22 نوفمبر، 2024 8:40 م
Search
Close this search box.

محطات في تاريخ تيار الإسلام السياسي

محطات في تاريخ تيار الإسلام السياسي

تيار الإسلام السياسي والذي يستخدم الدين الإسلامي من أجل الوصول إلى مكاسب سياسية لا يعد ظاهرة جديدة في منطقتنا العربية والإسلامية ،ولكنها فكرة يمكن أن نرجعها إلى السنوات الأولى من القرن الماضي ،ففي القرن الماضي شهدت المنطقة وبعد التخلص من الدولة العثمانية وهي الدولة التي سيطرت على المنطقة لفترة طويلة مستخدمة في ذلك مفهوم الخلافة والدولة الإسلامية  ظهرت لنا حركتين مهمتين لازالتا تلقيان بظلالهما على المنطقة وهما الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية ،وحركة الإخوان المسلمين في مصر .
استطاعت الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية أن تدخل إلى عالم السياسة وبصورة شرعية من خلال وقوف زعيمها محمد بن عبدالوهاب مع الدولة السعودية وتكوينها حتى ظهرت للوجود في عشرينيات القرن الماضي ،أما في مصر والتي ظهرت فيها حركة الإخوان المسلمين في عشرينيات القرن الماضي ايضا على يد حسن البنا فلم تستطع الحركة أن تحظي بالقبول من قبل السلطات الحاكمة لها وبالتالي انتقلت للعمل بصورة غير شرعية في مصر ،و ارتبط العنف والإرهاب بها منذ السنوات الأولى لتكوينها من خلال الجرائم التي قامت بارتكابها في مصر في هذه الفترة .
هذا وقد اعتنقت جماعة الإخوان فكرة الخلافة الإسلامية والدولة الأسلامية الواحدة التي تتخطى حاجر الحدود، ويكون كل المسلمين فيها أخوة ومواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وهذه الفكرة كانت الأساس الذي حكمت به الدول الإسلامية مساحات شاسعة من العالم الإسلامي وإن كانت هذه الجماعة قد اختلفت عن الدولة العثمانية أنها كانت تقبل بأي شخص لديه الصفات المطلوبة أن يتولى الحكم بينما كان الخليفة في الدولة العثمانية لابد أن يكون السلطان التركي .
هذا واستمرت جماعة الإخوان كجماعة غير مشروعة طوال الثلاثينات والأربعينات والخمسينات والستينات (العقد الذي لحق بهذه الجماعة  العديد من الضربات القاسمة  والتي جعلت نشاطها يصبح محدودا) وتفرع عن هذا الفكر والفكر الوهابي عدة جماعات لم  يكن لها تأثيرا كبيرا في الحياة السياسية المصرية في هذه الفترة ،وبقى الأمر كذلك حتى عهد الرئيس أنور السادات الذي أراد أن يقلص خطر التيار الشيوعي واليساري في مصر فبدأ في اتاحة الفرصة لهذه الجماعات بالظهور مرة أخرى في الساحة السياسية المصرية ،كما أخرج قياداتهم من السجون وهو ما أتاح لهذه الجماعات أن تقوى من جديد وتبدأ في تجديد دمائها وضم أعضاء جدد لكوادرها وانطلقت لتعيث فسادا في مصر ،فانتشرت حوادث الفتنة الطائفية وانتهى الأمر باغتيال رئيس الجمهورية الرئيس أنور السادات على يد هذه الجماعات وهو الأمر الذي أدى إلى ملاحقة هذه الجماعات بشدة من قبل الأمن وهروبهم خارج مصر .
في هذه الفترة وتزامنا مع الأحداث المصرية الداخلية كانت أفغانستان تعاني من الغزو السوفيتي لأرضها وهو الغزو الذي وجدت فيه هذه الجماعات الفرصة المناسبة لكي تكتسب نوعا من الشرعية في نظر العالم الإسلامي ،وهكذا أصبحت أفغانستان القبلة التي يتوجه إليها أنصار التنظيمات الإسلامية المتطرفة خاصة وأنها أصبحت القضية الرابحة التي استطاعت هذه الجماعات أن تتاجر بها وتكتسب بها مزيدا من المؤيدين في العالم الإسلامي ،فبعد أن كانت هذه الجماعات ينظر لها على أنها جماعات متطرفة اصبحت جماعات مدافعة عن الدين والشريعة والأمة ،وأصبح أعضاؤها أبطالا في نظر الكثير من سكان العالم الإسلامي وبدأت تلقى الدعم المادي واللوجستي والمعنوي من هذا العالم بل ومن العالم الغربي الذي نظر لهذه التنظيمات على أنها السلاح الذي سيحسم معركته مع الإتحاد السوفيتي دون أن يفقد الكثير من الرجال خاصة وأن التجربة الفيتنامية والفشل الذريع الذي لحق بالولايات المتحدة فيها كان حاضرا في الذهن ولم يكن ممكنا أن تتحمل الولايات المتحدة أو العالم الغربي خسارة مماثلة وبالتالي كان البديل الآمن هو العمل على تقوية شوكة هذه الجماعات ومدها بالسلاح والمال اللازمين لمقاومة الإتحاد السوفيتي .
وهكذا انهال الدعم من كل جانب على هذه الجماعات سواء من العالم الإسلامي وبعض الحكومات فيه ،أو من الشعوب الإسلامية أو من خلال العالم الغربي وهو الأمر الذي مكن هذه الجماعات من أن تكتسب نوعا من القوة والشرعية والخبرة التي مكنتها من الإنتصار على الإتحاد السوفيتي ليكتب لهذه الجماعات شهادة الميلاد وتظهر للوجود على أنها المدافع والحامي للملة والشريعة والأقدر على هزيمة أعداء الإسلام وهو الأمر الذي أكسبها مزيدا من المؤيدين خاصة بين الشباب وأدى إلى تعاظم شعور هذه الجماعات بالقوة ورفضها للواقع الذي حاولت الولايات المتحدة أن تفرضه عليها وهو أن دورها قد انتهى ويجب أن تقوم هذه الجماعات بحل ذاتها ،وبالتالي وقع الصدام بين هذه الجماعات المتطرفة وبين الراعي الرسمي لها وهو الولايات المتحدة والعالم الغربي وأدى إلى تهميش دور هذه الجماعات لتتحول إلى خلايا نائمة تنتظر الفرصة المناسبة للظهور من جديد .
ولم تتأخر هذه الفرصة كثيرا إذ انتهزت هذه الجماعات فرصة احتلال الكويت وتدفق القوات الأجنبية والغربية على شبه الجزيرة العربية لتعلن عن ظهورها من جديد مستغلة حالة الغضب لدى بعض فئات الشباب وغيرهم من مواطني العالم الإسلامي من التدخل الأمريكي في هذه القضية وبالتالي بدأت هذه الجماعات تعود للعمل تدريجيا وتقوم بأعمال ارهابية متدرجة في عنفها حتى وصلنا إلى أحداث 11 سبتمبر  .
كانت أحداث 11 سبتمبر هي نقطة التحول في عمل هذه الجماعات ،فعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة الذي كان يعمل من أفغانستان والحدود الباكستانية الأفغانية وبعض مناطق اليمن هو المسئول عن هذه الهجمات إلا أن الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش قررت أن تحتل العراق بحجج واهية وأعلن وقتها الرئيس الأمريكي بوش انطلاق الحروب الصليبية من جديد وكان هذا الإعلان بمثابة مفجر غضب الكثيرين في المنطقة الإسلامية الذين شعروا بأن الظلم قد وقع بدولة اسلامية لمجرد أنها دولة اسلامية تتمتع بالكثير من الخيرات ،وأن التعامل الدولي غير منصف مع القضايا الإسلامية ومنحاز وهو الأمر الذي يتطلب الدفاع عن هذه القضايا من خلال أبناء الدول الإسلامية وهو الأمر الذي منح للتنظيمات الجهادية وتيارات الإسلام السياسي شرعية كبيرة في ظل أنها استخدمت القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى والجهاد ضد الغزو الصليبي سلعا رابحة استطاعت من خلالها أن تكتسب العديد من الأنصار والدعم اللامحدود من أبناء العالم الإسلامي وبدأ تدفق الكثير الكثير من طالبي الشهدة إلى أفغانستان منتظرين اللحظة المناسبة للقضاء على أعداء الأمة والدين .
ولم تطل الفرصة كثيرا حتى تحدث اذ جاء الإحتلال الأمريكي للعراق لينقل أرض المعركة لقلب العالم الإسلامي والمنطقة العربية  ،فاستغلت هذه التنظيمات  حالة الفوضى التي صاحبت الغزو الأمريكي للعراق وحالة الغضب الشديد من هذا الغزو وتلاه من أحداث  كي تضم المزيد من الأنصار وتتحول في نظر الكثيرين من جماعات ارهابية إلى جماعات مدافعة عن الأمة والعقيدة وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ هذه الحركات مكنتها كي تتطور أكثر وأكثر وتنجح في استغلال كل فرصة ممكنة كي تكتسب مزيدا من القوة والأنصار خاصة وأنها كانت تجيد استغلال ثنائية الفقر والجهل كي تجتذب الشباب وتعدهم بما لا يمكنهم تحقيقه ،كما استغلت الدين كي تمنيهم بالجنة والشهادة والحور العين وهكذا اصبح القتال لدى الكثيرين هو قتال عقيدي يقوم على حماية الملة والدين وفي مرحلة لاحقة المذهب مستغلة بذلك أخطاء الحكومات العراقية التي حكمت بعد الإحتلال وهي أخطاء قاتلة .
منذ 2003 وحتى 29-6-2014 وهو تاريخ اعلان تكوين دولة الخلافة الاسلامية في العراق وسوريا عملت هذه الجماعات على استغلال كل اخطاء الحكومة العراقية لإشعال النار الطائفية في العراق واستغلال الظلم والإضطهاد كي تكتسب مزيدا من الأنصار وهو ما عجزت الحكومة العراقية عن استيعابه وهو الأمر الذي منح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش )فرصة ذهبية لكي ينمو ويكبر ويمتد إلى سوريا مستغلا حالة الفوضى الناتجة عن الصراع الدائر فيها ،وكذلك استطاع أن يصل إلى ليبيا ويكون فيها قاعدة ينطلق منها لمهاجمة دول الجوار مثل مصر .
إن داعش هي نتاج لتاريخ طويل لعمل هذه الجماعات استغلت فيه القيادات الداعشية اخطاء الآخرين لكي تنمو وتظهر وتصبح بهذه الوحشية التي نراها اليوم وهي وحشية وعنف غير غريب على هذه الجماعات التي ترى أن الترهيب واخافة الخصم هو السبيل الوحيد لاقامة الخلافة الإسلامية التي تحكم بشرع الله وهو الحلم الذي صاحب تاريخ كل جماعات الإسلام السياسي منذ نشأتها وحتى الآن .

أحدث المقالات