لقد غيرت عنوان مقال اليوم من “العلاقة مع الاشياء” الى” محاضرة بهنام ميخائيل” والسبب اني جئت بالرجل مثالا ونموذجا في سياق موضوع المقال فاقتحم الموضوع من اوله الى آخره . والسبب :كان استاذنا في قسم المسرح بكلية الفنون بداية الثمانينات بهنام ميخائيل كائنا عجيبا ، لا اشك ان اي طالب جاد في معهد الفنون او الاكاديمية حضر درس بهنام او عمل معه لم يظل لصيقا بعقله وروحه حتى الان . رجل لاتستطيع ان تمسك له خيطا او تفهمه او تتعود على طباعه.لانعرف بالضبط ماهي المحاضرة التي سيعطينا اياها،وحين نخرج من القاعة ترانا كالهابطين بمركبة فضائية او الصاحين من احلام الحمى .اذا تحدث في الاديان وجدته راهبا ذائبا في الخالق محترفا يستعرض القيم والتعاليم والضوابط والمواقف من الحكايات الشعبية الى اللاهوت ، واذا تحدث في الالحاد تجده يقظا محاججا لايترك حلقة مغلقة لاتفسيرلها الا وتوقف عندها. مشيرا الى نماذج تدعم رؤاه وهواه من حياة الفلاسفة وعيون المسرح العالمي والقصص الواقعية، يقول : الفن في جوهره لحل اللغز بين الله ومخلوقاته . اذا تحدث عن شرطي المرور يجعلك تنسى صورته وحزامُه تحت كرشه يتلصص ليغادر موقع عمله، يدخن بيد وباليد الاخرى سندويتشه ، لتتخيله ملاكا يحرس الناس وينظم الطرق والحياة . اذا تحدث عن الجيش تراه رماحا ضوئية في الليل . منشغل بالجميع كانهم عائلته ، على الفقراء ان يفكروا كثيرا ، وعلى القساة ان يحلموا قليلا . يمثل ويتلون ويصفن ويغضب ويتامل ، يتركنا ويفرحنا ويزعجنا ويستفزنا . سألنا مرة : ماذا تفعل اوتفعلين اذا مرض حبيب لك .. كل اجاباتنا كانت خاطئة ، اجابته هو .. امرض معه لتشفيا معا. عش مع الكتّاب والفلاسفة والمصلحين ، اجعلهم اصدقاءك اليوميين ، استضفهم ، استشرهم . لاترمي كتبهم بعد قراءتها ، الله يرفض ذلك ، الله يحب عباده جميعا حتى اللذين يشاكسونه ، الله الوحيد الذي يعرف جدوى الوجود ، علينا ان نساعده بتنشيط العقل والفن . تأمل خلقتك دائما، راقب اعضاء جسدك جميعها ،احترمها اجعلها كلها عيون وكلها اذان وكلها رئات وكلها اكباد ، تحدث معها ، الممثل قريب في روحه الى الله ، امش برفق على الأرض وقبّل خشبة المسرح قبل ان تعتليها وادعو البشر جميعهم لان يقرأوا ( حياتي في الفن ) و(فن الممثل) لستانسلافسكي كي يضع الناس انفسهم محل بعضهم في عوالم افتراضية من تعقّب الفعل الى تبني الشخصية الى الذاكرة الانفعالية ليكونوا امة واحدة على هذا الكوكب . قلت له استاذي لماذا لاتكتب انطباعاتك كي يستفيد منها الاخرون ، قال : الناس لديها اكثر مني بكثير ، كل الناس تفكر، لايوجد احد غني عن التفكير ، فقط بحاجة الى الحب ، الحب هو الوحيد الذي يجعلك فيلسوفا وفنانا وفارسا ومفيدا ، كم ما فيك من حب للاشياء مقياس ايمانك بالله .
خلاصة الامر لايمكنني لوحدي وصف بهنام ميخائيل الخالد الرائد المعلم المتواضع الذي ارهقتني وترهقني محبته وذكراه . مايهمنا في هذا الحقل اليوم هو العلاقة مع الاشياء التي كان ميخائيل يلح عليها . يقول الشارع يراقبك وانت تسير فيه ، والباب يستقبلك ويعرف اسمك ،والكرسي الذي تحركه بخشونه عليك ان تعتذر منه . ملابسك تعرفك جيدا ، وهي تعرف ماذا يناسبك اليوم فاستشرها، الاخرون ميدان خلودك وهم معركتك وهم رفاقك في الوقت نفسه . لاتنظر الى مايعتقدون وبماذا يدينون وماذا يلبسون انهم انت بطباعة مختلفة . كلنا في مدار هذا اللغز شركاء في القلق والخوف من النهايات وكلنا مكلفون بان نجعل هذه الحياة اجمل وان نعيد انفسنا الى الحياة على شكل اطفال ،احرص على ان تكون شريفا أمينا منضبطا في الحياة شجاعاً ومسالمًا ، فارسًا وطبيباً.الله سيحاسبنا على رمي النفايات في الشارع وعدم تشجير المدن . الله سيحاسبنا على كل انسان امّي وكل حيوان مشرد وكل طفل يعمل ، وكل مهندس لايعمل. لاتكن كسول اليد والقلب والعقل . البشرية كلها تتنافس على روح واحدة فكن سباقا في الخير ولاتتردد في مدح الجمال . لاتكن شرها ولاتنس ان العملة هي تطور للمقايضة ….. .ولايعرف طلابه بالضبط، هل ان الرجل طبيعي ؟ هل كان مثاليا ام كان واقعيا.حين وصلني نبأ وفاته،دخت وبدات أتخيله في الاخره كيف سيتصرف؟ أصبح بهنام هاجساً وانا أشعر بحاجته وافترض مع نفسي لو انه عاش ايامنا هذه كيف ستكون محاضرته عن علاقة الانسان مع الاشياء وعَقْدِ الانسان مع الانسان و الدولة والشارع والبيت والوظيفة والفن والمسرح والغناء والسياسة والايمان والالحاد والاطفال والمال والاسرة والحرب والمستقبل.؟