22 نوفمبر، 2024 10:31 م
Search
Close this search box.

محاولات إيقاف الزمن هل لها من نصيب ؟!

محاولات إيقاف الزمن هل لها من نصيب ؟!

ايقاف دوران الزمن التقليدي عند نقطة او حدث شيء مستحيل ، ولو تمكن الانسان من الزمن ، لكنا اليوم في حالة حياتية مختلفة تماماً عن تلك التي نعيشها.
فالزمن يمضي رغماً عن مشاعرنا وامالنا ، إلا أن البعض حاول وما زال ايقاف عملية دورانه بالجوهر فهو عاجز عن التحكم بحركته الآلية.
وتاريخ الانسان وتطوره ، ومنذ بروز المجتمعات بأشكالها البدائية وتطورها يؤشر محاولات ايقاف دوران الزمن من خلال رفض التطور والاصرار على بقاء حالة الانسان كما ورثها عن اسلافه. وخلق هذا الموقف تناقضاً وصراعاً حاداً بين الجديد والقديم ، قدم في اتونه المجددون على مر التاريخ تضحيات كبرى بسبب موقفهم المبدئي وحرصهم على ان يكتسب الزمن مضموناً جدياً ومتقدماً ويترك أثراً ايجابياً على حياة الانسان وسعادته هكذا كان حال الانبياء فاستقراء بسيط لمعاناتهم وهم يحاولون انقاذ البشرية من حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي يؤشر الغريزة الانسانية الشريرة التي تحاول منع التطور والتمسك بالحاضر الذي يشكل امتداداً للماضي ويكشف وجود تيارات باستمرار تدعو الى احياء الماضي واستنساخه المجرد كبديل عن الحاضر واحتمالات تطوره.

وحتى لا نذهب بعيداً ، كلنا يتذكر كيف تصرف اسياد الجاهلية ازاء دعوة الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي بشر بالتغيير وحدد طريق نهوض الامة وعموم البشرية وكيف قاوموه ؟! وحاصروا دعوته وعذبوا صحابته الى الحد الذي حاولوا قتله… وذات المعاناة عاشها المسيح وقبله موسى وابراهيم ونوح وكل الانبياء عليهم السلام. وغيرهم من الذين تحملوا في لحظة تاريخية مهمة التغيير… ونفس المصير والمشكلات جابهت العلماء والفلاسفة الذين تعرضوا في حياتهم لأسوأ ممارسات التعسف والاضطهاد ودفع بعضهم حياته ثمناً لمبدئيتهم واصرارهم على مواصلة مسيرة التجديد والمعرفة والتطور.

ومع ذلك فان الاسلام وقبله المسيحية انتشرتا في الارض وساهمتا في خلاص البشرية من براثن التخلف في مراحل مهمة من حياتهما… وباءت بالفشل المحاولات التي كانت تستهدفهما ولم تقتصر ظاهرة المشي خلاف التيار على الافراد بل تعدتها الى جماعات كما ان ظاهرة مجابهة دوران الزمن الجاد لم تقتصر على موقف الفرد والسبب الرئيسي الذي يكمن وراء انتشار هذه الظاهرة في مراحل التاريخ المتعاقبة ينحسر في عدد من العوامل الموضوعية والذاتية في مقدمتها:-

* اقتصادية تتعلق بالإنتاج السائد في المجتمع ومصالح الافراد والجماعات التي تتناقض والافكار الجديدة.

* اجتماعية تتصل بطبيعة العلاقات السائدة بين مختلف الطبقات والفئات والتقاليد السائدة في المجتمع في مرحلة معينة.

* فكرية تمثل طبيعة الثقافات السائدة في المجتمع ودرجة تطور وعيه… وتعارضها مع الاتجاهات الجديدة.

واضافة الى هذه العوامل الموضوعية فان بعض النماذج التاريخية تدلنا الى عوامل ذاتية تتعلق بالفرد ومكوناته الاساسية التي تلعب دوراً مهماً اضافة الى توافر العوامل الاخرى… ومحاولات ايقاف الزمن بالمعنى الذي اشرنا اليه مستمرة حتى عصرنا هذا وفي حالات فان محاولات الشد الى الماضي قد تعيش ردحاً من الزمن بسبب ظروف التخلف الشديد ، وعدم نضوج امكانات القوى الناهضة على مجابهة مد التخلف وفرض المفاهيم العقلانية الجديدة… لقد عانت شعوب أوربا مثلاً في بدايات النهضة من هذه الحالة حين قاومت الكنيسة التغيير الذي بدأت ملامحه على صعيد الفكر والاقتصاد وشنت وقتها حرباً لاهوادة فيها على رواد النهضة والتجديد في داخل الكنيسة وخارجها ، متحالفة مع الإقطاع الذي رفض هو ايضاً تقويض سلطانه على الأرض والفلاحين من قبل القوى الجديدة والحية في المجتمع إلا أن هذا الصراع رغم انه استغرق فترة من الزمن انتهى لصالح عملية التغيير وفشلت محاولة إيقاف الزمن ومقاومة تيار التجديد وأخذت النهضة طريقها في الميادين كافة.

وفي معظم بلدان العالم الثالث فان هذه الحالة تبرز بذات الحدة التي عاشتها أوربا في بدايات واثناء النهضة وقد يتجاوز ذلك بسببين :-

الاول: ان مجابهة التطور في المنطقة يستند على تراث وتقاليد فكرية واجتماعية ترى في الموقف المشدود الى الماضي اساساً لحل المشكلات!!

الثاني: ان بعض التيارات التي تقاوم النهضة التقدمية ترتبط بأصول فكرية شوفينية النزعة ترى في تاريخ الامبراطوريات والتحكم في الشعوب حلما جميلاً يساهم في حل معضلات الانسان دون ان ترى ضخامة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية الكبرى عبر ستة عشر قرناً… ورغم يقيننا بان هذه الدعوات والمحاولات لن تجدي نفعاً بالنتيجة وان مسيرة التقدم بمضامينها الانسانية المنسجمة مع معطيات العصر الراهن عصر الانعتاق القومي وبناء الديمقراطية حليفها النجاح.

وفي صراع كهذا ستكون الغلبة في النهاية للمبادئ وحتماً سوف يتقهقر الارهاب وينتصر الحق على الباطل ، والتاريخ يؤكد لنا قديماً وحديثاً ان الزمن الجاد يدور ولن يوفقه انسان او اية مجموعة من البشر بغض النظر عما تمتلكه من إمكانات في لحظة معينة فقد كانت تحت يد هتلر امكانات هائلة اكثر بكثير من تلك التي يمتلكها اليوم اعداء الشعوب الأمنة في العراق وغيره من البلدان إلا انها لم تنفعه بشيء لأنه وقف بوجه الزمن وعاكس قوانين التطور والتحرر.

أحدث المقالات