18 ديسمبر، 2024 9:18 م

محاولة في تعريف المثقف

محاولة في تعريف المثقف

المثقف له عدة تعاريف، ولا يمكن أن نعرّف المثقف في تعريف واحد ومحدد، ففي كل عصر يتبدل التعريف، مع مراعاة العنوان العام للمثقف، حيث يبقى العنوان العام كما هو، بمعنى ثمة أولويات يتبعها المثقف وتنطبق عليه لا يمكن أن نتجاوزها أبداً، حينما نريد أن نميز المثقف عن غيره، من المتعلمين والاكاديميين واصحاب الشهادات، فالذين يحملون هذه الصفات ليس بالضرورة أن نطلق عليهم مثقفين، بل نقول متعلمين، وليس بالضرورة أن يحمل المثقف هذه الصفات، بل يجوز له أن يكون اكاديمي وحامل شهادة علمية بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه.
المثقف يعمل بالحقل الثقافي، كالفلاح الذي يحرث الارض ثم يزرعها، وبعد ذلك يجني المحصول، فالمثقف ينتج الثقافة بكل ابعادها ومستوياتها وانواعها، وهو الطيب الحاذق الذي يصف الدواء الناجع لكل الحالات المستعصية وغير المستعصية ويعطيها كعلاج يقتلع الالم من جذوره، ويرتقي بالمعني الى قمة الشفاء. (والمقصود بالمعني: هو الجاهل، المتخلف، اللاأبالي، غير الواعي، قليل المعرفة، الخامل، او المتعطش للمعرفة الحقة.. الخ).
ونستطيع أنْ نصف المثقف بأنه: الذي يمتلك الادراك الحسي الواقعي الراهن، ويستطيع أن يدلي بدلوه، في التعبير عن الحالات الثقافية والمعرفية والفلسفية، بل وحتى السياسية منها، يعبر تعبير يصب في اطار تلك المسميات، ويعالجها معالجة موضوعية تنشد الحقيقة، ولا تبتعد عن الصواب قدر الامكان، ولا نقول أنه لا يخطأ، لأن الانسان ومهما يمتلك من عقل فذ وفكر وهاج، وذهن متقد لابد وأن يتعرض للخطأ والسهو والالتباس والتشويه، لأنه ليس بمعصوم.
فالتعريفات التي عرف المعنيون بها قديماً هي ليست اليوم، فالتعريفات القديمة للمثقف مختلفة جداً، وذلك بحسب التطور الحضاري والفكر والبيئي والفلسفي والعلمي للبلدان والشعوب والامم. فاليوم دخل قد على الخط الثقافي حتى بمن نطلق عليه حرفيون او مهنيون او مبدعون أمثال: الموسيقيون، الفنانون، النحاتون، الرسامون، التشكيليون… الخ.
وكون هؤلاء قد دخلوا في الحقل الثقافي، لأن مهنتهم أو ابداعهم هو من صميم الثقافة، وأولويات الثقافة، لأن الثقافة هي ابداع فكري وروحي ونفسي وجسدي وفلسفي وفني. ومن هنا قلنا كيف أن التعريفات القديمة للمثقف هي ليست كتعريفات اليوم.
وهناك عدة مسميات أو انواع للمثقف، فهناك المثقف السلطوي، والمثقف الايديولوجي، والمثقف الفوضوي، والمثقف اللامنتمي بتعبير كولن ولسن، والمثقف الحر وغير ذلك؛ ولعل من اسوء المثقفين هو المثقف السلطوي، فهو عدو للمثقفين بلباس صديق، اذ هو يكتب للسلطان ويجند قلمه له، ويحاول أن يرفع من شأن الحاكم بما هو ليس فيه، تجافياً عن الحقيقة بهدف القرب له، لكسب منفعة وحصول مكسب، فهو يتحذلق وينافق ويكذب ويختلق افعال وامور ليس لها صلة بالواقع المعاش الراهن. وهذا المثقف مرتبط مصيره بمصير الحاكم، فعندما يموت الحاكم أو يعتزل السلطة ينتهي معه ذلك المثقف، وتنطوي صفحته، الا اذا طلب القرب من الحاكم الجديد بطريقة النفاق المعتاد عليه والذي تربى عليه، فهنا قد ينتعش من جديد ويتنفس الصعداء.
ويبق سد الحضور هو المثقف الحر، الذي لم يعش على موائد السلاطين، ولم يجند قلمه للطغاة، وهو المثقف الحقيقي الذي يظل خالداً ببقاء الدهر.