22 ديسمبر، 2024 10:39 م

مجنونٌ يأكلُ جسده/1

مجنونٌ يأكلُ جسده/1

إعتدتُ فجر كل صباح أن أسير عند موضوع من مواضيع – كتابات- بتعرجاتها المختلفة وتضاريسها المرعبة وجبالها التي تنفثُ ناراً في كل ألأتجاهات. كاتب يصرخ بأعلى صوتة يجري مقارنة بين زمن صدام  وزمن ألتاريخ الحديث الذي يمر به العراق بعد قدوم رؤساء أحزاب عمالقة  ويطالب العقل البشري أن يكون حيادياً في مطالعة موضوعهِ دون التحيز لجهةٍ معينة ويعلنُ بعدها نتيجة المقارنة, وكاتبٌ آخر يحذر السيد العبادي من عدم السقوط في بؤرةِ أعمال المالكي كي يخلدهُ التاريخ ورفض تلك المناقصة التي تستنزف نصف أموال الخزينة لتطوير بنايات مجلس الوزراء. وكاتب آخر يكتب عن تأييد المرجع السيستاني من قضية عمر وكيف أضر بأنسانة مقدسة تعود الى نسب الرسول. وكاتبٌ آخر يحذر العراقيين من أن سليماني يخطف إنتصاراتهم التي حققوها بدمائهم وينسب جميع ألأنتصارات الى ذكائه العسكري وظهوره المستمر في أي بقعة تُحرر من قبل أبناء الجيش العراقي والحشد الشعبي وكأنه يريد إذلال الرجل العراقي المنتسب الى أي فئة تقاتل من أجل إنقاذ العراق. وكاتبٌ آخر يصرخ بحرقةٍ شديدة يطلب إستقدام صالح المطلك الى البرلمان للتحقيق معهُ- إن صح التعبير- في قضية إختفاء نصف ملياردولار أو أكثر أو أقل تتعلق بالنازحين ولايذكر ذلك الكاتب قضية إبن السيد المالكي وقصة المليار والنصف دولار التي هربها خارج العراق وينسى موضوع وزير التجارة الذي هرب من القضاء العراقي الى لندن وحكايته منشورة في كل وسائل ألأعلام. وكاتب آخر يتحدث بأسهاب كيف أن القاضي العكيلي يحاصر المالكي من كل ألأتجاهات بالدليل لأثبات خيانتهِ العظمى للعراق بذكر أعداد لاتعد ولاتحصى من الهفوات التي سببت في ضياع نصف العراق .مواضيع تحطم النفس وتحيل الحياة الى كومةٍ من الكآبة والضياع وقتل أي رغبة للحياة.
أنا لاأتحدث عن قساوة أؤلئك الكُتّاب المحترفين في صياغة مواضيعهم بطريقةٍ دقيقة جداً ولاأقف ضدهم لأنهم يذكرون مواضيع مأساوية تحاصر روحي من جميع الزوايا والطرقات, هم مؤلفين ينتمون الى صنف الحدث الفوري الذي يحدث في أي بقعةٍ من العالم ليمارسوا دورهم التثقيفي والخبري والكتابي. هم يكتبون عني وعنك وعنهم وعن أي شيءٍ يطفوا على مساحة الحدث الممتدة في كل طرفٍ من أطراف العالم. هم يشخصون المرض – وقد يصفون العلاج- ولكنهم لايستطيعون تقديم – قرص واحد من أٌقراص وجع الراس- لأنهم غير مختصين في عمل أي جراحةٍ لجسدٍ عليل. آلاف المواضيع التي لاأجد الوقت الكافي لقراءة نصف العدد.تحولت حياتي الى جحيم وشرعت أنظر الى الحياة نظرة مأساوية لم يعد فيها للفرحةِ من طعمٍ يُذكر. السماء – وأنا أنظر إليها- لاأجدها زرقاء رغم لونها الواضح الزرقة وصفاء الجو الخالي من أي سحابةٍ بيضاء أو سوداء. المقاتلون هناك يتساقطون الواحد تلو ألاخر من جميع ألأطراف صاحب القضية  الوطنية والقادمين من مكانٍ آخر يحملون نوايا سلبية. بين هذه الصراعات وتلك التجاذبات وجدتُ نفسي حائرٌ كمجنونٍ يأكل جسدهِ في وضح النهار وعتمة الليل يبحثُ عن طريقةٍ للخلاص من أي شيء يوفر له ولو جزءأً يسيراً من سكينة الروح. قررت منذ هذا اليوم أن أكتب عن نفسي فقط كي لا أجرح – مشاعر ألآخرين- , ألتهم جزءأ من جسدي كل صباح كي لا أسبب ألألم لشخصٍ آخر- ولو أنني سأحرق المقربين بعض الشيء لأنهم جزءٌ من جسدي-. من يدري ربما حينما أتكلم عن نفسي سأجد حيزاً للأعتراف – ليست على غرار إعترافات جان جاك روسوا – , وإنما أعترافات كائن بشري لم يعد له وجود على هذه ألأرض التي نُطلق عليها إسم – العراق- عدا ورقة ثبوتية تُثبِت أنه ينتمي الى بقية الناس الفقراء وتؤهلهم للحصول على شهادة وفاء من مركزٍ صحي عند الموت. قد ينبري فردٌ ما ويقتبس – كوتيشن- أي مقتبس من كاتبٍ عظيم أو إمامٍ مقدس ليقول بتهكم – لماذا لاتنظر الى الجزء المملوء من القدح وتترك الفارغ كي تكون الحياة بهيجة تسر الناظر عند ساعات اليأس ؟ – حكم وأمثال حفظتها كلها عن ظهر قلب. هناك شيءٌ آخر ينبري في داخلي يناقض كل شيء أتفوه به وهو عبارة – فكر ثم اشكر- التي طالعتها عام 1970 في كتاب – دع القلق وإبدأ الحياة- لكاتب أجنبي كان قد حصل عليها من مفاهيم القرآن التي تدعوا الى تقديم الشكر وألأمتنان للخالق الجبار ” وإن شكرتم لأزيدنكم ” . الشكر هنا يتفرع الى أشياء لاتعد ولا تحصى , من ضمنها سلامة البصر والسير بلا عكازة أو كرسي متحرك وأشياء آخرى معروفة للجميع. اللهم لك الحمد والشكر على كل شيء. الحمد والشكر لأن أناملي تتحرك في هذه اللحظة وأنا أكتب هذه الحروف والحمد والشكر لأنني أرى بلا نظارة كي أكتب هذه الكلمات, والحمد والشكر يارب لأنني أجلس على كرسي بسيط ولا أشعر بالم البواسير – أو حباية في مؤخرتي كما قال لي أحد ألأصدقاء أمس- …الحمد لله يارب لأنك زودتنا بهذا الهواء النقي الذي نتنفسه في هذه اللحظة وهذه الشمس الجميلة التي تغسل شجرتي العملاقة التي تحيط المنزل المتواضع..أشكرك يارب على كل شيء. لا أريد مليارات المالكي ولاصدام ولا أي رجل يملك الكثير من كنوز ألأرض..أريد فقط العفو والرضى والقناعة . كل شيء سيزول ولن تنفع ألأموال وألأولاد إلا من جاء اليك وقلبه عامراً بألأيمان وعندها ستكون هناك الجائزة الكبرى.