23 ديسمبر، 2024 2:46 م

محسن حسين .. نستك الدولة لكن ذكرك في قلوبنا

محسن حسين .. نستك الدولة لكن ذكرك في قلوبنا

كثيرا ما نفخر نحن معشر الصحفيين بانجازاتنا الشخصية وبلمساتنا التي نتركها على المؤسسات الاعلامية التي تحتضننا وتبذل لنا ، وتفتح لنا مساحة التفكير بمستقبلنا والتخطيط له بخطوات ثابتة نحو سلم النجاح ومحاولة الوصول للقمة ، وربما التوهم والنزول الى الانحدار والفشل .

لكن مع كل هذا الطموح الكبير والعريض والمستقبل الشخصي ، الا اننا فيما يبدو عديمي الوفاء ولا نستحق ان نكون بهذه المكانة ، حتى ان كانت اتت هذه المكانة بانجازات شخصية للصحفي ، لاننا لا نذكر الرجال الذين تتلمذنا على ايديهم وعلمونا كيف نكون صحفيين حقيقيين ومنحونا الخبرة ، ودلونا على مناطق الخلل وتحويله الى صواب وغرسه في نفوسنا كالمَلَكة التي تلازم النفس ولا يمكن ان تنفك عنها .

ولو اردت انا شخصيا / باعتباري عديم الوفاء لاساتذتي / ، ان اذكر الرجل الذي وقف خلفي في مسيرتي الصحفية ، فلا يمكن ان اذكر غير الاستاذ الكبير محسن حسين (ابو علاء) ، اطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية .

ان محسن حسين ظاهرة لا يمكن ان تتكرر في عالم الصحافة ، لما يحمله من ذهنية صحفية خارقة وقدرة على صنع الخبر والحدث بشكل لا يستطيع غيره فعل هذا ، رغم اقترابه من عامه الـ80 اطال الله في عمره .

كان لي الشرف ان يسجل اسمي ضمن لائحة الصحفيين الصغار الذين عملوا تحت امرة محسن حسين ، حيث عملت مع هذا الرجل لـ4 او 5 سنوات ، وكانت هذه السنوات القليلة هي الاهم في حياتي الصحفية ، بنفس الوقت كانت الاصعب ، كونه رجلا من الصعب ارضاءه حتى لو بذلت له الوسع ، فلا اذكر انه اكال المديح لصحفي يعمل عنده امام الاخرين ، بل كان يكتفي بمكافئته ماليا ، وكنت احزن واشعر بالاحباط لانه لم يقل لي (عفية) عند انجازي واجبا مهما ، لكن علمت فيما بعد انه كان يتقصد بالابتعاد عن المديح لكي لا يكون سببا بشعور هذا الصحفي بالغرور والقضاء على مستقبله الصحفي ، وعلمت حينها ان تصرفه ينم عن خبرة وحكمة .

ورغم تعامله القاسي الصارم معي طوال عملي معه ، الا انني كنت اشعر انه يراعني رعاية خاصة ويعدني اعدادا لاصبح مشروعا لصحفي ناجح ، وهذا دينا لا انساه طوال حياتي ، اذ اني لم استفد من شخص بقدر استفادتي منه / مع احترامي لكل اساتذتي الاخرين / .

فلا يختلف اثنان على تاريخ محسن حسين الذي قضى اكثر من 55 عاما في الصحافة ، كانت اوضح انجازاته تأسيسه لوكالة الانباء العراقية / واع / التي كانت في وقتها من افضل الوكالات في المنطقة رغم انها الوكالة الرسمية للبلاد . فقد شاهدت بام عيني كيف كيف يتشرف رؤوساء الوكالات العربية والاسيوية ان يجلس محسن حسين في الاماكن التي يجلسون فيها خلال مؤتمر وكالات اسيا والباسفيك في اسطنبول ، وكيف يكنون له الاحترام والتقدير ويعدونه الموسوعة الصحفية الباقية .

لكن هل من المعقول ان يملك العراق رجلا كبيرا وعملاقا مثل محسن حسين تتمنى اي دولة في العالم ان تملك مثله ، ولا تلتفت اليه الدولة العراقية ولا تذكره حتى معنويا ، ولا تكلف نفسها بالسؤال عنه .

ان الدولة العراقية بكافة رئاساتها مطالبة اليوم برعاية طاقاتها ورموزها ، ومحسن حسين واحدا من هذه الرموز التي يفخر بها العراق ، فهذا الرجل الذي بدأ يفقد بصره الذي وهبه قربانا للصحافة العراقية ، ويسكن في بيت بسيط شمالي العراق ، ارتأى ان ينأى بنفسه وينكفأ على كتابة مذكراته وتاريخه ليكون عطاءا مكملا للعطاء الذي وهبه للصحافة العراقية . ولا اعرف لما اغمضت الدولة عنه عين رعايتها ، وهو صاحب السجل النظيف مهنيا واخلاقيا ، لكن يبدو ان امتنا امة لا تعرف قيمة رجالاتها الا حين تفقدهم .

لذا ادعو رئاسات الجمهورية والوزراء والنواب الى الالتفات الى هذا الرجل ، كونه اخر عمالقة الصحافة العراقية .