بلا شك ان محاربة الفساد أضحت أمرًا ملحًّا و ضروريًّا ، خاصة مع تلك التداعيات الخطيرة التي يخلفها وجود الفساد في مؤسسات الدولة العراقية على المستويات كافة ، و لا شك أن محاربة الفساد محاربة فعالة و جادة ، سوف يسهم في تفعيل أداء الدولة العراقية و يجنبها و المجتمع العراقي من الآثار الهدامة لوجوده ، و تُرسي معالم الدولة و مؤسساتها على أسس متينة و عصرية سليمة ، و استمرار وجود الفساد و ارتفاع معدلاته ، يضعف فعالية البرامج التي ترعاها الدولة و الحكومة العراقية بصورة عامة .
إن محاربة الفساد و تدني مستوياته إلى الحدود الدنيا تسهم في إضعاف مختلف السلوكيات غير المنسجمة مع مقتضيات الانتماء الوطني و المواطنة الصالحة ؛ فهذه السلوكيات غالبًا ما تتعزز في ظل بيئة سياسية و اجتماعية تعاني من فساد يوفر لها الدفيئة المناسبة للترعرع و النمو و الانتشار في المجتمع ، و من جانب آخر تقوى السلوكيات المنسجمة مع صدق الانتماء و المواطنة الصالحة ؛ فهناك علاقة طردية بين وجود الفساد من جهة و ضعف الانتماء الوطني من جهة أخرى ، يجد ذلك تعبيراته في مختلف السلوكيات التي تناقض الانتماء الوطني و لا تعبر عنه .
إن محاربة الفساد واجب وطني ؛ فالفساد متى زاد عن معدلات معينة فإنه يلتهم عوائد و خطط برامج التنمية ، و يصبح من الصعب تحقيق تراكم تنموي مع استشراء الفساد , كما أن محاربة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية ، يسهم في تعزيز مصداقية الدولة أمام الجمهور ؛ لأن تورط قيادات من الدولة عامة و الحكومة خاصة في أعمال لها علاقة بالفساد و عدم محاسبتهم ، و بقائها قريبة و محسوبة على الدولة ، و بناء علاقات فيما بينها ( مراكز النفوذ ) ، على قاعدة تبادل المصالح ، قد أضعف من مصداقية السلطة أمام الجمهور .
إن المحاربة الجدية للفساد ستسهم في تعزيز مصداقية الدولة العراقية أمام الجمهور العراقي ، و ستسهم في خلق شعور وطني عام أن الدولة العراقية دولة الجميع ، و ليس لفئة معينة تستأثر بكل شيء و تترك للآخرين الفتات ؛ الأمر الذي سيسهم في النهاية في تعزيز الانتماء الوطني ، و يعزز القيم المتعلقة بحب الوطن و الانتماء إليه ؛ لأن الفساد يكرس البؤس بقطاعات واسعة من الجمهور ، من خلال استغلالها و تهميشها و إفقارها ، في وقت تتمتع فيه النخبة الفاسدة بما هو ليس لهم و ما هو حق الآخرين . و يمكننا إجمال أثر محاربة الفساد في العراق في تعزيز الانتماء و المواطنة في المجتمع العراقي فيما يلي :
1- محاربة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية ستؤدي إلى تقوية المؤسسات العامة ، و تحسين أدائها و زيادة كفاءتها و فعاليتها ، و تضعف دور المؤسسات التقليدية مثل القبيلة و العشيرة ، كما تسهم محاربة الفساد في إضعاف مراكز النفوذ الموجودة في الدولة لصالح المؤسسات العامة ؛ مما يقود في نهاية المطاف إلى دولة حديثة عصرية و مؤسسات قوية ، و نظام ديمقراطي يتساوى فيه الجميع في الحقوق و الواجبات ؛ الأمر الذي يسهم في حفظ حق المواطنين خاصة حقهم في العدالة و المساواة ، و حقهم في الحصول على الخدمات العامة ، في مختلف مناحي الحياة ، كالصحة و التعليم و الحماية الاجتماعية .
2- تسهم محاربة الفساد في تعليم المواطنين الصدق في الانتماء السياسي ، بعيدًا عن النفاق و التظاهر بالولاء لجهة سياسية ما أو حزب معين من أجل الحصول على مصالح أو منافع خاصة ؛ ففي ظل بيئة سياسية شبه خالية من الفساد تتعطل عملية شراء الذمم و الولاءات ، التي عادة ما تمارس في ظل بيئة الفساد ، و تستخدم المال العام كوسيلة لذلك ، من خلال إغداق الأموال على الموالين و المقربين و حرمان الغير منه ، و التوسع في عمليات التوظيف و التعيين للموالين على حساب خزينة الدولة ، بعيدًا عن الحاجة الحقيقية ، و إقصاء لدور الكفاءة والأهلية لتبوء الوظائف العامة .
3- محاربة الفساد تسهم في زيادة إقبال المواطنين العراقيين على المشاركة السياسية ، مثل المشاركة في الانتخابات بمختلف أشكالها ، المحلية و العامة ، و كذلك الانتماء للأحزاب السياسية ، و زيادة وتيرة مشاركة المواطنين في الحياة العامة بشكل عام ، و زيادة درجة ثقتهم في المؤسسات العامة و أجهزة الدولة المختلفة و احترامها ، و احترام القوانين و الأنظمة السائدة في الدولة ؛ مما يدفع المواطنين إلى مزيد من التقيد بها .
4- تسهم محاربة الفساد كذلك في تقليص أسباب العنف السياسي في المجتمع العراقي ؛ مما يزيد من درجة الاستقرار السياسي ، ففي ظل وجود الفساد تضطر بعض الجماعات و الأفراد إلى اللجوء إلى بعض الأساليب العنيفة ، بغية الحصول على حقوقها أو بعض المكاسب الخاصة ؛ لأن وجود الفساد يضعف الشعور لدى المواطن بالثقة في مؤسسات الدولة ، و يقلل من درجة احترامها لها و لقراراتها ، و بالتالي درجة التقيد و الالتزام بها ؛ مما يخلق رغبة لديهم في التمرد على السلطة و قوانينها و أنظمتها متى سنحت الفرصة لذلك .
في هذا السياق تكتسب عملية محاربة الفساد أهمية خاصة في تعزيز الانتماء للوطن ، فمع وجود الفساد يصعب الحديث عن وجود عدالة اجتماعية أو مساواة و تكافؤ فرص ، كما يصعب تحقيق تراكم تنموي ، و يهتز الاستقرار الاجتماعي في المجتمع ، و تنمو و تتطور القيم السلبية في المجتمع ، و تتراجع القيم الإيجابية القائمة على العدل و المساواة ، و الصدق و الأمانة ، و بالتالي فمحاربة الفساد تعتبر مدخلًا هامًّا في تعزيز الانتماء الوطني و تقوية روح المواطنة في المجتمع العراقي .
16 شباط