23 ديسمبر، 2024 3:13 م

 محاصرة عقول الاستنارة

 محاصرة عقول الاستنارة

الهجوم على رموز التنوير العراقية مستمر بهدف محاصرة العقل العراقي وارهابه ومنعه من التفكير والاجتهاد. وشكل الحملة الهجوم، ديني، لكن مضمونها سياسي. فالجماعات الدينية الارهابية التي طفحت على جلد المجتمع العراقي بعد 9/نيسان، تريد الاطاحة بالجميع حتى تنفرد هي بالساحة. وهذه النظرة الانانية المدمرة ضد حيوية المجتمع متأتية من كون شكل المجتمع الحديث يقوم على التعدد والمنابر المختلفة ويسمح بالاجتهاد ويتعامل مع كافة التيارات الفكرية والسياسية من منطق التسامح. وهذا الشكل الاجتماعي الحديث لا توافق عليه  هذه الجماعات التي تريد فرض هيمنتها بأية طريقة وتستخدم الاسلوب غير الحضاري  الذي هو اقرب الى الارهاب البوليسي الذي يرى في كل  مثقف ، منحرف و كل مفكر، عميل لجهة اجنبية.
وهذا المنطق القمعي يحاول بعض جماعات الارهاب الصغيرة فرضه وتخويف الواقع الفكري العراقي. وتستغل هذه الجماعات بعض الفضائيات والمواقع الالكترونية، وتقوم بتحويلها الى منافذ يتسلل منها الضوء الاسود بهدف اشاعة الجو الارهابي وقمع المفكرين ومحاصرة اجتهاداتهم ومطاردتهم بالتهم الملفقة والكاذبة.
ان العراق بعد تجارب مريرة مع الاحادية والنظم الشمولية بداء يتجه نحو ــــ نوعا ما ـــــ الاختيار التعددي وهذا الاختيار لا بد ان يقوم على قاعدة الديمقراطية التي تسمح باختلاف الرأي والحوار وحرية البحث والنقاش والاجتهاد الفكري والسياسي.
وهذا الاختيار الذي بدأ يمارس بشكل متواضع، من المفروض علينا ـــــ التنويريون ــــ  تنميته، لان الحل الوحيد لخروجنا من دائرة التخلف والقمع هو الانفتاح السياسي الذي يشكل بالتالي الانفتاح الفكري… الارضية الصالحة والمهيئة له.
هذه البوادر المشجعة تخيف الجماعات الظلامية، لذلك يتحرك عناصر هذه الجماعات لتخويف مفكري العراق العقلانيين والصاق تهمة الالحاد والتطرف العلماني بكل مثقف يريد ان يقول كلمة مختلفة عن ارهاب جماعات التكفير الديني التي ترى ان الفن حرام وان الموسيقى من اعمال الشيطان وان المنطق انحراف عن حدود الشريعة.
هذا الارهاب الاسود يكثف هجومه على رموز الاستنارة العراقيين ويستعمل الارهابيون لغة مضللة مسفهة لا تستند على الحقائق وتعتمد فقط على منطق التقارير البوليسية.
ويتخفى الارهابيون تحت اقنعة دينية ويسعون بكل الطرق الى تصوير الدين على انه معهم وضد تقدم المجتمع وازدهاره. هذه الحملة القديمة/ الجديدة تسبح ضد ظروف موضوعية جديدة على الساحة.
ان منهج التضليل واستعمال اقنعة الدين فشل، لأن ما حدث في السنين الخمسة الاخيرة كشف حقيقة معسكر المتدينيين الارهابيين، هؤلاء الذين سرقوا اموال الناس تحت بدع عديدة، وهؤلاء الذين يخططون لعمليات ارهابية تحت شعارات دينية.
ان المنهج الاسود الذي ازدهر بعد احتلال العراق في خداع الناس والصحوة الاخيرة التي تؤيدها بعض المطبوعات والفضائيات…. هي في رأينا صحوة الموت وعلامة على الاحتضار الاخير.
[email protected]