يتغيّب التلميذ (العراقي) عن مدرسته من دون عذر، فيُعنّفه معلمه ويحذّره من تكرار فعلته. إذا ما كرّرها يقرصه المعلم من أذنيه، وقد يعيده إلى البيت ولا يقبل بعودته إلا مع أحد والديه. عند حدّ معين من الغيابات والتنبيهات والانذارات يُمنع التلميذ من مواصلة الدراسة، عقاباً له وحماية للمدرسة من تفشي ظاهرة الغيابات.
حال موظف الدولة (العراقي) المتغيّب عن الدوام تكراراً، وحال عامل القطاع الخاص (العراقي) المنقطع عن العمل مراراً، لا تفرق في شيء عن حال التلميذ المتسرّب من مدرسته. لكنّ الحال في مجلس النواب العراقي ومع أعضائه لا تشبه حال التلميذ المتسرّب والموظف الحكومي المتغيب وعامل القطاع الخاص المنقطع عن العمل.
الشاب العراقي العاطل عن العمل سنوات عدة، العضو في عائلة تعيش الحرمان تحت خط الفقر الكافر، تستغلّ المنظمات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة وضعه فتستدرجه إلى ميادينها لقاء ورقة (100 دولار) أو أكثر، فينفّذ عملية إرهابية أو جُرمية .. يُلقى القبض عليه فيُحكم بالاعدام إن كان عمله إرهابياً، استناداً الى قانون مكافحة الإرهاب، وبالسجن إن كان جُرمياً تطبيقاً لقانون العقوبات، لكنّ عضو مجلس النواب العراقي لا يُطبق عليه قانون مكافحة الإرهاب إذا ما ارتكب جريمة إرهابية، ولا يُنفّذ في حقه قانون العقوبات إن أتى بجرم جنائي. النائب العراقي الإرهابي أو المجرم له ربّ يحميه، هو ائتلافه أو تكتله .. أو حتى رئاسة مجلس النواب.
أمس نشرنا، في هذه الصحيفة، تقريراً أفاد بأنه “في سرية تامة” يجري التعامل مع ملفات 20 نائباً مُهددين برفع حصانتهم النيابية “بسبب تهم بالتورط” في قضايا الإرهاب أو الفساد. وفي تفاصيله أن طلبات من القضاء قد وصلت إلى رئاسة البرلمان للموافقة على رفع الحصانة تمهيداً لتقديم النواب المتهمين بالإرهاب أو الفساد الى القضاء.
التقرير ينقل عن أعضاء في المجلس نفسه معلومات عن أن عدداً من الاعضاء قد تجاوز في غياباته الحدّ القانوني، وأنهم اصبحوا في حكم الساقطة عضويتهم لو طُبّق القانون في حقهم مثلما يُطبّق على تلاميذ المدارس وموظفي الدولة وعمال القطاع الخاص.
رئيس مجلس النواب سليم الجبوري سبق أن أعلن في تموز من العام الماضي عن عزمه على إنهاء عضوية النواب المتجاوزة غياباتهم الحدّ المقرر، مؤكداً أن قراراً بهذا الشأن قد أتخذ، لكنّه لم يحدّد عدد الاعضاء. والآن بعد نحو ثمانية أشهر من ذلك الاعلان الرئاسي لم تُسقط عضوية عضو واحد بتاتاً.
أعضاء مجلس النواب الذين يستند التقرير إلى تصريحاتهم ومعلوماتهم يوجّهون أصابع الاتهام إلى رئاسة المجلس بالتغاضي عن غيابات الاعضاء وعن مذكرات السلطة القضائية بشأن النواب المتهمين بالارهاب والفساد.
قديماً قيل “اذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟” .. وها اننا نرى أن ملحنا (النيابي) فاسد في الأساس، بحسب ما يؤكده أعضاء البرلمان، فالمجلس، بأعضائه ورئاسته، يتعامل معنا بوصفه مجمع الآلهة الذي لا يُدنّس حتى لو ارتكب هؤلاء “الآلهة” أعظم الخطايا.
نقلا عن صحيفة المدى