23 ديسمبر، 2024 4:07 م

مجموعة ( بروفايل للريح .. رسم جانبي للمطر) – الرحيل في دائرة الإئتلاف والإختلاف

مجموعة ( بروفايل للريح .. رسم جانبي للمطر) – الرحيل في دائرة الإئتلاف والإختلاف

 من الأهمية أن ندرك إن بناء كل معرفة لابد لها من أن تمر اتجاه سلسلة من الأحداث الضمنية والتضمينية حيث يتسنى لنا بالنتيجة القصوى الأندراج تجسيديا وتركيبيا لأفعال معطيات مساندة لضرورة أفتراضاتنا لتلك الواقعة المعرفية الأخاذة فينا .. حيث تتوالد من بعد تلك الواقعة المعرفية ثمة مفردات من الإيحاء والحالة النفسية والصورة المؤشرية والخلفية المعيارية الأولية المنفردة في لغة الأشياء .. وعند النظر الممعن في أي إمكانية تسخيرية بلا إسناد أو تضمين أو مصدرية ما ، لعلنا لا نجد فيها ذلك الأيقاع المؤثر من زمن الأهمية والإمكان في موقع القيمة ويافطة التمييز .. منذ أيام قليلة جاءتني نسختي المهداة من الشاعر جواد الحطاب ، والتي هي مشروع سردي شعري ذات رؤية تناصية وتفاوضية متماسكة وحدود محمولات التجارب الشعرية الجديدة المتقنة .
وعند معطى قراءتي لنصوص تلك المجموعة التشكيلية الشعرية ، لاحظت بأنها عبارة عن مقولات تصويرية محاكية لفعل مقولات وتضمينات ( نصب الحرية ) للفنان القدير جواد سليم رحمه الله . في الحقيقة عندما قرأت تلك النصوص التي هي أقرب في أسلوب معالجتها وبنائها الى بنية مقايسة وتسخير حالات الأشياء ولكن في حدود أمكانات تصنيفية تمرر بموقف وحدات الواقعة الأصلية ضمنا ، أي إن الشاعر الحطاب في مندرجات تصاويره التوظيفية في النصوص ، لم يبتعد وحدود أنتقائية نمذجة سبل التعديل والإضافة في المنسرحة في أفق إعادة الانتاج والمنتج الإحتوائي في ظواهرية ووقائعية النص المنحوت .

( .. تبرعت الأمهات بصراخهن الى الحصان
فلا سلاسل تقيد الصهيل ..
.. من همسة الأف سنة
يتوشح بالحياة
شعفاته : يا ما كان ..
وحوافره : الريح !)

هكذا وجدنا محصلة علائقية مكونات عضوية ملامح التجربة في خطاب نصوص ( بروفايل الريح ) الأصح منا إعتبارها نصوصا سردية شعرية وليس قصائد شعرية ، وذلك لأنها تتوخى رمزا متعاليا يفوق مهام أسلوبية بناء خطاب القصيدة القولبية السائدة . نعم إنها نصوص سردية ولا يصح لنا تسميتها قصائد شعرية في أي شكل من أشكال التجنيس والمضامين المؤولة الأجناسية .. على أية حال فأنا في دراسة مقالي هذا سوف اتعامل وإياها على أساس من أنها تماثلات إنتقائية في ضوء مجرى جدلية التنصيص ، وهذا التصنيف مني ما هو إلا إفتراضا حماسيا قد يتطلبه تحريك الأشياء وفرزها في مجريات مبحثية الدراسة .

 ( العلامة النصية واطلاقية الانطباع )

في الزمن التقريبي ل( كعك السيد )
أصيب بالفوتوغراف
الوصي : على ظهر الدبابات البريطانية
الوصي : على ظهر الدبابات الوطنية
السراق : على ظهر الدبابات الأمريكية
( . . بأخاديد الدبابات
تضع القنصليات بيوضها )

الشاعر الحطاب في عملية استيعابه لمفروضية الأشياء من حوله صار يتلمسها بمجسات تاريخية تحصيلية محاولا من خلالها أضفاء شحنة الترميز الإضافي لطبيعة الموقف ولمحاولة الإضفاء على النص حدود لجوء الذات الواصفة في تفسيرها لظواهر موقعة محددات تعارض المقولة الجوهرية الداخلية لدى الشاعر كفعل إنفعالي تأكيدي لقيمة الأفصاح النصي ، وتبعا لهذا وجدنا النص يتعدى في خطابه جزئية مشهد الواقعة التجسيدية في نصب جواد سليم الى أفق إستجابة تعارضية مستحدثة تتناول حقيقة قضايا سياسية تمتلك خصائص وإكتسابات رمزية مخصوصة في تحولاتها المقولية والدلالية الفارقة . وقد يتضح الأمر جليا من خلال سياقية مشهد ( في الزمن التقريبي لكعك السيد أصيب بالفوتوغراف ) مقابل دال جملة ( الوصي : على ظهر الدبابات ) . إن الحطاب في استجاباته الخطابية التناصية لحالات النصب وما يحمله من تضمينات ، راح يكشف لنا جزءاً من خالقية نصه وهو يلوح عن مشهد تقاويم تاريخية تتصل بمجالات الإيقاع بالوصايا الصادرة في الحاضر الراهني : ( الزمن + التقريبي + الفوتوغراف = دبابات = كشف جديد = صيغة مركبة = تناص ) يبدو إن متابعة الحطاب لتجربة أصوات نصب الحرية ، لم تكن هي التجربة المستوحاة ذاتها في متن تجربة نصوصه بشكل محدد ، بل إنها تحقيقات تتجاوز ما تحمله الرسوم المنحوتة من دلالات مؤقتة وواسعة ، وصولا الى إننا أصبحنا نشعر بأن هناك في مكامن النصوص ثمة مقولات إضافية ومستحدثة شكلا ومحتوى .
.. معودين
لا تجمعوا أسمين في أجسادكم
يكره العراقيون تزاوج الأسماء
حتى ..
حين صار لديهم ( فيصل ثاني )
قتلوه


مبارك صهيلكن أيتها الأمهات
.. زعاف الأفعى
لا يرهب التنين .

إن العلائق القائمة في مرجعياتها الخطابية أي ما بين خطاب المنحوت النصبي وبين صوت نص الخطاب ، هو ذلك القصد التصوري الممتد ما بين دال ( معودين ) وبين دال ( أسمين في أجسادكم ) ودال ( الأفعى ) إذ أن العلائقية التشكيلية الواقعة ما بين الطرفين ، تستلزم دائرة خصوصية الأرتباط ما بين محور( خروج  ) وبين محور( ارتباط ) أي خروج دال ( معودين ) عن مرجعية الذات التشكيلية في نصب دلالة ( أيتها الأمهات ) ودلالة ( فيصل الثاني ) ثم وصولا الى محور دليل ( قتلوه ) وتتكاثر بعد ذلك مساحة بياضية دوائر ممكنات الفصل الفراغي ما بين المداليل الفعلية وبين الصفات الاندماجية المؤولة في صوت النص :
( … / مبارك صهيلكن ) أي إن وعي فضاء البياض والفراغ
في هذه المواطن المساحية قد غدا إزاء طبيعة الوقائع التصويرية في جمل الدوال ، كما لو إنها محض امكانية تجاذبية لأطراف خالصة في الأستغراق والاستبصار التوفيقي في الخطاب ، وبقدرة الذات الواصفة على خلق الترابط الأكثر تشكيلا في فضاء انشطار خصوصية الدائرة الاتصالية الواقعة ما بين أفق ( العلامة ) وبين محطة معطيات إضافة النص نفسه في اشتغالية ايجادية مزامنة لحركة ديمومة نموذج ( نص / رسم ) .

كان لبغداد .. أربعة أبواب
*باب الشام
* باب الكوفة
* باب البصرة
وكان للمنذر .. يومان .

التعويض بالحسية المرجعية الوثائقية هنا في طبيعة تركيب هذه المقاطع قد يتماهى مع التعويض بالحلم استشعارا ، فالتنصيص ب ( حلم ) يشعر صاحبه أنه قادر على ايقاظ الجميل والقبول من الفترات التي لم يكن فيها ذلك الشيء في موقع الانعكاس في تعاطي القبول ، فالحطاب في صورة تعويضاته المعالجية لملهمه ( نصب الحرية ) إنما راح يوظف هياكل مفرداته وخطابه وصوره ، في حدود صياغة نفسية ظاهرة التعويض النفسي والبوحي ، وصولا الى موضعية نشاطية أصيلة قائمة بذاتها تختلف اختلافا تاما عن رؤية مفردات الأصل أي نصب الحرية في بعض وظائفه الاستدلالية المضمونية والعرضية والمتنية ، ولكن الحطاب أخذ يستثمر حلم ذلك النصب بموجب روحانية خاصة لربما تلتقي مع حيثيات النصب فقط من جهة شكلها العرضي ، ولكن من جهة لربما تختلف مع مفردات النص بصورة تقريضية وحلمية : ولكن هل من حقنا لاحقا القول من إن أفعال دلالات نصب الحرية في تعارض تام مع استعارات نصوص تجربة الحطاب ؟ ولكن كيف ؟ والابعاد تمارس فعلها التداولي ذاته في جدل الأصول ؟ إن هذه الأسئلة قد لا يحق لنا إرضاؤها بالنفي أو القبول ولاسيما إن تجربة الحطاب لا تقاس بهذا الشكل الاستبدالي المفارق ، وذلك لأن نصوص ( بروفايل للريح ) قد جاءت أفعالا تأويلية خاصة ومدعومة بوجهة نظر مضافة ومغايرة لسلالة معنى تواريخ وتقاويم مداليل نصب الحرية ، بل إنها تنصيصات محايثة وليس نصوصا مكملة لأصل خطاب نصب الحرية ، خصوصا وإن الراوي لدى تجربة الحطاب ،راح يتدخل بإستفهاماته وبياضاته وفراغاته ومواطن تنقيطاته ، لأظهار استنكاره وعجبه ومستحدثاته ولتحديد موقعه القولي والصوري لا كناقل أو محاكي ، بل كتعويضي وتسائلي وتخصيبي وتقريظي .

وتعددت الأيام ..
الجمعة الدامي ..
الأحد .. الثلاثاء .. السبت .. الأربعاء
.. امتلأ الأسبوع دما
فمن أين نستأجر أياما بيض ..
وهمرات / فتاوى / الأحزاب
سجلتنا : ( زائدة ) حياتية ! !
. . . .
. . . .
القوة الخطابية والدلالية في هذه وجهة النظر المقطعية ، تفهم بأن الزمن صار في البلاد فصل دموي مجحف يتنقل ما بين ايقاع الأيام والساعات وهو( امتلأ الأسبوع دما ) فالحطاب هنا يحاول اللجوء الى أبجدية السؤال والمساءلة وصولا الى( فمن أين نستأجر أياما بيض ) وهو ما يجعل المقاطع تكتسب صبغة تأويلية كهدف تبريري لزمن مقولة ( همرات / فتاوى / الأحزاب ) إن الحطاب يلج في منطقة ( طريق التضاد ) وهذه ــ دون شك ــ وجهة نظره الخاصة ، لعلها تعطي لبعض خلفيات نصب الحرية قراءة أخرى بأسباب جديدة وإضافية .

يسير الأنبياء على الماء
ونسير على اللهب ..
فهل أختارنا الله
لتبليغ رسالته الجديدة ؟ ؟

فالذات المبدعة لدى الحطاب استدمجة انماط تفسيرية حاذقة ومفترضة لما تراكم في جوهر الأشياء وتحريرها في خطابات توصيلية تكون أكثر تأثيرا في الحس والعقل من مرجعية الاستبيانات الاختبارية في تجربة جواد سليم .
 ( النص كتصورات تشكيلية متناصة )

من الحقيقي والجائز أن نفهم التجربة النصية وهي تحدث عادة في نطاق تنقلات المعرفة الذاتية لدينا ، كمعطيات محتملة تتوخى الثقة بالوعي النفسي والعقلي والمخيالي لدى الشاعر كتصور استلزامي قطعي في جل كيفياته الخطابية والانطباعية والاستفهامية والفراغية . فضلا على إن ما يحدث في لحظة التغلب على تكريس لحظة منفلتة عن أفق التصور ، هي بمثابة التقديم المسببي لمعرفة ما لا يمكن طرحه كتقاطع لحقيقة الامتثال التصوري المقترح ، فقد ينبثق( التعديل التصوري ) كرد فعل جمالي وكميزة مشروطة لتحقيق سمات الانموذج الابلاغي . فالحطاب في مشروع نصوصه ( بروفايل للريح ) حاول تقديم خاصية توصيلية تنبثق وتبرز لتدين البنية المجتمعية السياسية الراهنة ، ولكن ضمن خط إضاءات مقترحة من شأنها تمييز مجال جمالية تجربته الشعرية ومثاقفتها لمسببات دلالات خطاب نصب الحرية ، وقد تبدو من جهة ما مسوغات تجربته ، بمثابة انطباعات شفيفة عن أسيجة ظواهر معاشة في عمق الذات الناشطة لدى الشاعر تصوريا .

كأني رأيت المشاهد ــ من قبل ــ في السينما
: جنود من تنك
وجنرالات تصفر فيها الريح ! !
. . . .
. . . .
لن تمشي السيارات
بعكس السير هنا .

العالم والأشياء إذن هو من بات يؤسس ويدخل في تجربة( مشاهد الكلام ) عند جواد الحطاب ، فهو غدا يؤسس حياة معنى آخر لوجوده ، فيبرز هذا المعنى خير دليل على مشروطية دلالات نصب الحرية وعلى الذاكرة التصورية ، كذاكرة تبعث القول من جدة وجديد ، بوصفها عنوانا مهيمنا للعودة الأبدية . وبما أن اللغة تتأول عند الحطاب بالرسم المنحوت ، فهذا دليل آخر على إنبعاث كيفية الإقامة في منطقة التصور الترميزي ، لا بالمعنى الإسترجاعي ( التذكاري ) وأنما بالمعنى ( المشار إليه ) في ذاكرة الذات المزامنة لحركة التأثير والذائقة الشعرية ، من هذه الجهة لدى الشاعر تحتفظ بمنطقة الاستكناهية التفارقية الكامنة ما بين ( المصدر / الدخول ) إن الحطاب في مشروع نصوصه ( بروفايل للريح)
توجد ثمة قابلية هائلة للعبور بمعناه الديناميكي ، حيث يمكن عبور الخيال من تحقيق وجود صورة المنحوت في اللغة ، الى الانتقال الى حالة الصورة الحسية في الوجود المعنوي الذي راح يكثف خرق العادة الوصولية في القول الشعري الى منطقة استكناه حيوية مواطن شرطية الكينونة في دلالات ترميزية نصب الحرية .

 ( جواد الحطاب وشعرية العلامة المزدوجة )

في هذا المبحث تحديدا من مشروع دراسة مقالنا حول عوالم نصوص مجموعة ( بروفايل للريح ) قد نحظى بفرصة ما لتقديم موقع الشاعر جواد الحطاب في نسق تمفصلات شجرة القصيدة العراقية عامة ، لاسيما وأنني شخصيا لم تسبق لي فرصة تناول أي عمل من أعمال هذا الشاعر العراقي في كلا العهدين .. أقول بإيجاز شديد أن عوالم جواد الحطاب الشعرية
ذات بنيات تساؤلية متعددة تعتمد جدلية ( العلامة المزدوجة ) في كافة أبعادها الشعرية ، والقارىء لها لربما يشعر بضيق كبير ، نظرا لوجود محمولات علامية معقدة في جدل مشخصاتها الخطابية والتنصيصية .. فمشكلة قصيدة هذا الشاعر إنها دائما تكون حمالة لأوجه متعددة من العلامة والترميز وصولا الى مسببات نفسانية غير معروفة بالضرورة ، فعلى سبيل المثال ، تبدو القصيدة في مشغل هذا الشاعر التخصيبي ، عبارة عن خطاطات تستعين في انطلاقاتها بوسائط من ترسيمات فراغات نقطة ( اللا تحديد ) أو بوسائط تلقائية ( اسقاطات النص ) وهذا ما وجدناه من خلال أعماله الشعرية كمثال قصائد ( سلاما أيها الفقراء ) وقصائد
( يوم لإيواء الوقت ) وقصائد متفرقة قام بنشرها الشاعر في الصحف والمجلات .
ومن هذا المنطلق فأننا عندما نقرأ قصيدة جواد الحطاب ، قد نشعر بأن خلف لغتها ودلالتها ثمة توجهات أخرى مسكوت عنها ، دون التي نلمسها منذ زمن القراءة الأولى ، فقصائده عبارة عن إيغالات فضائية محنطة بالعلامات والواقعة الترميزية ، التي لا يمكن الأحساس بها في الوهلة الأولى ، لأنها دوما في ذاتها تشكل حيوات لغوية مصبوبة في أفق مواطن الإيحاء ( اللا مقصدي ) . أنا شخصيا من متابعي هذا الشاعر العراقي ومنذ زمن العهد السابق ، فقصيدة جواد الحطاب بمعزل كبير عن ما قرأته وكتبته عن بعض الشعراء العراقيين والعرب ، فتجربة الحطاب شكلا آخر من ضمير السارد وموضوع التساؤل، لذلك فهو دائما مقل في انتاجه الشعري كثيرا في تطلعاته ، بالمناسبة إن الكتابة عن قصيدة الشاعر جواد الحطاب ليس صعوبة في ذاتها أبدا ، ولكن ما هو صعب في الكتابة عنه ،
هو كيفية تشخيص إجرائية مساحة معالجاته لفرضيات الوصول الى فكرة مقولة الأشياء لديه ، والبحث عن فرضية قول الأشياء في مواطن معالجات النصوص ذاتها ، ربما هذا الأمر هو بحد ذاته يشكل إشكالية عويصة فعلا .. فمهما كان وعي الناقد كبيرا في أدواته ورؤيته بصيرة للنص ، فلا يمكنه من الأحاطة التامة في ما يعنيه ( سؤال فرضية النص )
والحطاب ذريعا في إخفاء فرضيات نصوصه وعلاماته الاختزالية في أفق المعالجة والملموسية الإجرائية . قد تبدو القصيدة من جهة ما لدى الشاعر سهلة البناء الشكلي للقارىء الشعري ، غير إنها في الوقت نفسه عسيرة في سلطة الخطاب وصوت الضمير الفاعل المركزي في النص ودلالاته .

 ( تعليق القراءة )

بعد الأنتهاء من زمن القراءة لنصوص ( بروفايل للريح ) لابد لنا من إيراد التعليق التأكيدي والاستنتاجي الأخير
لزمن تمفصلات قراءتنا لنصوص الشاعر وتسليط المزيد من الضوء على مديات هذه التجربة . .
 أقول إن تجربة ( بروفايل للريح ) لجواد الحطاب ، لعلها بعيدة كل البعد عن زمنية ومدلول حالات مجسمات نصب الحرية ، ولكنها في الوقت نفسه تقترب منه شكلا تعويضيا بمعنى كونها ذاتية متعلقة بحدود خطاب توسطي يزامن طموحات المزاوجة والإقتراب في السرد والحكاية أصلا وهوما يعني بدوره من إن تجربة نصوص جواد الحطاب ، ما هي إلا بنيات ربطية تسعى لتوفير حدود جديدة من الزمنية المخطوطية الذاتية الصادرة من منسوبية نصب جواد سليم .. ولكن شكل وظيفية التلقي لنصوص الحطاب قد تشعرنا بعمق صلاحيتها بوصفها إمتدادا تجريبيا وليس مجرد مصورات ومجسمات حجرية متوقفة بموجب زمن عيني محدد .. في الحقيقة أنا شخصيا لا أحبذ نمطية هكذا تجارب ، لأن القصيدة بطبيعتها خطاب متحرك وحال فنون الرسم والنحت بكل ابعادها التشكيلية ما هي إلا معارف ذاتية ذات أزمنة وأمكنة ودلالات متوقفة شكلا ومدلولا ، فأنا أعارض كل المعارضة من يقر جدلا بأن ما بين الشعر والرسم والنحت ثمة مناظرة وعضوية ومحاورة ونقطة التقاء في الهدف والمعيار والجمال ، فمثل هكذا تنظيرات ليس لها أدنى مكان في ميزان المعقولية والذوق ، نظرا لأن القيم التشكيلية الشعرية والسردية تفارق خرائطية تلك المتخيلات الرسومية ، ليس لأنها على ورق أو على جدار أو إنها من الألوان ، لا فليس الأمر مقصورا على هذه الحدود السطحية ، ولكن لأن الأبعاد في كلا العالمين متخالفة ومتناقضة وناشزة ، فكيف يصح وصف وتحريك زمن ألوان ومجسمات تشير في محتواها الكلي والمضموني والبؤروي الى دوال أزمنة ثابتة وساعات راسخة في حجرية تقاويم تواريخ النسيان .. ليس هكذا أمر جغرافيا القصيدة الشعرية ، فالشعر انفتاح متحرك في أعماق سكونية لغة الكينونة والعوالم السرية النابضة في مكامن طموحات اللغة ، وليس في أن يحاول شاعر ما تحريك مجسمات تواريخ حجرية محاولا إضفاءها لغة وذوق وجمال ، فلهذه الانصاب يا سيدي الحطاب أربابها ولغتها وجمالها وجموحها الذي لا يصيب إلا في مواطنه الأصلية الدالة .

لن أدفن تماثيلي الصغيرة في بابك
لأسترضاء موتاك ..
. . رأيتهم
يموهون بالذهب قبضات أسئلتهم
ويقدمون تلك الأجوبة
في بريد مساء السبت .

إن فعل الكتابة لدى الحطاب لأجواء ودلالات نصب الحرية كان من اللازم أن يأخذ بالاعتبار أولا عاملية قواعد وأصول وأنساق ذلك الفن لدى جواد سليم ، حتى وإن استحالت وسائلية معرفة كيفية القراءة والكتابة بشكل أطروحة المحاكاة لتلك التأويلات النصبية ، فعلى سبيل المثال ، كان من الخليق على الشاعر الحطاب استخدام نفحات لغة ملحمية في رصد معايناته لسلطة اطلاقية تقاسيم النصب المفترضة .. وعلى هذا الشكل وحده كان من الممكن توفير اشارات وملامح وبنيات تكون قريبة من كائنية القصدية المدلولية في حاضنة النص .

لماذا
لماذا
؟ ؟ ؟ ؟
من يملك الاجابات
سيخسر حكمة الاسئلة
.. فكر
كم حكمة خسرتها
حيث لم تصبح علامة استفهام ؟ ! !

أنا شخصيا واثق الى حد بعيد من إن الحطاب كان لا يريد خلق ذلك الارتباط الحميمي مع موضوعة النصب ، وذلك لأنه عندما يتحدث عن الأشياء في نصوصه يقودنا نحو منطقة تأثير حكمي ذائقي مخيالي فردي أصله طرف الشاعر ورؤياه الخاصة التي مفادها بالمحصلة الأخيرة مشهد تداعيات المؤلف إزاء اللحظة التصويرية الخاصة به تحديدا : ولكن الى أي حد يمكن للقارىء أن يعتقد بوجود هذه الصورة الأيقونية والعنوانية للمؤلف ( تنويعات على نصب الحرية / رسم جانبي للمطر ) أقول قد يكون الشاعر الحطاب ميالا لتجربة النصب نوعا ما ، ولكنه لم ينقل ويسجل سوى يافطة رؤياه الذاتية الخاصة ، وليس لمداليل جواد سليم أية واسطة لصنع نصوص ( بروفايل للريح ) فقد يكون الشاعر مهووسا بأسم النصب وأحلام جواد سليم الفنتازية ، دون أن يكون لذلك أية علاقة مع قصديته الفعلية في انشاء فضاء تجربة نصوصه .. وأعتقد من جهتي الشخصية بأن أفكار ورؤية( رسم جانبي للمطر ) ماهي إلا ارساليات حالات خاصة للشاعر فحسب لأنها جاءتنا بتأويلات مغايرة لسيناريو جواد سليم .. فالضمير الفاعل فيها هو المتكلم ــ الى الغياب ، كما أنه في الوقت نفسه وثيق الصلة بجزئية النموذج والأختلاف في مداليل نصب الحرية .

لا أجراس في عنقه ..
هو.. الثور السماوي
يرى ما لاتراه المدينة :
تحت الضروع
يهرب الرعاة
أصابع ديناميت !!
دفعا لأشتباه العشب
صنع القدماء للثيران أجنحة ؟ !

إن القارىء لأجواء مجموعة ( بروفايل للريح ) قد يلاحظ بشكل ملحوظ مدى تأسيس الشاعر لحدود معنى الغيبة في دليل الخطاب بين معالجة وأخرى وبين صورة وأخرى ، وصولا الى ظاهرة متعددة الأشكال والايقاع في اطار متوحد وموحد ..
 وفي الأخير لا يسعني سوى القول بأن تجربة عوالم ( رسم جانبي للمطر ) أمكانية خاصة في انبثاق شعلة رمزية الاتصال الموضوعية في حافزية أمتداد الدوافع التصويرية الرفيعة ، فالخطاب في مشروعه الجديد هذا ، راح يعيد مشغل الشاعر الاختباري الملائم لأرتجالات الذهن التخييلي في لحظة ممتدة بين الذات والعالم الخارجي المفترض في شرنقة الشاعر وحده .. فسلاما .. سلاما لك منا شاعرنا الجميل جواد الحطاب .