23 ديسمبر، 2024 3:43 م

محددات انتشار وانتاج الدراما التلفزيونية

محددات انتشار وانتاج الدراما التلفزيونية

لايزال المشاهد العربي حبيس الماضي وتحكم سلوكه واذواقه ضوابط التيارات الدينية المختلفة والمتناقضة  ومصاب بالازدواجية في السلوك والاحكام
تراه يفضل الاعمال الدرامية العربية التي تتحدث معظها عن ماضيه برغم مما اوجده الزمن من هوة شاسعة  بين ذلك الماضي والعصر االحديث . هذا التفضيل  حفز المسؤولين عن الدراما بالتمسك بهذا اللون من الاعمال الفنية  وقد يكون ذلك نتيجة قر اءتهم الصائبة مرحليا للواقع العربي كما  اوجد هذا التفضيل سوقا رائجة لهذه الاعمال.
 فمثلا نراه تستهويه اعمالا تتحدث عن الواقع العربي قبل التخمة النفطية(  oil glut  ) حيث كان سكان المنطقة يعشيون عيشة بسيطة واقل بكثير رفاها مما هم عليه الان : بيوتهم بسيطة وملابسهم بسيطة ومأكلهم بسيط مما يكرس عند هذا المشاهد الحنين الى الماضي
( nostalgia   )  وربما يحجب  عنه التطلع الى المستقبل  نتيجة رفاهه الحالي اللافت ويكرس عنده الكسل والرضا عن الذات (   self-complacency ).
بالاضافة الى التشبث المفرط بالماضي الذي اوجد الدراما العربية الحالية نرى ثقافة  المشاهد  رغم ايمانه واعترافه الشكلي بالتغير مقولبة ومشذبة حسب ضوابط التيارات الدينية ذات النفوذ الذي لايقاوم( irresistible influence )   في الوطن العربي . ضوابط لاتصلح لمجاراة الحاضر بل تصلح لعصر جليدي متحجرغير موجود اساسا في تاريخ الارض.ترى  المواطن العربي دون وعي و فورا يرفض حالات واحداث) states and events ) جديدة رغم واقعيتها و كونها من متطلبات العصر. ولو خير هذا المواطن  خارج نطاق هذا الضوابط او بغيابها لقبل  وتقبل هذه الاحداث والحالات حالا و دون ادنى تردد وفعلا نراه احيانا وخلسة يرفض هذه الضوابط عندما يكون في مأمن او في  اسرته . والاسرة كما  هو معلوم تجمع اكثر حميمة واقل نطاقا من المجتمع الكبير الذي يعيش فيه واقل عرضة للنقد  على الخروج  عن هذه الضوابط بل وقد يجد فيها من يبارك له و يؤيده على ذلك.
ففي القرن الحادي والعشرين هناك لاتزال حالات واحداث في  بعض الاماكن مرفوضة كنقل الدم
(  blood transfusion  ) واطفال الانابيب (  IVF )وادخال التلفاز الى البيوت اونقل و زراعة اعضاء الجسد(   organs’ transplant )  وهناك تيارات تحرم حتى كرة القدم والسباحة دون غطاء كامل للجسد والامثلة كثيرة ولكن احيانا نرى رواد وواضعي هذه الضوابط يتجاوزنها  لتبريرات متناقضة لاراءهم السابقة ومرفوضة من قبل العموم ولامور انانية صرفة.
 وبالاضافة الى التشبث بالماضي والالتزام بضوابط التيارات الدينية هناك عامل اخرى يتحكم في نوعية وانتشار الدراما العربية وهو هجين(heterogeneous)  من العاملين السابقين  وهو ازدواجية السلوك( schizophrenic  behavior  )  .ترى المشاهد العربي علنا يرفض حالة اوحدث علنا ويغلب سلبياتها على ايجابياتها وضررها على المجتمع(    pros and cons ) ولكن في الخفاء يمارس ويبارك هذه الحالات والاحداث ويبين  الجوانب الايجابية لفعلها والجوانب السلبية لغيابها. ونرى المشاهد هنا يغلب الجوانب الايجابية.
تراه يرفض علنا مشاهدة المسلسلات التركية مبررا ذلك بخلاعتها وتجاوزها على الاعراف  والمعتقدات الدينية كالزواج والعلاقات بين افراد الاسرة الواحدة ويتهمها بالترويج  للغنى الفاحش كالمتاجرة  بالبشر ( human trafficking )  والترويج للمخدرات وبيع الاناث واستغلال الاطفال وبيع  اعضاء الجسد وغيرها  ولكن عندما يخلد الى اسرته تراه هو الذي يحث افراد الاسرة على متابعة هذا النوع من المسلسلات مبررا ذلك بتغير العالم وعدم الاكتراث بدعوات التحجر والتخلف ويدعوا الى  النقيض من ذلك علنا  في خارج نطاق الاسرة.
يبدو ان مسؤولي هذه الاعمال ( منتجون ومخرجون وممثلون ومحطات تلفزة وغيرهم) بوع او بدون وع  ( knowingly or unknowingly) ادركوا او درسوا او كليهما هذه الاعتبارات وكيفوا منتجاتهم الاعلامية لربح او لغايات اخرى .
كل مما مكن قوله هنا هو ان ما يتحكم بانتاج وانتشار الدراما العربية وغيرها  هو مدى تشبث الشعوب  بتاريخها ايجابا او سلبا واعتقادها كذلك ايجابا او سلبا بضوابط التيارات الدينية   وتأثير كلا العاملين على وضعها النفسي .