23 ديسمبر، 2024 3:58 ص

مجموعة ( لا للاستفتاء في الوقت الحالي ) بين السطحية وعدم الادراك

مجموعة ( لا للاستفتاء في الوقت الحالي ) بين السطحية وعدم الادراك

ان تباين الرؤى والتوجهات السياسية في اي مجتمع هو مؤشر صحي على فعالية ذلك المجتمع ومدى الديمقراطية الموجودة فيه . وما شهدته مدينة السليمانية في اقليم كوردستان من خروج جماعة رافضة لاستقلال كوردستان يعتبرمؤشرا واضحا على ما يتمتع به الاقليم من هامش واسع من الديمقراطية تفتقده اغلب دول المنطقة يضاهي مستوى الديمقراطية الموجودة في العالم المتحضر . فاثناء الاستفتاء الذي جرى في اسكتلندا شهدنا تيارا سياسيا قويا رافضا للاستقلال عن بريطانيا , وهناك اليوم اطرافا سياسية ترفض استقلال كاتالونيا عن اسبانيا , وتعتمد الجماعات الرافضة في الاقليمين على مبدا حساب الربح والخسارة وكلا الفريقين ( الرافض والمؤيد) في الاقليمين ينطلقان من مصلحة شعبيهما .. ترى ما هي الاسباب التي تعتمد عليها جماعة ( لا للاستقلال) في كوردستان كي تتبنى موقفها الرافض هذا ؟
ابرز مبررات هذه المجموعة هي ما يدعونه من ظروف غير مواتية للاستقلال , وان كوردستان ستفقد بهذه الخطوة الكثير من الحلفاء وتؤلب عليها دول المنطقة , اضافة الى الازمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منهما الاقليم حسب وصفهم . وهنا علينا ان نتسائل هل ان هذه الاسباب كافية لاضاعة هذه الفرصة السانحة للاستقلال , وهل ان هذه المجموعة الصغيرة مؤهلة لتبني هكذا موقف مصيري يتعلق بمستقبل شعب كامل ؟
دعونا الان نلقي الضوء على بعض النقاط المهمة حول طروحات هذه المجموعة…
1 – ان الادعاء بعدم وجود هامش واسع من الديمقراطية في كوردستان يكذبه اساس وجود هذه المجموعة , فوجودهم وقدرتهم على التعبير عن رفضهم للاستقلال دون مضايقات من حكومة الاقليم بحد ذاته هو مؤشر واضح على وجود مستوى عالي من الديمقراطية بعكس ما يدعونه .
2 – عندما تطرح مجموعة من الافراد موقفا سياسيا مؤيدا او رافضا لخيار شعب , فانها في العادة تكون متبناة من قبل احزاب وطنية نابعة من رحم تلك الشعوب ومدركة لحقائق السياسة ودهاليزها , اما ان تخرج مجموعة مثل مجموعة ( لا للاستقلال ) تتكون من انصاف مثقفين وحزبيين مغمورين من الدرجة الثالثة او الرابعة , يتزعمهم شاب تخيل ان امتلاكه لقنوات فضائية او بعض الاموال تؤهلانه لان يفتي في هكذا قضية مصيرية ولفهم مجريات الامور السياسية , فهذه بحد ذاتها ظاهرة فريدة من نوعها وخطيرة . نعم .. قد تكون الثروة احيانا مدخلا الى عالم السياسة , الا ان من يتزعم هذه المجموعة لم يدخل عالم السياسية الى يومنا هذا لا على الصعيد الكوردستاني ولا حتى على الصعيد المحلي في مدينته .
3 – ما يثبت سطحية الفكر السياسي عند افراد هذه المجموعة هو عدم قدرتهم التمييز بين الحقوق الديمقراطية للشعوب وبين الحقوق السيادية له , فاحدى النقاط التي يبررون بها رفضهم الاستقلال هو عدم وجود هامش واسع من الديمقراطية في كوردستان . دون ان يدركوا بان لا علاقة بين الديمقراطية التي هي من الحقوق الدستورية والقانونية ترتبط بالوضع الداخلي لاي شعب , وبين الاستقلال الذي هو حق سيادي لذلك الشعب ينظم علاقته مع شعوب اخرى . بهذه السطحية السياسية يحاولون اضاعة فرصة الاستقلال عن شعب كامل .
4 – هناك مبدا في السياسة لا تفقهه هذه المجموعة , وهو ان المواقف السياسية المعلنة لاي دولة لا تكون دائما هي المواقف الحقيقية لها . ولمعرفة المواقف الحقيقية للدول يجب ان تكون داخل المطبخ السياسي كي تقيم الامور بشكلها الحقيقي . اما أن تكون جالسا امام التلفاز في البيت , وتسمع تصريحات من هنا وهناك , ثم تاتي وتبني عليها موقفا سياسيا فهذا امر مضحك يعبر عن سذاجة حقيقية خاصة في موضوع مهم يتعلق باستقلال الشعوب .
5 – ان تبرير رفض الاستقلال بحجة وجود ازمة سياسية او اقتصادية في كوردستان تكشف قصر نضر هذه المجموعة . فاغلب الشعوب التي نراها مستقلة اليوم كانت قد حصلت على استقلالها عن طريق ثورات قامت بها , ومن المعروف ان الثورات هي حالة فوضوية لا تكون للحالة السياسية او الاقتصادية اي اهمية فيها , ومع ذلك اسسوا دولا وجمهوريات تحولت قسم منها الى دول قوية اقتصاديا و سياسيا . لذلك فليس مطلوبا من الاقليم ان يكون في حالة سياسية واقتصادية مزدهرة كي يكون جديرا بالاستقلال .
6 – لو امتلك اعضاء هذه المجموعة حسا سياسيا صحيحا لاستطاعوا قراءة الوضع الاقليمي والدولي بشكله الصحيح , ولادركوا عدم وجود مخاطر اقليمية او دولية حقيقية على كوردستان في حال الاستقلال كما يدعون , ولعرفوا بان التحفظات والتهديدات التي يسمعوها من هذه الدولة او تلك ليست بالخطورة التي تجعلهم يرفضوا خطوة الاستقلال بناءا عليها .
7 – ان كان الوقت الحالي غير مناسب لاستقلال كوردستان كما يدعي هؤلاء فمتى يكون الوقت مناسبا لذلك ؟ هل بعد ان تصل بغداد للقوة التي تستطيع من خلالها اخضاع كوردستان عسكريا وامطار مدنها بالصواريخ والقذائف ..او بعد ان تصبح عصابات الحشد الشعبي تهديدا حقيقيا على كوردستان ..او بعد ان تنجح بغداد في سحب مكتسبات الشعب الكوردستاني السياسية والاقتصادية , او بعد ان تتمكن دول المنطقة من تصدير مشاكلها الامنية الى داخل مدن الاقليم , او بعد ان تتمكن بعض القوى الدول المذهبية في المنطقة من تصدير امراضها المذهبية الى كوردستان ؟