يحيى أدريس ، يعد واحدا من محترفي فن الغناء العراقي ، وهو أحد قاماتها الشاهقة، ومن القلائل الذين حفظوا لنا أرث هذا الفن العراقي الأصيل (المقام العراقي) الذي يشكل أحد المعالم البارزة في تاريخ العراق ، وبقي مدرسة وأكاديمية بل وموسوعة فنية ثرة، ينهل منها المهتمون بشؤون بهذا الفن الرفيع ، وهو قامة كبيرة لايمكن أن تعامل هكذا بالجحود والنكران!!
وبالرغم من أن أغلب مبدعي العراق في مختلف فنوع المعرفة والابداع يعانون الاهمال والنسيان ، ولا تذكر الدولة العراقية رجالاتها ومن أسهموا في علو شأنها ، الا ان إستشراء تلك الظاهرة ، وتناسي من يعانون ظروفا صعبة وبخاصة المرضى منهم، وعدم الاهتمام بهم ورعايتهم بما يستحقون ، أمر يدعو للرثاء والأسف ، لأن أحوال العراق وصلت الى تلك الحالة المزرية ، التي يعامل بها الصحفيون والنخب الثقافية والفنية، وكأن أنين تلك الرموز تنحصر بين جدران بيوتهم، ولم يؤدوا خدمة للعراق ، ولم يفنوا زهرة شبابهم من أجل أن يضيئوا سماء العراق، حتى ان دوائرهم وبخاصة وزارة الثقافة، تناست مكانتهم، وما تفتقت به عبقرية تلك الرموز الأصيلة، التي أعطت عصارة إبداعها وما انتجته عقولهم المتوقدة، واذا بها في أواخر العمر، وكانها ، شجرة يابسة مرمية على قارعة الطريق!!
ويا أسفاه ، أيها العراق العظيم، أن تتحول أماني الكثير من المبدعين الى مايشعرهم بالأسى والحزن واللوعة، لأن من أشادوا كل تلك الصروح العالية من الابداع، لايجدون من يلتفت اليهم، لا من وزارة الثقافة ولا من نقابة الفنانين، برغم ضالة مالديها من دعم وامكانات، ولا من الرئاسات الثلاث النائمة هي الاخرى والتي إنشغلت بصراعاتها الرهيبة طوال عهود ديمقراطيتها الكسيحة من السنين، وهم لايلتفتون الى القمم العالية والشواهق الغزيرة الابداع، لكي يمسحوا عن عيونها ألم الحسرات التي تتحول الى نيران محرقة، وهي ترى نفسها بين اربعة جدران، ولم تقدم لها حتى باقة ورد عرفانا بالجميل!!
يحيى إدريس مدرسة مقام عراقية أصيلة، لم تنحدر الى قاع الفن المبتذل الرخيص، بل سيطرت مع قمم المقام، وقام بمهمة تدريس هذا الفن الرفيع في أكاديميات العراق وفي معاهده الفنية، وكانت له في الكثير من الفضائيات العراقية برامج فنية كثيرة أثرت ساحة هذا الفن التراثي الأصيل ، الذي مازالت الذاكرة العراقية تفتخر بفنونه الابداعية، وهو أحد أسس ومرتكزات الثقافة العراقية وأحد معالمها الشاخصة، وورائها عدد من الرواد الذين وضعوا لها الأصول والمنابع والأشكال التي تعددت في هذا الفن الشعبي العراقي العربي الأصيل، حيث تختزن ذاكرة الاجيال العراقية بالدور الوطني والانساني الذي لعبه فن المقام العراقي في تأجيج الشعور الوطني والاحساس بالإصالة العراقية في أبهى صورها!!
النداء موجه الى الرئاسات الثلاث، إن كانت تسمع إستغاثات من يستحقون ان يجدوا الاهتمام والرعاية عندما تواجههم مصاعب الحياة وصراعات المرض، وهم تختلجهم العبرات عندما يواجهون بكل هذا الاهمام ولا احد يسأل عن أحوالهم ، عندما تمر عليهم نوائب الدهر، ووزارة الثقافة أحد تلك الوزارات المتعبة ، التي لايعنيها شؤون مثقفيها ومبدعيها الا للمقربين منها، ولم نجد منها دعما لتلك النخب الا ربما على عدد أصابع اليد الواحدة، وبجهود مناشدة وتوسل من أطراف وشخصيات ثقافية كبيرة، لكن الاهمال وتغافل ذكر المبدعين في مجالات النبوغ الثقافي والمعرفي والانساني، هو آخر اهتمامات وزارة الثقافة للأسف الشديد!!
الصحفي المخضرم والكاتب الكبير زيد الحلي، كان هو من أثار هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي قبل يوم واحد من كتابة هذه السطور، وهو من أثار شجني للكتابة عن تلك المعاناة التي تصارع أقدار المثقفين العراقيين وهم في دوائر الاهمال والنسيان، وسأنشر هذا المقال في أكثر المواقع العراقية والعربية الاصيلة لكي تصل الى أسماع الكثيرين، وعسى ان لايعامل مقالي هذا على شاكلة قول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حيا..!!
أخيرا..نناشد الرئاسات الثلاث للمرة الأخيرة، علهم يسمعون تلك الاستغاثة ، أما وزارة الثقافة فهي تغط في سبات ونوم عميق ، وهي كما يبدو ، مهتمة بشؤون الكهوف والمقابر، أكثر من إهتمامها بشؤون البشر!!