23 ديسمبر، 2024 7:14 ص

محامي برلماني يتنكر لمهنته وزملائه ( فائق الشيخ نموذجا لذلك)

محامي برلماني يتنكر لمهنته وزملائه ( فائق الشيخ نموذجا لذلك)

شاهدنا النائب والمحامي فائق الشيخ في برنامج ستوديو التاسعة والذي تبثه قناة البغدادية ليوم 26/3/2015 في لقاء مبهم في مضمونه فاقد المصداقية في محتواه، وبعنوان جديد (سياسي بامتياز) بانه رئيس( لجنة فائق للكشف عن الحقائق) ولا اعرف من شكل هذه اللجنة ؟ هل هو مجلس النواب ؟ وهذا قطعا لم يحدث؛ لان تشكيل الجان لها الياتها واطرها البرلمانية، والبرلمان لا يسمي لجانه بأسماء نوابه؛ ام هي شكلت من أهالي ضحايا سبايكر؟  ويقينا ليس لهم شان بذلك، لجهة انهم مضى عليهم اشهر وهم يتظاهرون ولم يفعلوها، ولا ندري لماذا سميت بهذا الاسم؟ وهل ان تسميت هذه اللجنة جاء برغبة من قناة البغدادية التي تسوق للموضوع بطريقة قد تجعل من القناة بعيدة عن الأطر المهنية التي عرفناها عنها، وبخاصة المقدم أنور الحمداني حيث عهدناه مهني، ونتمنى ان يبقى على مهنيته، لكننا نعتقد ان الموضوع بهذا الطرح يشوبه الغموض والتخبط والمحاباة، ولا نريد ان نخوض به؛ لان عنوان مقالتنا يتركز على تصريحات السيد النائب والمحامي فائق الشيخ عندما صرح بان محكمة التحقيق (طردت المحامين .. لان القضية التحقيق فيها سري… ولا يحق لهم التوكل في دعوى الجرائم المرتكبة فيها خطرة .. والمتهمين فيها مجرمين لأنهم اعترفوا…) وغيرها من تجاوزات، ولنا على هذه التصريحات، عدة استدراكات، ندونها كما يلي:
الاستدراكة الأولى: قوله بان المحكمة طردت المحامين:
وهذا الكلام جارح بحق زملائه الذي يحمل نفس هويتهم، فهو يتحدث عن مهنته وزملائه وكأنهم قطاع طرق او متسولين وجاؤا للمحكمة، وهو وحده يحق له الاطلاع على مجريات التحقيق كونه محامي سوبر ومن الذين يسبحون بحمده كونه برلماني، ونسي ان المحامي جزء من المحكمة وركن من اركان العدالة، والمحاماةُ خطابٌ راقٍ، والمحامي المهني عليه التزامُ جانبِ الاعتدالْ في مخاطبةِ زملائه، وكنت أتمنى ان يكون اكثر استخداما للعبارات الشفافة واللائقة بحق زملائه وهو يحمل شرف المهنة وقانون المحاماة المرقم173 لعام 1965 النافذ رسم اطر صارمة لعلاقةَ المحامي مع المحامي الزميلْ على أساسِ أدبِ المخاطبة كتابةً أو شفاهةً، وحظّرَ الذمَّ والتجريحْ. فالمحامون أمامَ القوس، متنافسون لا متخاصمون، منحازون كلٌّ لموكلِه، ثائرون دفاعاً عن وكالتِهم، لكنّهم في النهاية مسافرون في مركبٍ واحدْ هو مركبُ القانون، ومتجهون الى مرفأٍ واحد هو مرفأُ العدالةِ والحق والاخوة، لكني وجدت ان خطاب النائب العزيز الذي كنا ننشد فيه ان يكون أكثر انصافا مع زملاء مهنته وكما عهدناه؛ لا ان يبغي تحقيق كسب اعلامي غاياته سياسية، وهو يتهكم (بطريقة تضعف من مهنة المحاماة رسالة العدل وملاذ المظلوم)، على زملائه المحامين.
الاستدراكة الثانية: تناول موضوع التحقيقات في جريمة سبايكر علنا في القنوات الفضائية:
لقد فرض المشرع العراقي على كل من باشر التحقيق أو اتصل به علم بحكم وظيفته أو مهنته المحافظة على سرية التحقيق وعدم إفشائها أو نشرها بإحدى طرق العلانية وتسريبها الى الجمهور، فالمادة (236) من قانون العقوبات عدت ذلك جريمة عقوبتها الحبس، وهذا الإلزام القانوني يسري على كل شخص يصل إليه سر من أسرار التحقيق بحكم وظيفته كالقاضي والمحقق وأعضاء الادعاء العام وكتاب قلم المحكمة ومأموري المراكز ,والخبير والطبيب والمحامي والقابلة ويسري كذلك على الشهود وعلى كل من تكون له علاقة بالقضية عندما يتم تحذيرهم من قبل المحقق بلزوم المحافظة على سرية المعلومات التي وصلت إليهم بخصوص الجريمة، غير انه لا يسرى على المعلومات التي يتم تبادلها بين المتهم ومحاميه بخصوص علاقته بموكله وفي الحدود التي يقتضيها حق الدفاع، والنائب فائق الشيخ تناول اكثر من مرة، علنا قضايا إجرامية ارهابية بشكل مثير وعلى القنوات الفضائية، مما له تأثير بالغ على الرأي العام قد يؤثر على عقيدة القاضي والمحقق، ومبادئه وحتى على شهود القضية وعلى السير الطبيعي للتحقيقات القضائية منذ البداية، الأمر الذي قد يشكل مسا خطيرا بمبدأ المحاكمة العادلة وبقرينة البراءة على الخصوص، والعلنية تضر بسمعة المشتبه فيه والمتهم في محيطهما الخاص والوسط العائلي والمهني.
الاستدراكة الثالثة: قوله، ان التحقيق سري ولا يجوز للمحامين ان يتوكلوا فيها:
ولا اعرف ان السيد فائق الشيخ هل هو محامي فعلا ام انه عندما أصبح نائب نسي اهم مبادئ المحاماة التي يعرفها المحامي المتمرن أي حديث التخرج، ومبدأ سرية التحقيق الذي ضمنته المادة (57) من قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 النافذ، يعد مطلقا بالنسبة للجمهور، حيث إن إجراءات التحقيق لا يحظرها الجمهور ولا يجوز نشر أخبارها، ومن جانب آخر اخذ المشرع بمبدأ علانية التحقيق للخصوم (وكيل المتهم) حيث كفل المشرع ضمانا لحقوق الدفاع حق الخصوم في حضور التحقيق والاطلاع عليه واخذ صور من أوراق التحقيق وإبداء الدفوع والطلبات التي يرون تقديمها لمحكمة التحقيق حتى يستطيعوا نفي الاتهام المسند إليهم واثبات براءتهم، ويجوز للقاضي أو المحقق أن يمنع أيا منهم من الحضور أذا اقتضى الأمر ذلك لأسباب يرونها وحسب جسامة الجريمة، مع التأكيد ان السرية استثناء عن الأصل لان الأصل العلانية، ومبدأ العلانية يتفق مع النظرة الديمقراطية.
أما مسالة اتصال المحامي بالمتهم، فانه يجب أن يستمر حتى لو كان التحقيق سرياً لان القانون عندما أجاز السرية في التحقيق فقد أجازها في إجراءات التحقيق كسماع الشهادات وغيرها، لكن لا يجوز استجواب المتهم وتدوين افادته الا بوجود محامي لان الدستور أكد ان (حق الدفاع مقدس) والمشرع العراقي في المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية المعدلة، قد اوجبت حضور المحامي الاستجواب ولم تجعله جوازيا كالسابق، حيث جعلت من المتهم ومحاميه شخص واحد لا يجوز استجواب المتهم والتحقيق معه الا بوجود محامي والتحقيق الذي يتم بدون المحامي يجعل من افادة المتهم باطلة، وحسب قرارات تمييزية عديدة..
الاستدراكة الرابعة: انه أطلق على المتهمين وهم في طور التحقيق مجرمين:
 ان اطلاق كلمة مجرم او إرهابي على متهم في دور التحقيق، تعد مخالفات جوهرية وانتهاكات للدستور العراقي والقوانين ذات الصلة ولا بد من تطبيق النص حتى ينتج أثره والمادة 19/5 (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة ..)  ومحكمة التحقيق ليست محكمة موضوع حتى تدين المتهمين.
 وقد أكدت هذا المبدأ الشهير (محكمة النقض المصرية) في بعض أحكامها، مقررة:
(انه لا يضير العدالة ولا يؤذيها تبرئة مائة مذنب بقدر ما يؤذيها ويضيرها إدانة بريء) ويؤكده الحديث النبوي الشريف (فخير للأمام أن يخطئ في العفو من أن يخطئ في العقوبة)
الاستدراكة الخامسة: اعتبر المحامين من الأشخاص الذين لا يجوز لهم الاطلاع على الأوراق التحقيقية:
 وهذا الباطل بعينه عندما يجهل محامي اهم حقوقه التي أوردها قانون المحاماة النافذ، بالمواد (26،27)، والتي اكدت، على أن يلقي المحامي المعاملة اللائقة، وأن لا تهمل طلباته بدون مسوغ قانوني، وان يسمح له بقراءة أوراق الدعوى حتى قبل التوكل فيها.
 ونؤكد للنائب فائق الشيخ العزيزعلينا، ان يدرك ان لتداول الموضوع إعلاميا، نتيجة سيئة، وخاصة حينما تكون الجريمة من الجرائم الجنائية الإرهابية العامة؛ التي يكون لها صدى لدى الرأي العام، وقد تؤدي الى انقسام في المجتمع، وهذا يكون نتيجة نشر أخبار التحقيق وأقوال الشهود، مما يشكل بروز تيار مناهض المتهم ويريد الفتك به، وهنا قد يصدر القضاء حكمه بالإدانة، بناءا على تلك الضغوط.
وننوه، لا ربطَ ولا ارتباطَ بين المحاماةِ والسياسة، فالمحاماةُ لم تكنْ يوماً ولن تكونَ تحتَ وصايةِ السياسة وأهلِها، بل ان بَيتَ المحامي هو صرحٌ للقضايا الوطنية، تتكسرُ عند أبوابِه الحساباتُ السياسية.
نحن المحامين نعيشُ في بيت واحد، ونقرأ في كتاب واحد، نتجاورُ ونتحاورُ كلَّ لحظة، وبالتالي تحكُمنا آدابُ التخاطب والتواصلِ والتعاملِ والتفاعلْ.
ويدخل في نطاق أمانة المحامي تجاه مهنته وفنه، حسن معاملته مع زملائه المحامين والابتعاد عن الحديث على زملائه بتهكم او ازدراء او كبر أو غرور أو حقد، مهما تعارضت المصالح أو اَختلفت الآراء، ويجب أن يراعي المحام؛ مبدأ “أن الخلاف في الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية”.
اننا ندعو نقابة المحامين، ان تحفظ قدسية هذه المهنة الشريفة وان تراقب الطارئين على هذه المهنة حتى لو كانوا من السياسيين، وكفانا (ارتزاقا) للمهنة، وكفانا تلاعبا بمواد القانون بما يحقق المصالح الشخصية والسياسية والحزبية وابتزاز الأخرين وخفافيش الليل يتنقلون بحرية لهذا الهدف او ذاك.

لذا كانت المحاماة جليلة القدر لجلال رسالتها وعظيم شرفها، كان على من يزاولها أن يكون جديرًا بحمل لقب (المحامي) نبيلا بتصرفه، سليمًا في سلوكه، حسنًا في مظهره، والتصرف الحسن في العمل والملبس والمأكل والمعاشرة والمنطق يضفي على المحامي مظهر الوقار والاحترام.
ولنقف طويلا امام قول رسولنا الكريم (إنما أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فيم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).
وعذرا للنائب العزيز فائق الشيخ ان كنا قد وضحنا أمور قد تجعل خاطره ساخن علينا، لكنها ضرورة اقتضت التوضيح، وحتى نكون معا للحق نصيرا.