر.. وأكد جيرانه انه يأتي ليلاً.. وبقيتُ في المدينة (أنا ومدير مكتبي)..ننتظره ..
المهم إلتقيته.. وهو كبقية الفنانين العراقيين الشباب في ايطاليا.. يعيشون حد الكفاف.. حدثتهُ عن المعرض وأهمية مشاركته.. وإن فكرة إقامة المعرض تبلورت لدى لقائي الفنان إسماعيل الشيخلي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية في بغداد.. بهدف دعم الفنانين المشاركين.. حيث يتم شراء جميع اللوحات المعروضة بأسعار سخية.. وعلى الفور اعتذر عن المشاركة.. تناقشنا بالموضوع.. ولم يستجب.. طلبتُ منه أن يصارحني عن السبب الحقيقي لرفضه المشاركة لكنه اعتذر.. على الرغم إن المعرض ليس ذا طابع سياسي بل فنيا صرفاً.. ويقام في قاعة فنية يختارها الفانون المشاركون.. وهم ينظمونه.. لم يكن أمامي إلا أن ودعتهٌ.. وقلتُ له: (تذكر إن لك أخاً في روما.. تأتيني في أي وقت.. وأية قضية مادية أو غيرها).. شكرني ورجعتُ إلى روما ..
بعد حوالي سنة على هذا اللقاء.. أبلغني مكتبي إن الفنان (…………) يرغب في مقابلتي.. دخلً عليً ورحبتُ به.. ظل واقفاً.. واعتذر عن الجلوس والضيافة.. وقال مباشرة (أريد أن أذهب إلى بغداد.. لزيارة أهلي.. وأحتاج منك شخصياً 100 دولار سلفة.. وسيقوم أهلي بإرسالها إلى اهلك في بغداد فيما بعد).. مؤكداُ أن لا تكون من أموال السفارة ..
أخرجتُ محفظتي وسحبتُ خمسة أوراق (أي 500 دولار).. لكنه مدً يده وسحب ورقة واحدة.. وقال: كيف نردها لأهلك ؟.. كتبتُ له رقم هاتف أهلي في بغداد.. وراح الرجل.. بعد أشهر وأنا في اتصال هاتفي مع أهلي.. أبلغوني إن بنتاً جلبت 100 دولار من الفنان (…………..).. ضحكتُ كثيراً .. ولم ألتقيه ثانية في ايطاليا ..
بعد سقوط النظام السابق عاد هذا الفنان للعراق.. ويبدو انه عينً مديراً فنياً في وزارة الثقافة.. وفهمتُ انه عمل بجد وإخلاص ونزاهة في تلك الظروف الصعبة.. وأقام مشاريع فنية عديدة خاصة خلال الحرب الطائفية.. فكوفئ بتنزيله موظفاً بسيطاً.. سألتُ عنه فجاءني الجواب الصحيح من عدة أشخاص أعرفهم جيداً.. قالوا: (دكتور هذا نزيه حتى الثمالة.. والجماعة يريدون يسرقون.. وهو لن يسمح بالسرقة من خلاله.. وهكذا تخلصوا منه !!!!!!!) ..
ألتقيتهُ عدة مرات أيام الجمع في شارع المتنبي.. لأجدهُ ذلك الشخص.. كما رأيتهُ أول مرة.. لم يتغير ملبسه.. فقد كان يرتدي ملابس عفا عليها الزمن.. سلمتُ عليه.. ردً عليً السلام.. ويبدو انه لم يعرفني.. أو حاول عدم معرفتي.. تألمتُ كثيراً على العراقيين النزيهين.. هكذا يعيشون خارج بلادهم .. وهكذا يعيشون داخل بلادهم .. حد الكفاف.. ومهمشين .. وفي غربة تامة ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب