الشيخ عبد الحافظ البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}( البقرة 135)
قوله تعالى : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) نزلت في رؤساء يهود المدينة كعب بن الأشرف وجماعة من علماء اليهود .وعلماء النصارى أهل نجران ،لان موضوع الخصام بين الاديان مسالة قائمة منذ الازل . كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله ،قالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ،فيكون ديننا أفضل الأديان.
** وعقيدة اليهود انهم كفروا بعيسى والإنجيل وبمحمد{ص}والقرآن ، بينما النصارى قالوا : نبينا أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان وكفرت بنبوة محمد{ص}والقرآن ،قال كل واحد من هذه الفرق كونوا على ديننا فلا دين غيره فقال تعالى (قل) يا محمد ( بل ملة إبراهيم) الاية تبين ان العقيدة الاسلامية تتبع في كثير من احكامها ملة إبراهيم ثم جاءت كلمة حنيفا ..
الحنيفية هم اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماما للناس.. معنى الحنيف هو المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، وأصله من الحنف ، وهو ميل وعوج يكون في القدم ،هذا من الناحية اللغوية .. اما من الناحية التطبيقية .. الحنيف هو سلوك من شريعة ابراهيم قبل الإسلام وقد تمسك بتلك الشريعة عدد من اشراف العرب وعلى راسهم اباء واجداد نبينا محمد{ص} فهم مسلمون قبل الاسلام من صفاتهم كانوا يختنون ابناءهم , بعكس اغلب الاديان الذين لا يمارسون هذا النوع من الختان .غير ان اليهود وهو أمر ثابت في شريعتهم يختن الطفل اليهودي بعد ميلاده بسبعة أيام على الأكثر، حتى ولو وقع اليوم السابع في يوم السبت، أو في عيد يوم الغفران، أكثر الأيام قداسة. وذُكر الختان في العهد القديم في ثلاثة مواضع … اهـ. ومن ممارسات الاحناف واختلافهم عن العرب انهم يحرمون الزواج من الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات. اما حالات الزواج عند العرب قبل الاسلام .
** الزواج المُتعارف عليه عند العرب قبل الإسلام في الحواضر والبادية، هو «نكاح الصَّدَاق» “البعولة” وهو الزواج القائم على الخطبة والمهر والإيجاب والقبول، يخطب الرجل إلى الرجل ابنته او اخته ويُعين لها صَداق ثم يَعقدُ عليها، وكانت قريش واغلب قبائل العرب على هذا المذهب من الزواج ذلك لشدة اهتمامهم بالأنساب وحفظهم للنسب، وهذا الزواج أقره الإسلام. وكانوا في الجاهلية لا يقرون زواجًا ولا يعترفون بشرعيته إذا لم يُدفع فيه مَهرًا – صَداقًا – وكل زواج خالف ذلك عُدَّ بغيًا وسِفاحًا وزنًا عندهم، ذلك أن {المهر كان عندهم علامة شرف المرأة} وكانوا يعتبرون حجم مبلغ الصداق اكراما للزوجة وبعكسه ويرون فيمن يخالفه لؤمًا ومدعاة للعار.
** ووقف الاسلام موقفا مغايرا للعادات الجاهلية في المهور . قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). وعنى الايامي :هي المرأة التي لا بعل لها، والرجل الذي لا زوج له.
**ــــــــ بعد هذه النظرة السريعة للشرائع السماوية . الا اننا نرى من خلال الواقع الذي نعيشه ان هناك صراع محموم بين الاديان السماوية . كل دين يحاول ان يستقطب ابناء الديانات الاخرة . هذا الصراع بين الاديان خلق فجوة في تفكير الشباب . فالتجئوا الى منظمات حركات الحادية. خاصة في الفترة بعد سقوط النظام .. وحركات التي سميت بالربيع العربين .. هنا نحاول ان نبين اسباب الحاد بعض الشباب .!!
** في البداية .. من هو دين الحق؟ هل هو الإسلام، أم المسيحية، أم اليهودية؟ بالرغم من أنها جميعًا ديانات توحيد تدعو جميعها إلى فكرة الإله الواحد، وأنها رسالات من الله إلى عباد الله عن طريق رسل جاءوا معهم معجزات تبين صدق اقوالهم ..وعندما تبحث في تلك الاديان نجد فيها مبادئ كثيرة متشابهة، هذا دليل أن مصدر الرسالة واحد ،فهم جميعًا يدعون إلى عبادة الله وأن هناك حساب على كافة الأفعال، وتجدها تحرم أفعال الشر وتدعم أفعال الخير، وكذلك تتفق جميعها في أن للحياة نهاية وبعدها القيامة اما في الجنة اوالنار وتعاليم أخرى كثيرة، وبالرغم من هذه المتشابهات والاتفاق على المضمون إلا أننا نرى جدلًا دائمًا حول ما هو دين الله الحق، فترى انقسامًا وتحيزًا كبيرًا، فكل فريق ينحاز إلى كتابه وإلى دينه والبعض منهم ينكر ويكفر الآخر بدافع من الغيرة على كتابه ودينه، وأغفلوا الكثيرون أن المصدر واحد والهدف للرسالات السماوية واحد، ويبقى الاختلاف بينهم في اسم الرسول واسم الكتاب.
** نماذج من التشدد والتعصب الديني: بين فترة واخرى نسمع تصريحات من هنا وهناك تشعل روح العداوة .تارة رسوم كاريكاتير تسيء لسيدنا محمد{ص} وتارة تصريحات بتكفير المسيحيين أو اليهود وهكذا، ولا أريد أن أستطرد في الحديث عن هذه الأمور، ولكن علينا نحن أن نتساءل عن جدوى هذه الأفعال، لماذا يروج البعض لروح الاختلاف والعداء؟ ومن المستفيد من وجود هذه العداءات؟ وللإجابة على ذلك علينا البحث في جغرافيا الأديان وتعداد كل منهم لنعرف من المستفيد ومن يقف وراء هذا الانقسام والعداء، وعندما نتحدث عن تعداد أصحاب الديانات السماوية فنجد أن أول الرسالات هي اليهودية وكتابها التوراة، فتعداد اليهود حول العالم حسب آخر إحصاء هو 14 مليونًا تقريبا 0.2% من سكان الأرض، وتعداد ثاني الرسالات السماوية وهي المسيحية وكتابها الإنجيل، هو هو اثنان مليار و189مليونًا ويشكلون حوالى 33.2% من سكان الأرض، وتعداد المسلمين، مليارو600مليون تقريبًا وهم حوالى 23% من سكان الأرض. هذا التعداد البشري لمعتنقي الاديان الثلاثة ..
فيكون تعداد سكان الأرض سبعة 7 مليار نسمة هذا يعني نصف سكان الأرض غير مؤمنين بالله اساسا .. ملحدين او لم يعتنفوا دينا بالأصل. ولا يعلمون عن خلق الله شيئًا ولا رسالات السماء أي شيء، {{هذا يجعلنا نتساءل من المستفيد من ايجاد هذه الروح العدائية للأديان .!!؟ لا بد ان يكون هناك جهة تخطط لأبعاد نسبة اكثر البشر عن الاديان السماوية. الجواب واضح المستفيدون هم{ تلك الفئة التي لا تؤمن بوجود الله يهمها فقط أن تظل فكرة صراع الأديان هي المسيطرة على الوضع..
** تكامل الأديان ومسألة غير المؤمنين بالله : ذكرنا أن هناك نصف سكان الأرض غير مؤمنين بوجود الله اساسا، اذن هؤلاء يمثلون خطرا على الفكر الانساني كونهم ينساقون وراء جماعات ومنظمات تخطط ان ينتشر الالحاد في النصف المؤمن بالله والانبياء.. وهؤلاء من اكثر الناس خطرًا على كل الأديان السماوية، ومن هنا يجب أن تكون البداية أن تتحد ديانات السماء في شن الحملات والدعوة للإيمان بالله، ودور كل من يؤمن برسالات السماء أفضل أن يكون على دين سماوي من أن يكون كافرًا بالله، إيمان البشر بالله وبوجوده له تأثير عظيم على سلوكياتهم وعلى طريقة حياتهم، هكذا يجب أن نفكر، هكذا يجب أن تكون خطط التكامل الديني لنشر الإيمان بالله على الأرض التي خلقها الله و أنزل رسله وكتبه لتدعو البشر لعبادته، اذن هناك تقصير من جهات عديدة . لم تتمكن ولم تعرف كيف تواجه تيار الالحاد. وخير دليل اننا لا نمتلك اعلام ديني مستقل. وهو من اهم اسباب التقصير في توصيل رسالة السماء إلى غير المؤمنين بالله؟!، بالرغم من وجود هذا التقدم التكنولوجي وانتشار العلم والمعرفة، إن معدل انتشار الدين والإيمان بالله في عصر التكنولوجيا والمعرفة وتقدم وسائل الاتصال أقل كثيرًا من عصور مضت كان الاتصال فيها بطيئًا جدًا ،وهذا ناتج عن انشغال بعض القائمين على الأمر في تكفير أصحاب الديانات الأخرى ،بل تكفير المذاهب بعضنا لبعض .نعم عندنا المذاهب كافة محطات فضائية ترفع الاذان وتقرا القران. ولكن تقدم برامج عقائدية وثقافية هي السبب في ابتعاد ابناءنا عن الدين ..بدلا من تقديم زاد ثقافي طيب وبدلا من القيام بدور تعبئة الناس لله والدين. نجد برامج تصرف عليها مليارات الدولارات من اموال المسلمين تنشر الحقد المشاحنات والاختلافات فيما بيننا إلى حد الشتم لرموز المذاهب علنا . واصبحت الكلمة النابية ضمن البرامج التي يعدونها تعبوية للشباب . والامثلة كثيرة.
النقطة الثانية : مسألة التكفير: كيف نشأت وطرق العلاج : الان نعيش ظاهرة التكفير المنفَلِت، وهي من أخطر الظواهر التي تُعانيها أمّتنا الإسلاميَّة، وهي التي سببت إضعاف الوحدة بين المسلمين، وسببت تمزيق المجتمع الإسلاميَّ , وحل النزاع بدل التَّعاون، والفُرقة بدل الوحدة. البعض يعزي السبب لوجود روايات في كتب المسلمين تعطي الشرعية في التكفير والقتل للأخ المسلم. النقطة الثانية هو الجهل المدقع .. ومعنى الجهل المدقع هو{ غياب صورة الفهم مع الشعور بالذلة امام المعلومة} فيصدقها ويتعصب لها .. الجهل لو ركب راس انسان وتم حشوه بعقيدة فاسدة يكون كارثة على امته. لان التكفير لا يرى دين السماء الا من خلال القتل والحرق والخطف وانزال البلاء بكل اشكاله بالمسلمين وغيرهم ,لذا، من الأهميَّة الوقوف عند هذه الظاهرة لمعرفة أسبابها والعوامل التي ساهمت في نشأتها، باعتبار أنَّه لا يُمكن تقديم أي رؤية لعلاج هذه الظاهرة، الا من خلال الكلام المسؤول الواعي:
**هناك قصة عن الامام زين العابدين {ع} كيف عالج منطق التكفير. جاء شيخ دنا من نساء الحسين{ع} وعياله، وهم على درج باب المسجد، فقال: “الحمد لله الذي قتلكم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين يزيد منكم، فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية ” قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ” قال الشيخ: قد قرأت ذلك فقال له الامام: نحن القربى يا شيخ، هل قرأت هذه الآية ” واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ” قال نعم، قال الامام :نحن القربى يا شيخ وهل قرأت هذه الآية ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” قال الشيخ:قد قرأت ذلك قال علي: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ!:فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به ثم قال: بالله إنتم هم؟ فقال الامام: والله إنا لنحن هم من غير شك، وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد من جن وإنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إن تبت تاب الله عليك، وأنت معنا، فقال: أنا تائب، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل.. اذن الكلمة الصادقة المنبعثة من قلب يقربك الى الله تفعل افاعيلها. وليس مقابلة الاساءة بالإساءة.
النقطة الثالثة : الاضطهاد السياسيّ: لان تاريخ الاضطهاد السياسيِّ الذي عانى منه المسلمون وصولاً إلى عصرنا الحالي، حيث نتَجَ عن ذلك الميل إلى تكفير الحُكَّام ورجالات الدولة وأهل السلطة. وعندنا تاريخ مليء بالقصص مما عاناه شيعة اهل البيت{ع} بسبب تمسكهم بدينهم وبرموزهم من اهل البيت{ع} وممارسة شعائرهم .
النقطة الرابعة: فقدان الثِّقَة بالعلماء الرسميِّين: أي (علماء البلاط وفقهاء السلاطين الذين اتَّخذوا من علمهم مطيَّةً للتزلّف إلى السلطان) للنيل من حُطَام الدنيا، فكانت النتيجة أن فُقِدَت الثِّقة بهم وهذا سبب عدم تأثيرهم في أبناء الأمَّة، وهذا ما استدعى إقبال أبناء الأمَّة .الى جهات غير اسلامية. يسمعونهم على مضض اولا ثم يستسيغون كلامهم ومعهم من يحثهم لذلك الفكر. تحت مسميات الثقافة والانفتاح والمدنية . ويصفون الفكر القراني بالظلامية والتحجر وكلام ما انزل الله به من سلطان . يساعدهم تيار اعلامي ونساء يستعرضن ما يحلو للشباب مشاهدته.
**ــــ الخلط بين الكُفْر الأصغر والكُفْر الأكبر: حيث إنَّ لفظَ الكفر قد ورد كثيراً في القرآن الكريم والسنّة، ولكنَّه لم يأتِ دائماً بمعنى الخروج من الإسلام، وهو الكفر الأكبر، بل أتى أيضاً بمعنى كفْر النِعم مثلاً، وهو من الكفر الأصغر، ولذا، فإنَّ الخلط بين هذين الكفرين يؤدِّي إلى التوسّع في دائرة الكفر وبالتالي استسهاله، ويقود إلى الخطأ في إطلاق حكم الكفر الأكبر على كثيرٍ من المسلمين، وهذا ما جاء من فراغ.. هناك فقهاء من مصر كتبوا في مطلع القرن التاسع كتابات يُفهَم منها إخراج الكثير من المسلمين من الإسلام والحكم بكفرِهم. وهذه الكتابات احدثت شرخا كبيرا بين الاسلاميين وغيرهم ممن يحملون فكرا مدنيا او علمانيا.. ولكن المشكلة في العلمانيين والتيار المدني انهم يعممون مبدا التكفير على كل مسلم , هؤلاء الكتاب استغلوا جهل اغلب المسلمين وقاموا بنقل اراءهم في شرح القران واستنبطوا الأحكام من القرآن مباشرةً، فلا بدّ من القول أنَّ إشكاليَّة الفهم للنصِّ الدينيِّ لا تكمن فقط في القرآن الكريم، بل تشمل عدم فهم السنَّة؛ فصار البعض يلوون النص القران او نص الحديث لدعم فكرته . وهؤلاء لا يعملون دون اجر او جهات تدفع لهم .بنفس الوقت لا يوجد زاجر بحكم قرارات تسمى حقوق الانسان .. فتعمّق الالحاد في العديد من الشباب ـ ممّن يُمارِس التكفير ـ بالإسلام، وقلّة معرفتهم فيه وفي فقهه وأصوله وعلومه . الان لو اجريت امتحانا لكل من يقدم برامج دينية سواء في الاذاعات او الراديو او المنبر في الرؤى الاسلامية او العقيدة الالهية والخلقة التكوينية , كيف ستكون النتيجة..؟
ــــــــ عندما نسلط الضوء على ظاهرة الإلحاد نجد أنّ هناك عوامل ساهمت في انتشار الظاهرة، منها عوامل فكرية وعوامل إعلامية وعوامل نفسية
*العامل الأول: هو وجود مدرسة فكرية، جذور يهودية او نصرانية ذات ايدلوجية تتبنى الإلحاد،.لكن لا بد أن نفرق بين الملحد واللاديني والربوبي ,منهم ينكر وجود اخالق لهذا الكون, بينما اللاديني يعترف بوجود الخالق ولكن يقول أنا لا أعترف بالأديان يعني ينكر الانبياء والكتب المقدسة اما الربوبي هو الذي يعتقد بوجود الله ولكن يعتقد أن الله اعتزل وترك الكون يسير عبر أنظمة فيزيائية علمية دقيقة فهو يعيش لنفسه بلا حاجة إلى أن يتدخل الإله في مسيرة الكون. هناك اللاأدبي الذي يقول أنا لا أريد أن أشغل نفسي في الفكر الديني هذا حلال وهذا حرام , وهذا يجوز وهذا لا يجوز. فهم ينكرون وجود حساب وعقاب . وينكرون الغيب اصلا فلا ملائكة ولا جنة ولا نار.!! ويعزون كل ظاهرة في الكون الى قضية فيزيائية .ولا اثر للدعاء مطلقا. بل كل اتصال في الله ليس ضروري.
قدمت احدى قنوات التركية برنامجا تم ترجمته الى العربية . عن حوادث الزلازل والهزات التي حدثت في تركيا في الشهر الثالث من عام 2023 تحت عنوان { فقط 48 ثانية} قال مقدم التقرير . تعطلت جميع العقول التي صدحت في رؤوسنا خلال عقود تحت عنوان العلمانية وان الارض والسماء تسير وفق نظام فيريائي .. فتعطلت عقول العلماء في تركيا والعالم واهتزت الارض وتشققت وسقطت العمارات والبيوت على رؤوس ساكنيها في تركيا وسوريا. وتلتها ردات اجهضت على البقية من البيوت والاراضي الزراعية والشوارع .لم نسمع من جميع من تمكن تصوير الحادثة في الموقع الذي يصور فيه الا صوت { يا الله ارحمنا} وتعالت الكلمات محشوة بالبكاء الله اكبر الله اكبر .
**تابعت في الفترة الأخيرة حسابات الشباب الذين أعلنوا إلحادهم وبعض المقالات والبرنامج الذي بثته قناة الجزيرة الذي تضمن مجموعة من الشباب الذين أعلنوا إلحادهم مؤخرا.. وجدت ان النشر تغير نحو بوصلة ما كانت موجودة من قبل. يقول تعالى{ وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم} صاروا يدعون للمرضى بالشفاء العاجل . فقد 48 ثانية غيرت الارض والافكار . وهدمت ما بناه الناس لأكثر من نصف قرن . سقطت في ثواني ولو تحدث العلمانيون تلك اللحظة مع المفجوعين . لكانت ردة الناس ضدهم قوية كقوة الارتدادات الارضية .
** ما يحتاجه المؤمن في هذه الفترة الاعلامية العاصفة على الدين .؟ قال الامام الجواد{ع}: ” المؤمن يحتاج إلى ثلاثة : توفيقٍ من الله ، وواعظٍ من نفسه ، و قبولٍ ممن يَنْصَحُه “.اما من لا يقبل النصيحة يصفهم امير المؤمنين{ع}.«اِعلَموا أنّهُ مَن لَم يُعَنْ على نَفسِهِ حتّى يَكونَ لَهُ مِنها واعِظٌ وزاجِرٌ، لَم يَكُن لَهُ مِن غَيرِها لا زاجِرٌ ولا واعِظٌ». والواعظُ هو الناصحُ والمرشد، ويتحقَّقُ مِنَ النفسِ عندما يغلبُ العقلُ هوى النفسِ، فيكونُ هو المرشدَ لها، مِن خلالِ المحاسَبةِ على أيِّ فعلٍ تقومُ به، والخوف والحذر من الله عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (ع): «ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ، وَمَا كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ، وَمَا كَانَ الْخَوْفُ لَكَ شِعَاراً وَالْحَذَرُ لَكَ دِثَاراً».
** في معركة كربلاء توجد امثلة كثيرة منهم حين طلب الامام الحسين{ع} من عبيد الله بن الحر الجعفي وهو نموذج ممن خذل الامام ولم ينصرْه هذا الرجل عاصر اربعة من المعصومين: الإمام عليا والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام علي بن الحسين (عليهم السلام)، وعاصر خمسة من خلفاء بني امية . قال ابن منظور:(كان عثمانيا الهوى).رجع إلى الكوفة بعد استشهاد الإمام علي (ع)، بعد أن بيّن لمعاوية أن الإمام علياً (ع) على حق وهو على باطل . التقى به الإمام الحسين (ع) وهو في طريقه إلى كربلاء، وعرض عليه الانضمام إلى جيشه ونصرته، فأبى وقدم سيفه وفرسه للإمام الحسين (ع)، فرفض أخذهما وقال له: (إذا بخلت عنا بنفسك فلا حاجة لنا بمالك) ثم تلا قوله تعالى: {و ما كنت متخذ المضلين عضدا} وقال:(سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: من سمع واعيتنا أهل البيت ولم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار).رجع إلى الكوفة بعد واقعة كربلاء فاتهمه ابن زياد بأنّه كان يقاتل مع الحسين فقال لابن زياد:(لو كنت معه لرُئي مكاني).ثم يقال انه ناصر المختار ولكنه غدر به لأسباب مادية .ووصل به الحال أنه بايع عبد الملك بن مروان . لما هرب من ابن زياد مرّ بكربلاء، ونظر إلى مصارع الحسين (ع) وأنصاره، فرثى الإمام بابيات وهو أول من رثى الحسين (ع). جلس عند القبر الشريف وقال: فَيا لَك حَسرَةً ما دُمتُ حَيّاً / تُرَدِّدُ بَينَ حَلقي وَالتَراقي / غداة حُسينٌ يَطلُبُ نَصري
/عَلى أَهلِ العَداوَةِ وَالشَقاقِ/ وَلَو أَنّي واسيتهِ بِنَفسي/ لَنِلتُ كَرامَةً يَومَ التَلاقي /فَقَد فازَ الأُلى نَصروا حُسَيناً/وَخابَ الآخَرونَ أُولو النِّفاقَ // ولكنه كان منافقا فقد ثم شارك مع مصعب بن الزبير في قتال المختار الثقفي.
وصورة مشرقة اخرى لوهب بن حباب الكلبي هذا الرجل خرج ليلاً ومعه امه وزوجته حتى اتى الحسين{ع}بكربلاء فاقام معه، حتى صار يوم العاشر، قالت له امه : قم يا بني فانصر ريحانة رسول. قال: أفعل يا أماه فبرز إلى المعركة يقاتل حتى قتل منهم جماعة، ورجع إلى امّه وامرأته، وقف امامها قال :أماه أرضيت عني؟فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين. فقال لأنعمنك عينا فخرج للقتال فقالت له امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.فقالت أمّه: بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللّه، فرجع يقاتل حتى قَتل جماعة وكان يرتجز ويقول:
إن تنكروني فأنا ابن الكلبي *** سوف تروني وترون ضربي *** وحملتي وصولتي في الحرب *** أدرك ثاري بعد ثار صحبي/ فسمع صوتا من خلفه . وهب قاتل دون الطيبين ابن محمد رسول رب العالمين فرأى زوجته تعدو. قال لها امة الله قبل ساعة كنت تنهيني عن القتال. والان جئت تقاتلين معي . قالت يا وهب لا تلمني ان واعية الحسين كسرت قلبي. قال ما الذي سمعتيه منه .؟ قالت رايته واقفا بباب الخيمة ينادي وا قلة ناصراه *قال لها : ارجعي الى النساء رحمك الله , فأبت ان ترجع ولم تطاوعه , واخذت تجاذبه ثوبه وهي تقول : لن ادعك او اموت معك . فطلب وهب من الحسين ردها الى الخيمة . فقال لها الامام”جزيتم من اهل بيت خيراً” ! ارجعي الى النساء رحمك الله , فانصرفت وهي تقول : اللهم لا تقطع رجائي . فقال الامام الحسين (ع) : لا يقطع الله رجاك ثم رجعت الى الخيمة فلما رات زينب ذلك نادت :
تنادي يخويه ومالك معين. وكومك على الغبرة مطاعين/ انا منين اجيب المرتضى منين/ عن كربلا بويه غبت وين/ ندري لامية عليك اكو دين/ يطلبون ثار ابدر وحنين/ فزعوا فرد فزعه على حسين:
شيخان والعوجة اعدلوها // وارواحهم كلهم فدوها // لريحانه الهادي ابذلوها // لجن يا حيف زينب ما احضروها // من يوم للطاغي خذوها // وتسمع باذنها شتم ابوها // وينك يبو فاضل يخوها .
الشيخ عبد الحافظ البغدادي