يؤثر عن الفيلسوف اليونانيّ سقراط قوله إنّ التربية الخُلُقيّة أهم للإنسان من خبزه وثوبه.
والأخلاق هي مجموعة من القيم النفسيّة المرتبطة بالسلوك تنظّم العلاقات الإنسانيّة وتحفّزهم نحو السموّ والرفعة والرقيّ الحضاريّ وتحرسهم من السقوط والانحدار البهيميّ!
وبيّنت التجارب البشريّة أنّه لا يمكن أن تكون هنالك بيئة إنسانيّة متحضّرة بعيدة عن الينابيع الخُلُقيّة الصافية في عموم معاملات الناس، بل وحتّى في التعامل مع جميع ما في الكون من حيوانات وجمادات!
وتمتاز الأخلاق بمكانة رفيعة في مجتمعاتنا العربيّة، والتي تفتخر بالتمسّك بها في مجالسها وأشعارها وكتاباتها!
والمجتمع العراقيّ من المجتمعات البعيدة عن الأخلاق الهابطة والرافضة تماما لكلّ خلق وسلوك لا يليق بالإنسان، ولا يتّفق مع التعاليم الدينيّة والأعراف!
ومع ذلك وجدنا أنفسنا منذ سنوات أمام بعض التصرّفات والسلوكيات الشاذّة التي نخجل أن نطرحها بتفاصيلها لكنّنا سنحاول ذكر بعض النماذج المجتمعيّة غير المقبولة والتي سلّط عليها الإعلام الضوء خلال الأيّام القليلة الماضية، وذلك ليس من باب التشهير والشماتة بل لتسليط الضوء عليها وللعمل على تلافيها ومعالجتها، ولأنّه لا يمكن السكوت عنها لأنّها، إن لم تُعالج، ستدمّر الإنسان والوطن!
الحادثة الأولى، يوم السبت الماضي، تمثّلت بمحاولة تسميم وقتل عائلة الفائز في الانتخابات البرلمانيّة عن محافظة بابل، ياسر الحسيني، وتسبّبت بوفاة طفله، وإدخال بقيّة أفراد العائلة للعناية المركّزة!
وهذه جريمة اغتيال جماعيّة بأسلوب بشع لم نعهده من قبل!
فهل الخلافات السياسيّة وصلت لمرحلة قتل الأطفال والنساء دون ذنب؟
وعلى المستوى الشعبيّ لاحظنا تنامي ظاهرة الابتزاز الإلكترونيّ وهي من المواضيع الحسّاسة في المجتمعات الشرقيّة، والتي تتعلّق بنشر صور الضحايا في مواقع التواصل الاجتماعيّ أو تنفيذ رغباتهم البهيميّة، وأغرب هذه الجرائم بحسب الشرطة المجتمعيّة كانت في بغداد حيث أعلنت يوم الأحد الماضي، أنّ زوجا يهدّد زوجته، ولمشاكل عائليّة، بنشر أسرارهما الزوجيّة الخاصّة!
وظهرت امرأة أخرى يوم الأربعاء الماضي على قناة آي نيوز أكّدت بأنّ زوجها يهدّدها بنشر فيديوهات خاصّة بزواجهما!
فهل يعقل أنّ زوجا يهدّد زوجته بنشر صورها الخاصّة جداً؟
والأغرب من ذلك ما ذكرته الباحثة الاجتماعيّة إسراء الخفاجي على قناة زاكروس قبل أسبوع تقريبا، وملخّص الحكاية أنّ شابّة تزوجت رجلا من عائلة أخرى، ويوم الزواج صارحها بأنّها زوجة له ولأخوته، وتمّ تخدّيرها بعصير، وفي الصباح وجدت نفسها على فراش زوجها برفقة شقيقه، وقد منعت من زيارة أهلها، وهنالك الآن دعوى تفريق في محكمة الكرخ ببغداد منذ نيسان/ أبريل 2021.
وآخر هذه الحوادث وقع في البصرة، يوم الاثنين الماضي، حيث قام شخصان بالتعاون مع ابن عمّهما بقتل والدهما من أجل الميراث!
وغيرها المئات من الحوادث المذهلة، ومنها ذلك الابن العاقّ الذي قتل والده حرقا بمادّة البنزين، والمرأة التي رمت طفليها في نهر دجلة، والترويج للمخدّرات وتعاطيها نهارا جهارا، والأدوية والأغذية الفاسدة والغدر بالجار لدرجة القتل والاتّهام بالإرهاب، والفصول العشائريّة على أسباب غير منطقيّة وغير إنسانيّة، والتجسّس في مجاميع التواصل الخاصّة والعامّة وغيرها من الحكايات المؤلمة، والأفعال المشينة والمهلكة لكيان الإنسان والوطن!
والأمر لم يتوقّف عند حدود ممارسات بعض المواطنين بل وصل لبعض الذين يدّعون أنّهم يحاولون الإصلاح ويحاربون الفساد.
وقد أعلنت هيئة النزاهة، قبل عشرة أيام تقريبا، بأنّها قبضت على رئيس مؤسّسة الإصلاح والتغيير صباح الكناني، بتهمة الابتزاز والرشوة لأحد المدراء العامّين في وزارة الصناعة بمبلغ (30) ألف دولار وبالجرم المشهود!
وهذا الرجل صدّع رؤوس العراقيّين بدعوى محاربته للفساد والفاسدين!
هذه الحوادث الفتّاكة تؤكّد تنامي تيّارات مدسوسة تعمل على محو الجوانب الأخلاقيّة والعرفيّة والإنسانيّة النقيّة من حياة العراقيّين في مؤامرة لا تقل خطورة عن الإرهاب لأنّ كلاهما يستهدفان الإنسان في حياته وكيانه وحاضره ومستقبله!
وهذا الواقع الملغّم يجعل الجميع أمام مسؤوليّة تاريخيّة في ضرورة تطبيق القوانين الرادعة، ووجوب نشر الوعي بأهمّيّة الأخلاق في بناء الإنسان والأوطان، وخطورة الأخلاق الساقطة على الحاضر والمستقبل.
معالجة هذه الأهوال المُزلزِلة التي ترجّ كيان الإنسان والمجتمع وتضرب قواعد الحياة الإنسانية يتطلّب تكاتف الوزارات والنقابات والمنظّمات ذات العلاقة والأوقاف بجميع فروعها، والإعلام والعشائر والشخصيّات المؤثّرة وغيرهم لتدارك الأمر، وإلا فإنّ تداعياتها المُهلكة ستحرق غالبيّة البيوت وساعتها لا ينفع اللوم والكلام!
dr_jasemj67@