بسم الله الرحمن الرحيم
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].
ورد في الآية المباركة بعض المصطلحات التي يستوجب معرفتها . وهما يشكلان سقف الاية المباركة .. اولها الفساد , والثانية الكسب ” ما كسبت ايدي الناس ” فما هو الكسب ..؟.

قال أبو حيان: «الكسب: أصله جلب المنفعة ،واجتناب الضر» اما قول الطبري: «أصل الكسب: العمل. فكل عامل عملًا بمباشرة منه، فهو كاسب بما عمل» .بهذا يظهر أن الكسب هو جلب النفع، قال تعالى :”لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ”.. ** توضيح الفكرة القرآنية

** ــ حقيقة قرآنية تكشف عن واحدة من السنن الإلهية الجارية في العباد، وهي المصيبة النازلة والنوائب التي تحل بالإنسان سُميت مصيبة لأنها تصيب الإنسان المقصود بذاته كونه المستهدف والمطلوب بها كما يصيب السهم الهدف .. وهذا بيان ظاهر المعنى في(كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وهي السيئات والمعاصي التي يعملها الانسان . فيكون معنى الآية ان المصائب التي تنزل بكم أيها الناس في دينكم وفي أنفسكم وأهليكم وأموالكم وسائر ما أنعم الله به عليكم من نعم معنوية ومادية هي بسبب بعض ما صدر منكم من الذنوب وليس كلها، لأن الله تعالى (يَعْفُو عَن كَثِيرٍ) لان لا بد عندك بعض اعمال الخير قال تعالى (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ).. فالمصائب تقع بسبب أفعال العباد مباشرة وغير المباشرة لكن بإذن الله تعالى وبفعل القوانين التي جعلها الله تعالى للموجودات ويدفع عنهم (وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)..يتركهم أحياناً أهدافاً للسهام التي اعدّوها هم لأنفسهم لتصيبهم بفعل القوانين الطبيعية التي جعلها الله للفساد.

** الحكمة من ذلك :الآية فيها تطمين ورحمته لان ما يحل بنا من مصائب هو بعين الله تعالى فيه تخفيف للذنوب التي تثقل الظهر، والله رؤوف بعباده فيختار لهم الحال الذي يناسب صلاحهم، في مجمع البيان: روى أنس عن النبي (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى (إن من عبادي من لا يصلحه الا السقم ولو صححته لأفسده، وإن من عبادي من لا يصلحه الا الصحة ولو اسقمته لأفسده، وإن من عبادي من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقرته لأفسده، وذلك أني ادبّر عبادي لعلمي بقلوبهم).

روي عن أمير المؤمنين (ع) قوله (اتقوا الذنوب، فما من نكبة, ولا نقص في رزق الا بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبةـــ وعن الامام الصادق (ع) (إن العبد اذا كثرت ذنوبه، ولم يكن عنده من العمل ما يكفّرها، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها..

بناء على هذه القاعدة..!! فهل يكون اهل البيت{ع}من اهل المعاصي كونهم وقعت عليهم مصائب عظيمة..؟.{ ورد في الكافي عن علي بن رئاب قال (سألت الصادق(ع)عن قوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أرأيت ما أصاب علياً وأهل بيته من بعده (أهو بما كسبت أيديهم) وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إن رسول الله{ص} كان يتوب إلى الله ويستغفر في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخصُّ اولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها) ورد في قول النبي (ص) للحسين (ع).. ( إن لك عند الله مقامات لن تنالها الا بالشهادة). فبلائهم لها خطابات خاصة تتناسب ومقامهم ..ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله (إن البلاء للظالم أدب وللمؤمن امتحان وللأنبياء درجة وللأولياء كرامة) وهناك حوار جرى بين الامام زين العابدين (ع) والملعون يزيد، حينما أُدخل أهل البيت {ع} على يزيد ضمن كلامه قال للإمام السجاد (ع) متشفياً شامتاً:

يا علي: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم) فأجاب (ع) (كلا، ما نزلت هذه فينا، إنما نزل فينا (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا). فيكون البلاء للتزهيد في الدنيا وزيادة التبصرة في حقيقتها .وثواب الموقف وتحمل المصائب في سبيل الله. وهو يستحق اجر عظيم. ثانيا هم يختارون الموقف الرافض للخلفاء الباغين الطغاة , فيكون موقفهم في سبيل الله.

*** المصطلح الثاني الفساد:

ما معنى الفساد ..؟ الفساد في معاجم اللغة هو ضد الاصلاح. ومعنى الفساد في اصل اللغة (البطلان) يقال فسد الشيء أي بطُلَ مثل كلام فاسد نسميه كلام باطل, يقول الرسول{ص} (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان) الحديث الشريف هذا للإنسان الذي يحمل حب الدين بين جنبيه .وهو مصداق قولك في الزيارة للامام الحسين {ع} يوم العاشر, تقول:” اني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم” هذا يعني انك تلزم نفسك ان تقف ضد الباطل والفاسد وان تنكر المنكر على وجوه ثلاثة حسب الإمكان، إن لم يستطع تغييره بيده فعليه تغييره بلسانه، ثم إن لم يكن ذلك فليس عليه أكثر من إنكاره بقلبه . **ويأتي الفساد بتعبير اخر حين تفسد الزراعة بسبب الجدب وانقطاع المطر فتفسد الارض .وهو ما اشارت اليه الآية الكريمة (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).. وحين يطغى الظلم بين افراد المجتمع يطلق القران على المجتمع مصطلح فاسد.(للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً)..

واخطر نوع من أنواع الفساد الاجتماعي هو عصيان الله في التعامل مع الناس واشاعة الرعب وتأسيس العصابات. يقطعون الشوارع بالسلب والنهب وقتل الناس الابرياء, يخطفون ويبتزون.. يقول تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) هنا جاءت كلمة الفساد تعني السلابة في الطرق والشوارع وعمل سيطرات وهمية وجميع اعمال الارهاب..

.وتعني كلمة فساد “سوء استخدام المنصب والسلطة للحصول على مكاسب حرام كالرشوة واستخدام القانون لإرغام الناس بدفع اموال رشوة سحت حرام للفاسد الذي يسنده القانون..بعض اصحاب المناصب يستغلون أي خلاف بين الناس , وهو من واجبه خدمتهم بحل الخلاف ولكنه يستغل منصبه فياخذ رشوة من الطرفين..**ويأتي الفساد بالاتفاق بين المسؤول وبين من ينفذ مشروع للبلد , فهناك لجان من الموظفين تطلب اموالا من المنفذ للمشروع ويقبضون الرشوة الحرام ولا يهمهم ما كلفوا به من حرص على البنى التحتية للناس. واخرون يقبضون مقدما عند احتالة المشروع قبل التوقيع .. لذلك وقف الاسلام ضد الفساد الذي يقوم به البعض تحت أي عنوان..

اما الفساد المالي والإداري فانه مفهوم واسع لا يمكن أن يحويه تعريف جامع له، وخير من عرف الفساد المالي والاداري, قال انه “خلل بشرف الوظيفة وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص” . فاذا ركن معتقداته وشرفه جانبا , واتخذ من القانون عاملا مساعدا ليفسد ماليا واداريا , فانه تنازل عن شرف المهنة وعن العقيدة الدينية والاعراف الاجتماعية .فما قيمة الوظيفة الكبيرة حين يلقى القبض على قاضي وهو مرتشي..؟

الفساد المالي والاداري لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها , وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول, كونه خطر على الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإداري, ولذلك جاء القران الكريم بموقف متشدد يحمي المجتمع من اخطبوط الفاسدين والمنحرفين .. والشواهد كثيرة على ان أي مبرر لسرقة الاموال العامة فهي محرمة وممنوعة في الاسلام. يقول تعالى:” وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ”. وقوله تعالى :” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” .اذن الاسلام بريء من أي شخصية وعنوان فاسد في المجتمع قولا وعملا وفكرا. حتى لو كان اقرب المقربين من الانبياء والاولياء .!!

** اشتهر في التاريخ الاسلامي شخصية تمثل( جوهر الاسلام وحقيقته) هو علي بن ابي طالب(ع) انه كان رائد الاصلاح الاول في الامة؟ ماذا فعل الامام حتى توج بهذا اللقب .. وكيف تمكن هذا الرجل من القضاء على الفساد.؟ رغم ان المهمة صعبة جدا. وكلفته حياته الشريفة من قبل الفاسدين. ــــــــــــــ ماذا فعل الامام علي{ع} للقضاء على الفساد ؟.

مقدمة للموضع: ليست المشكلة بوجود فاسدين في الدولة بل المشكلة في معالجة الفساد وعدم معاقبة الفاسدين والسكوت عنهم. لان السكوت وراءه اسباب ،هذه الاسباب تبين الفرق بين الحاكم العادل الذي يحارب الفساد فعلا. حتى لو وقع الضرر عليه ..لان هناك حاكم فاسد يراوغ ويساوم عصابات الفساد ويتعامل معها لكي تحميه ولا تزيحه عن السلطة بسبب قوتها والتحكم في اقتصاديات البلد .ــــــــ اليك الدليل انه على الحق.

**تحديدا بعد وفاة الرسول{ص} حدثت أمور ادت إلى ظهور فساد الحاكم. سنمر عليها ..حين وصل الامام علي {ع} الى السلطة تصدى للانحراف والفساد وسرقة المال من بيت المال .تحت حماية القانون . فقام بخطوات ليقضي على الفساد وزال الفاسدين عن مراكز القرار .الخطوات هي .

اولا: رفض الإمام علي (ع) البيعة على سيرة ابي بكر وعمر لتعارضها مع سنة النبي محمد {ص} في توزيع المال, لأنه يرى تجاوز على دستور الاسلام , منها:..من قتل دون ذنب بعنوان حروب الردة ..وعدم اقامة من قبل الخليفة الاول على احد القادة هو خالد بن الوليد بجريمتين (القتل ــ والزنا بزوجة قتل زوجها قبل ساعة).هذا الفساد فتح ثغرة بالقانون الاسلامي. ان يقوم شخص بقتل مسلم والزنا بزوجته , ولم يقام عليه الحد ( في وقتنا لم يحال الى محكمة) ولذلك تجد الافكار الجهادية الان بعيدة كل البعد عن سماحة الاسلام , لان من يسمي نفسه مجاهد يستند الى تاريخ كان يبيح بعد وفاة النبي {ص} { سبي النساء المسلمات وغيرهن تحت عنوان اسيرات, ….

***{لم يُشرِّع الإسلام سبي النساء إبتداءاً وإنما لان السبي كان قبل الإسلام بين الأمم ونظاماً معمولاً به في الجاهلية {بوجوهٍ شتى تُسترق بها النساءُ} ليس له ضوابط , فلمَّا جاء الإسلام الغى جميع القوانين في اسر المراة .وحصرها في القتال المشروع مع المُحاربين المشركين, ولم يبقَ من قانون الاسر{ الا في ساحة الحرب} فاصبح اسر المراة ليس بسبب كفرها بل بسبب خروجها لقتال المسلمين .فاقتصر الاسر على المقاتلات في المعارك والمحرِّضات على القتال ، ولا شك أن سبْيهُن افضل عليهن من القتل بكثير , ولا يشمل السبي غيرهن من نساء وبنات البلدان أثناء الفتوحات كما حدث مع اليزيديات في العراق حين سُبيت الحرائر ظلماً بغير وجه حق وقيَّد الإسلام السبي بمعاملتهن بالرفق والحُسنى واللين فمن رغبت في الدخول إلى الدين تصبح مسلمة كما حدث لصفية كصفية بنت حُيي بن أخطب وجويرية بنت الحارث إذ كان سبيُهما سبباً في زواجهما من رسول الله{ص} لتكونا بذلك من أُمهات المؤمنين.

ثانيا: كانت قرارات الامام علي في اصلاح الفساد . انه اصدر امرا بمصادرة جميع الأموال التي نهبوها من بيت مال المسلمين، سواء من الصحابة او بني امية حاشية الخليفة.. لان الخليفة قسم الاراضي عشيرته بني أميَّة، فأعطى لولده ثم ابناء العاص، وآل الحكم لكل رجل 10 آلاف وللنساء نصف المبلغ، وقسم الاراضي والاموال في {بني العاص وبني العيص وبني حرب}، اما فدك فقد وهبها لمروان بن الحكم تبين ان عثمان كان يعطي اموال بيت المال لأقربائه وفق اجتهاده , والمصيبة بعض العلماء ذهبوا إلى أنَّ سهم ذوي القربى هو لقرابة الإمام حصرا.

يقول ابن تيميَّة :إنَّ سهم ذوي القربى مخصص لقرابة الإمام، كما قال الحسن البصري وأبو ثور، قالوا ان النَّبيّ (ص) كان يعطي أقاربه” بحكم الولاية”، فذوي القربى في حياة النَّبيّ (ص) هم قرباه، وبعد موته تحول عنوان ذوي قربى الى مَنْ يتولى الأمر والحكم .. السبب(لأنَّ نصر وليِّ الأمر والذَّبَّ عنه متعيِّن، وأقاربه ينصرونه ويذبُّون عنه وهذا لا يفعله غيرهم، وقالوا: ان مَنْ تولَّى الأمر بعد عمر كان يخصُّ بعض أقاربه إمَّا بالولاية والمناصب أو بمالٍ او بالأراضي .

موقف الامام علي {ع} من هذه الاموال.. اول اجراء قام به انه أعاد كل القطائع{ الاراضي} التي وهبها عثمان الى بيت مال المسلمين فيقول في ذلك (وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ).

ثالثا: قام الامام بعزل جميع الولاة الفاسدين .. وهذه من مهمات رئيس الدولة فكانت إجراءات أمير المؤمنين (ع) في مكافحة الفساد بقيامه بعزل الولاة الفاسدين .. ذكر الطبري في تاريخه: (قال ابن عباس يا أمير المؤمنين أخبرني عن المغيرة ولِمَ خلا بك..؟ قال جاءني المغيرة بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي أتأذن لي ان اختلي معك , فأذنت له فقال:.. إنّ النّصح رخيص وأنت بقية النَّاس وإني لك ناصح وأشير عليك برد عمال عثمان {عامك هذا فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم} فإذا بايعوا لك واطمأن الأمر لك, عزلت من أحببت وأفررت من أحببت فقلت له: (والله لا أداهن في ديني ولا أعطى الدنية في أمري) قال فان كنت قد أبيت عَلِيّ فانزع من شئت “واترك معاوية فإن لمعاوية جرأة “وهو في أهل الشام مسموع .. وانت لك حجة في إثباته. .لان عمر بن الخطاب ولاه الشام كلها فقلت: {لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبدا} فخرج من عندي ,ثم عاد في اليوم الثاني :فقال لي: إني أشرت عليك بما أشرت به فأبيت علي ثم نظرت في الأمر فرايتك مصيب ــ لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ولا يكون في أمرك دلسه، والدلسة هو الامر الخفي ما يعمله الناس في الظلام ..

.فقال ابن عباس: فقلت لِعَلِيّ (ع): أما أول ما أشار به عليك فقد نصحك وأما الآخر فغشك وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله قال عَلِيّ” لا والله لا أعطيه إِلَّا السَّيف” .من ضاق عليه الحق فالباطل عليه اضيق…!! فموقف ابن عباس ابقاء معاوية.

فعزل علي {ع} جميع الذين ولاهم عثمان، رغم ما أشار عليه بعض أصحابه أن يبقيهم حتى تستتب الأمور ثم يعزلهم، أو ان يعزل بعضهم ويبقي آخرين، إلا أنه رفض ذلك وعده مداهنة في الدين، ويؤيد ذلك رفض الامام إبقاء الفاسدين في السلطة.. وطلب ابن عباس من أمير المؤمنين (ع) أن يثبت معاوية، فإن بايعه عزله فيما بعد، فأجابه لا والله لا أعطيه إِلَّا السَّيف، يبين هذا إصرار أمير المؤمنين على محاربة الفساد ورموزه، هذا منطق العدل، وهو معيار دولة العدل الإلهي المتمثلة بخلافة علي(ع).

*** تعقيب على هذا الموقف من الامام {ع} المعروف ان الحزب الاموي ليس هينا باعتبار انهم كانوا يمثلون حزب السلطة في تلك الفترة من التاريخ الاسلامي كان لدى الامام{ع} فرصة ثمينة لعقد صفقة محاصصة ويقتسم الحكم معهم ويجذبهم لصفه لكنه لم يفعل.. بالمقابل امر بمصادرة جميع اموالهم التي استولوا عليها دون وجه حق من خزينة الدولة وقد برزت في تلك الفترة قضية كبيرة لدى الراي العام الاسلامي تحت عنوان “قطائع عثمان” وهنا سنسمح العالم الكبير والمؤرخ ابن ابي الحديد ليحدثنا عن تلك القضية ليقول ” القطائع ما يقطعه الإمام لبعض الرعية من أرض بيت المال ذات الخراج ويسقط عنه خراجه ويجعل عليه ضريبة يسيرة عوضا عن الخراج وكان عثمان أقطع كثيرا من بني أمية و غيرهم من أوليائه و أصحابه قطائع من أرض الخراج على هذه الصورة..

كما ان عمر وهب قطائع لبعض الصحابة ولمن شاركوا في الحروب الاسلامية المشهورة(اعتبر ذلك ثمنا عما بذلوه من جهاد ومواقف) فرفضه الامام علي (ع)اما موقفه من صرف الاموال رواتب عالية للمجاهدين وذوي الصحبة للنبي(ص) .يقول (ع):أيَّما رجل استجاب لله وللرسول وصدَّق ملَّتنا ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام ، “فأنتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية”، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غدًا أحسن الجزاء وأفضل الثواب،ــ لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرًا ولا ثوابًا وما عند الله خير للأبرارــ . فثار عليه بعض الصحابة ممن تضرر بالعدل , وثارت عليه نساء حملهوهن على جمال الى البصرة لقتال الامام {ع} .. واستمرت الحروب طيلة فترة حياته الى ان توجها بالشهادة ,, وقال كلمته المشهورة . { فزت ورب الكعبة}.

** وعملها ولده حين طلبوا منه ان يقول ليزيد بايعتك . فقال لا ( مثلي لا يبايع مثله)وهناك من بايع يزيد وبايع الحجاج واستمر الفساد بمبايعة كل طواغيت الارض قديما وحديثا .. ويبقى صوت الحسين ./ايها أبا الأحرار أي كريمة**تبني الخلود، وليس منك لها أب**أنت الذي أعطيت ما أعيا الورى**تصديقه، ووهبت ما لا يوهب**وقفت حيث أراح غيرك نفسه** والحق بينكما يهيب ويرغب**ووقفت للتيار تشمخ هادرا**سيان أغلب موجه أو يغلب**دوى بآذان الزمان هديرك الصافي**وضاءت من سناه الأحقب** وتركت للاجيال حين يلزها ** عنت السرى ويضيق فيها المهرب * جئت الضحايا من بنيك تريهم**أن الحقوق بمثل ذلك تطلب…

وحظي اصحاب الحسين من موقف الحسين{ع} اجمل واعظم فرصة ليبينوا حقيقة موقفهم . صورة من طقوس المجاهدين هذه الليلة:ترجم انصار الحسين الموقف الليلة الى مدرسة جديدة في الفداء ظاهرة سعيد بن عبد الله الحنفي هي ظاهرة فريدة في التضحية من أجل الحسين وخدمته . انه جعل نفسه درعا للإمام يتلقى الموت من خلال سيل السهام التي وجهها القوم للإمام مستغلين انشغاله بالصلاة, … هنا وجد سعيد فرصة حاضرة التضحية , أن يدفع عن الإمام الموت بنفسه ونحره.فصار يتلقى الموت على جرعات نبتت في جسمه عدة سهام . سهام تنغرز ببدنه فاعطى صورة للعالم كيف يكابر المجاهد بالموت ويختار الموت لنفسه ويدفعه عن امامه ..ولكن الموت كان يزحف في جسمه بذعر وتوجس , فلم يقدر أن يتحمل أكثر , لما انتهى الامام من صلاته, سقط سعيد على الأرض. أراد أن يتأكد أن عمله مقبول ,التفت للإمام وقال : سيدي أوفيت يا ابن رسول الله ..؟ لم يلتفت إلى السهام ولا إلى الجراح ونزف الدماء . فبشره الحسين {ع} قبل موته بلحظات: قائلا له : ” نعم أنت أمامي في الجنة وابلغ جدي رسول الله , وقل له إني تركت حسينا في الأثر ” أي استخفاف بالموت في هذه الليلة وآي فداء يحملونه وهل هناك دروس أعظم من مدرسة الحسين(ع).هكذا لون الحسين بثورة الفداء .. عابس بن شبيب الشاكري يرمي سيفه ودرعه فيخاطبه اصحابه اجننت يا عابس. فيجيب ان حب الحسين اجنني.. تكلم بهذا وهو بين صليل السيوف ورمي الرماح . إلقاء الدرع والمغفر حالة من حالات “التبرع” والتنازل عنها حتى يطمع العدو “الجبان” في منازلته أن يقاتلوا عابساً حينما تخلى عن كل آليات الدفاع ليسهل قتله ,فعابس اعطى صورة في الوقوع على الموت.

لم تخلوا مواقف كربلاء للرجال فقط بل شاركت النساء .. انظر الى ام وهب النصراني والى زوجة علي بن مظاهر الاسدي. وطوعه

تقله انهض لفاك الجيش يا حيد…يردون يولونك يا صنديد..أريدن مراجل عمك تعيد..وتخلي جثثها تارسه البر…/

يقلها يا طوعة تشجعيني…وبعمي حيدر تذكريني..أنا ما دام صمصامي بيميني…بعزم الله لرد جمع اليجيني.. تكله لو اسلمت من كيدهم سلم على حسين .. يكلها يطوعه اليوم ما تحصل سلامة .. اوصيج جان بهل بلد طبوا يتامه .. كولي لهم مسلم يبلغكم سلامه .. واجرج على الله والنبي وسيد الكونين ..