ما أن بدأت حمى الدعاية الانتخابية حتى بدأت معها محاولات بعض القوى السياسية المتأسلمة من إيهام الناس أنّ المرجعية الدينية العليا تقف إلى جانب هذا الطرف السياسي وترفض ذالك الطرف , في الوقت الذي الذي أعلنت فيه هذه المرجعية وعلى لسان ممثليها في كافة محافظات العراق , وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات , وجلّ ما طالبت به المرجعية العليا هو حث الناس على المشاركة الفاعلة في الانتخابات وضرورة انتخاب الأفضل والأكفأ , من دون أن تسمي هذا الحزب السياسي أو ذاك , وطالبت كذلك بضرورة إجراء تغييرات جوهرية في بنية العملية السياسية .
لكنّ بعض القوى السياسية التي دأبت على استغفال واستغلال عواطف الناس والاختباء وراء الشعارات الدينية والحسينية , تريد أن تستثمر دعوة المرجعية العليا للتغيير باتجاه آخر يتقاطع تماما مع جوهر هذه الدعوة , فدعوة المرجعية العليا للتغيير هو من أجل إنهاء نظام المحاصصات اللعين الذي قامت عليه العملية السياسية الحالية , والذي تسبب بكل هذه الآلام والمآسي والدمار , فنظام المحاصصات سئ الذكر هو المقصود بالتغيير , وليس كما يحاول البعض أن يوجهه باتجاه الدعوة لعدم انتخاب نوري المالكي , فقبل يومين انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي منشور مفاده أنّ رجل الدين بشير النجفي يحث الناس على عدم انتخاب نوري المالكي ولو تطلّب الأمر أن ينزل بنفسه للشارع لدعوة الناس لعدم انتخاب المالكي , وهذا المنشور يقف وراءه شخص من اسرة آل الحكيم ومن المقربين لسماحة المرجع محمد سعيد الحكيم , والحقيقة أنا لست معنيا بانتخاب أو عدم انتخاب نوري المالكي , فهذا الأمر لا يعنيني لا من قريب ولا من بعيد , لكنّ الذي يعنيني ويعني كل عراقي شريف وغيور , هو التحريف المتعمّد لجوهر دعوة المرجعية الرشيدة في التغيير , وتوجيهها باتجاه حزبي بعيدا عن مصلحة الشعب العراقي في إنهاء نظام المحاصصات المقيت والتوجه نحو انتخاب حكومة أغلبية سياسية قوية ومنسجمة تنهي وللأبد هذه الحقبة المؤلمة في حياة الشعب العراقي .
إنّ المرجعية الدينية العليا حين تدعو لأمر معيّن لا تنطلق من بعض الاعتبارات الخاصة , بل من اعتبارات المصلحة العامة للشعب , ومصلحة الشعب تكمن في انتخاب حكومة أغلبية سياسية قوية ومنسجمة , سواء كان المالكي هو من يقود هذه الحكومة أو أي سياسي آخر غيره , فالخطوة الأولى للتغيير وتصحيح الأوضاع الشاذة , تبدأ من انتخاب هذه الحكومة , ومحاولات إقحام المرجعيات الدينية في الصراع السياسي الدائر , يسئ لمكانة هذه المرجعيات الدينية والاجتماعية , هذه المكانة التي اكتسبتها عبر قرون من الزمن بسبب دورها في رعاية مصالح عامة المسلمين , فليس من الحكمة ولا من الحصافة أن ينخرط بعض رجال الدين في هذا الصراع السياسي , ويظهروا في مظهر وكأنهم زعماء سياسيين وليسوا رجال دين .
إنّ ما أشيع من كلام حول موقف الشيخ بشير النجفي , من رئيس الوزراء نوري المالكي ينبغي التوقف عنده , ليس من أجل نوري المالكي , بل من أجل مكانة مراجع الدين في قلوب الناس , فهذه المكانة يجب أن لا تهتز نهائيا بسبب صراع سياسي بين سياسيين طامحين للسلطة .