أهوى رباك وكيف لي بمنازل****** حشدت علي ضغائباً وحقودا
لو شئت أن تعطي حشاي صبابة***فوق الذي بي ما وجدت مزيدا
بشر أقل صفاته ان عاينوا ********* منهن ما ظنوا به المعبودا
وصفات فضل اشكلت معنى فلا***** **اطلاق يكشفها ولا تقييدا
سبقت مكارمك المكارم مثلما **** **ختمت لفخار عمرك الترديدا
فليحسد الحساد فضلك أنه ******شرف يزيد على المدى تجديدا
هناك شخصيات عبر التاريخ يحترفون الشعارات الرنانة والتعهد بالوفاء للمباديْ وحب المجتمع كما يحب نفسه .ولكن حين تأتي الشدة او تتحقق ظروف المصلحة الشخصية تفضحهم مواقفهم البعيدة عن الشعارات التي رفعوها , تنكشف حقيقة الشخص ويكون غير مبدئي. ولذلك الانسان العاقل الكامل هو من يبحث في المواقف وليس في الشعارات.
لان المواقف تصنع الرجال( رجال المواقف) هؤلاء لا تلدهم امهاتهم بل تلدهم المواقف .معدن الرجل يبين في موقف يمكنه ان يهرب ولكنه لا يهرب رجولته تمنعه ,يمكنه ان يسرق المال ويزني او يكذب على الناس .. ولكن في داخله شعور انساني يمنعه ان يرميب نفسه في الباطل.
** الحياة لا تخلو من التعرض إلى المواقف التي تجبر المرء على التصرف بحكمة، كما أن الدنيا مليئة بالمواقف التي تساعدك على التعلم لتخطو نحو الأفضل.. اذن المواقف هي التي تجعلك تعيد النظر في علاقاتك الإنسانية والاجتماعية والعاطفية، لهذا فالمواقف الحياتية مدرسة تستحق من خلالها صفتك بما تعلمته منها من دروس الحياة، وتكون لك صورة يراها الناس يميزك بين الصادق والكاذب وبين النزيه والمحتال..
** توضيح اخر: المبادئ الدينية والانسانية ليست مفاهيم نظرية وشعارات تحسب لمن يتكلم بها, ولا كلمات عابرة يكتبها التاريخ عن فلان وفلان حسب حبه له واخر يكرهه يكتب عنه عكس حقيقته . القيم والاخلاق لا بد ان تترجمها مواقف وأفعال يسجلها تاريخ اصحاب القيم.ـــ لاننا لو حكمنا على القيم من خلال الكلام دون الرجوع الى تاريخ الشخص المترجم عنه , تصبح القيم مجرد كلام هراء .
قرأنا في التاريخ وسمعنا عن شخصيات عن كثير من الناس يتكلمون بقيم السماء ولا يبين موقفهم انهم يحملون شيئا من تلك القيم , فكل ما نسمعه او نقرأه لا بد ان يخضع الى واقع ولا نأخذه مجرد ان نسمع به .. ثم تظهر حقيقة مغايرة غير التي سمعناها ..
ـــــ> هذه الاطروحة اسلطها على حياة امير المؤمنين(ع) لنبين كيف انفرد هذا الرجل بمواقف تؤهله ان يكون على قمة من يحملون مواقف شريفة تتوافق مع راي السماء والانسانية , ولا غرابة في رجل قال عنه رسول الله (ص) ” علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار”. نعيش هذه الليالي ذكرى استشهاد الامام امير المؤمنين (ع) وهي المناسبة التي يحييها ملايين المسلمين في شرق الأرض وغربها.
**ارتأيت أن أسلط الضوء على الدور الكبير الذي لعبه الامام(ع) في وضع (حجر الأساس لمنظمة الأمم المتحدة وميثاقها) في مفهوم حقوق الانسان .. وهذا الامر اعترفت به المنظمة العالمية لحقوق الانسان ان الرجل الاول في العالم من يستحق ان يطلق عليه الرجل العادل هو امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) لان سيرته الشريفة في “العدالة والمساواة والحرية والعلم” وغيرها من القيم الإنسانية التي وضعها الامام عليُ (ع) كانت منهاجا له بامتياز , وسجلها تاريخه ” انه ربيب القران فكان اول من وضع اسس العدالة الانسانية ,جاءت منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها العالمية لتعلن ان معلم الانسانية وواضع حقوق الانسان هو شخص مسلم اسمه علي بن ابي طالب(ع).
هذا القرار يعتبر من القرارات الرسمية التي اصدرتها الامم المتحدة عام 2002م تطرقت وكالة الأمم المتحدة الإنمائية الى سيرته العطرة التي تتعلق بالحكم والعدل “اقتبسوها من عهده الى مالك الأشتر عندما ولاّه على مصر.. وجدت الامم المتحدة ان هناك توافق وتطبيق بحذافير ما كتبه لواليه مالك الاشتر”, حول كيفية ادارة الدولة , حيث بين الامام الاسس الدينية الاسلامية التي يجب ان يتبعها الحاكم في مراعاة حقوق الشعب في الامور {{المالية والقضائية والعبادية وحريات الناس وحدود الحرية}}.
فما هي الاسس التي تضمنها عهد الامام لمالك الاشتر في ادارة الدولة والتي اعتبرتها المنظمة العالمية تصلح كميثاق لحقوق الانسان .البيان الصادر من الامم المتحدة تضمّن قرابة أربعين موضوعا يعتبر اليوم من أعمدة المبادئ التي تعتمدها الأمم المتحدة. والانسانية هي :
ـــ السيرة الحسنة بكل معاني الاحسان مع الرعية ــ ]ان تكون شرطا على الحاكم علاقة حسنة وانسانية مع الرعية[.وان تتضمن العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ومن اهم العلاقة عدم التكبر, وان ينصف الناس من نفسه , فيصبح حاله حال رعيته . واذا حكم ان يرى نفسه كأحدهم له ما عليهم ولهم ما له .. بهذا يحقق العدل . ساذكر بعض القراران التي اصدرها بهذا الخصوص .. حين تولى السلطة كانت الدولة ممزقة وهناك ثورة اطاحت بالخليفة فاصدر : قرارات في اول يوم من تسلمه السلطة .. وصدق بوعده وبقي ثابتا على كل كلمة عاهد الله والناس عليها .. هذه القرارات هدأت النفوس ولكنها اثارت عليه الحقد وكانت سببا في قتله واقصاءه .بهذا يعتبر التاريخ ان عليا قتله عدالته ضد اهل الباطل. والقران والتاريخ يبين ان الفاسدين لا يمكنهم العيش مع المؤمنين ممن يبحثون عن الحق.
يقول تعالى : وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ : تامروا على نبيهم لانه لا يقبل بالفساد ..ووبَّخهم على فعلهم القبيح ، وركوبهم ما حرم الله من العمل الخبيث ،فقال بعضهم: أخرجوا لوطًا وأهله لانه لا يتوافق مع تصرفاتنا .. هذه الحالة تكررت مع الامام امير المؤمنين (ع) لانه وقف بوجه الفساد المالي .
** كانت أن أول خطبة خطبها ويسمونها اليوم البيان الاول : تضمن قوله كلمات نارية :” ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من بيت مال الله، فهو مردود الى بيت المال، … هذا يعني قرار ضد الفاسدين لاستعادة الاموال المنهوبة ثم قال:{ فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، [وملك به الإماء] لرددته إلى حاله، هنا النظام المالي في حكمه ــ صار بعضهم ينظر لبعض فقال :إن في العدل سعة،!! ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق.
( ماذا عرفت الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان من البيان الاول: القرارات التي يتخذها الحاكم لا بد ان تأخذ طريقها الى التنفيذ , والا تصبح لا قيمة للأوامر التي تصدر منه .فاعتبرت الامم المتحدة هذا القرار يحتاج الى عدالة غير مسبوقة .قرار مثير ونتائجه صعبة ..وله مستقبل غامض مع القوى المتنفذة في مؤسسات الحكم, ونظر العالم كله الى التاريخ ليرى عليا كيف يقوم بتنفيذ العدل الذي اعلنه منذ اول يوم ..انه قرار مثير حقا يحتاج الى رجل وموقف. ولكن الدنيا كلها تعرف ان عليا صادق بكلامه , موقفه كعقيدته .. هنا تحالفت عليه قوى الفساد والمصالح الدنيوية , ثم جاء القرار الثاني اقوى من الاول ..
**بيعة الإمام علي ( ع) استلم الإمام الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة أيام ، ذلك في يوم 25ذي الحجّة عام ( 35 هـ ) فوجد الأوضاع متردّية بشكل عام ، وعلى أثر ذلك وضع خطّة إصلاحية شاملة ، ركّز فيها على شؤون الإدارة ، والاقتصاد ، والعدل في الحكم فاتخذ بعض القرارات. وسأذكر منها بشكل مختصر : القرار الاداري الأول : تطهير جهاز الدولة :
**أول عمل قام به الإمام فور توليته رئاسة الدولة قام بعَزل وُلاة عثمان لانهم فاسدون عملوا لمصالحهم الخاصة، كلهم اختلسوا مال الناس واشهر الفاسدين معاوية بن أبي سفيان وبقية الزبانية . يقول المؤرخون :جاء جماعة مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يقدمون نصيحة له بعد تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ وَ فِرَارِ اغلبهم إِلَى مُعَاوِيَةَ .. لانهم طلاب دنيا .فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذِهِ الْأَمْوَالَ، وفَضِّلْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَرَبِ وَ قُرَيْشٍ عَلَى الْمَوَالِي وَالْعَجَمِ وَ مَنْ تَخَافُ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ فِرَارَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ.فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: “أَ تَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ، لَا وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلَاحَ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ، وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ مَالُهُمْ لِي لَوَاسَيْتُ بَيْنَهُمْ وَ كَيْفَ وَ إِنَّمَا هُوَ أَمْوَالُ الناس “..( هذا المبدأ لا يقفه الا علي (ع) فقط).
القرار الثاني : تأميم الأموال المختلسة :أصدر الإمام(ع)قراره الحاسم بتأميم الأموال المختلسة التي نهبها اعضاء الحكم المُباد .فبادرت السلطة التنفيذية بوضع اليد على الاراضي والقصور التي أقطعها عثمان لأقربائه ، والأموال التي استأثر بها عثمان ، وقد صودِرت أمواله حتى سيفه ودرعه وأضافها الإمام (ع) إلى بيت المال . عندها فزع بنو أمية كأشدّ واشتغلت ماكنة اعلامهم , انهم مهمشون ومستهدفين , واعتبروا الإمام هو الذي قام بالحركة التي أطاحت بحكومة عثمان ، وجاء بعضهم يطالبون الهاشميين للتوسط عند علي(ع) بردّ سيف عثمان، ودرعه، وسائر ممتلكاته التي صادرتها حكومة الإمام. وفزعت القبائل القرشية وأصابها الذهول ، فقد أيقنت أنّ الإمام سيصادر الأموال التي منحها لهم عثمان بغير حقّ .
يذكر التاريخ ان عمرو بن العاص كتب رسالة إلى معاوية يقول فيها : ما كنتُ صانعاً فاصنع إذا قشّرك ابن أبي طالب من كُلّ مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها . فاضطرمت النيران حقدا على علي وابناءه . راح الخوف من العدل والحسد ينهش قلوبهم والأحقاد القرشية طفت على السطح , وسنوا سنة الكذب والسب والشتم في الاسلام ثم اندفعوا إلى إعلان العصيان والتمرد على حكومة الإمام( ع) .
(***)(” هذه القرارات كشفت حقيقتين .. الاولى مسيرة العدل الذي تمثل به امير المؤمنين……..والحقيقة الثانية هم المناوئين للإمام (ع) وسبب عداوتهم لم تكن الا لهذه الاسباب .. هذه القرارات اظهرت للدنيا حقيقة الخطين في الاسلام. اصبحت الاسر القرشية امام العدل في امتحان عسير اما ان يتخذون الاسلام طريقا . والاسلام هو الدين الحق الذي خطه علي بن ابي طالب(ع) او يبينون للتاريخ انهم على خطهم الاول .. وان الاسلام عندهم مرحلة طارئة . ومتى ما تعارضت مصالحهم مع الاسلام يركنونه جانبا ويعودون للنظام القرشي ( القومي والمناطقيوالعشائري).
لذلك عانى الامام أشدّ ألوان المِحن والالم والاقصاء ومن بعده ابناءه الذين ساروا على مبادئه , كما بقيت قريش على مبادئهم ومصالحهم الى يومنا هذا . فكان الصراع طوال الدهر بين الخطين .لم يعرهم الإمام اهتماماً ، انطلق يؤسس معالم سياسته العادلة ، ويحقق للأمّة ما تصبوا إليه من العدالة الاجتماعية .ويعطي الدنيا صورة جميلة لموقف الحاكم امام المنحرفين. .أجمع رأيه على أن يقابل قريش بالمِثل ، ويسدد لهم الضربات القاصمة إن خلعوا الطاعة ، وأظهروا البغي .والحرب فكان يقول 🙁 مَالي وقُريش ، لقد قتلتُهم كافرين ، ولأقتلنَّهم مَفتونين ، والله لأبقرنَّ الباطل حتى يظهر الحقّ من خَاصِرَتِه ، فَقُلْ لقريش فَليضجّ ضَجيجَها)..
هذا العداء لأمير المؤمنين واهل البيت(ع) قابله حب جارف لا يعرف الحدود ولا يقاس بالمال والاولاد , حبه المظلومون واصحاب الحق الضائع الذي اعلنه علي وابناءه (ع) فهو بمثل ما بغضه اعداءه . احبه مواليه .
هوى رباك وكيف لي بمنازل **** حشدت علي ضغائنا وحقودا
لو شئت أن تعطي حشاي صبابة**فوق الذي بي ما وجدت مزيدا
بشر اقل صفاته أن عاينوا ********منهن ما ضنوا به المعبودا
وصفات فضل أشكلت معنى فلا ***** أطلاق يكشفها ولا تقييدا
سبقت مكارمك المكارم مثلما******* ختمت لفخار عمرك الترديدا
فليحسد الحساد فضلك انه ****** شرف يزيد على المدى ترديدا
ــــ الرابع : السياسة المالية :اهم الممارسات التي تبين معدن الانسان هو تعامله مع المال,حين استلم الامام السلطة كانت السياسة المالية التي انتهجها امتداد لسياسة الرسول(ص) الذي ساوى بين الناس كأسنان المشط ،بحيث لا يبقى فقير أو محتاج .ومن مظاهر هذه السياسة هي :
ــــــ اعتمدت رسالة الأمم المتحدة عهد الامام لمالك الاشتر انها من أوائل الرسائل في حقوق الانسان كونها تحدد الحقوق الواجبات بين الدولة والشعب؛ ولما وصل هذا العهد الى الأمين العام للأُمم المتحدة عبر زوجته السويدية .قال الأمين العام للأمم المتحدة: (إنّ هذه العبارة من العهد يجب أن تعلّق على كلّ المؤسسات الحقوقية في العالم، طرق صوت على اذان الدنيا ليقول ان الاسلام دين الانسانية وحقوق الانسان العبارة هي : “وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق”، وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس المؤسسات الحقوقية والقانونية عهد الإمام لمالك الأشتر، واقترح ترشيح الامام ان يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة غير عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كمصادر للقانون الدولي.
أخو الذكر والمحراب ان جن ليله ***وصنو القنا والسيف ان طلع الفجرُ
وفارس مضمار البيان بــــنهجه ***** تلاقى البيان الجزل والفكر والغرُ
تزود منه كل عصر كما اشتهى *********** ومازال للدنيا بمزوده ذخرُ
ستلقاه حياً في الروائع كلها **********وفي كل سفر من روائعه سطرُ
فان قيل هذا قبره قلت أربعوا ********أهذا الكيان الضخم يجمعه قبرُ ؟!
ولكنه باب الى معطياته ***************يمد غناه من بـــــساحته فقرُ
سياسة الامام علي في توزيع الثروة : فكانت اقوى الخطوات هي المساواة في توزيع العطاء ، فليس لأحد على أحد فضل أو امتياز ، وإنّما الجميع على حدٍّ سواء .من اين جاءت الثروة وكيف تضخمت عندهم .؟ المعروف ان النبي والغالبية من الصحابة كانوا فقراء .. كيف اغتنوا من بعد الفقر، حتى بلغت ثرواتهم ملايين الدنانير، وآلاف العبيد، والأراضي، والماشية… من أين جمعوا هذه الثروات؟ في الحقيقة، أتت من مصادر ليس لها علاقة بمفهوم الرزق بها، واصبحوا( لا يدين الصحابة بالنظرية الاسلامية في هذا الجانب ) كانوا أبناء عصرهم، لو نزعنا عنهم هالة القداسة التي أُسبغت عليهم بعد حين من التاريخ .. لقد كانوا بشراً منتصرين بالإسلام فقط. وتحولوا من الجوع إلى امتلاك نصف الشرق الاوسط القديم ..تنقل لنا الرويات صوراً من حياة الفقر التي عاشها النبي محمد(ص) وأصحابه في مجتمع المدينة، وصلت حدّ ربط الأحجار على البطون الجائعة. وبالطبع لم تكن هذه الحالة سائدة طول الوقت، فقد كان للنبي وصحبه مصادر اقتصادية تأتي من العمل الحربي. وتطورت عمليات الغزو في زمن الخلفاء ونتجت عنها موارد مادية بأرقام لم يسمع عنها العرب من قبل.
ودخل الذهب في تعاملهم ,يصف محمد عابد الجابري في كتابه “العقل السياسي العربي” الوضع الجديد بقوله: اختلفت غنائم العراق والشام وغيرها عن الغنيمة التي عرفتها قبائل العرب فيما بينها من إبل وشياه، فالأمر هذه المرة يتعلق بخزائن الدول الكبرى واموال خيالية .
دول ذات حضارة ليست قبيلة او مدينة بل دول ومدخرات مدن، وغلات حقول وبساتين، وأموال منقولة من ذهب وفضة، فضلاً عن الماشية. وكان نصيب المركز الخمس، وهو شيء ليس قليل ،فاصبح خمس الحرب مصدرا يغري الاشتراك في حروب لانها تدر اموالا لا نقدر على احصاءها ثم الخراج هو ضريبة الأرض التي فُتحت عنوة هذه الاموال لم تُوزّع على المقاتلين والمسلمين بل بقيت ملكاً لبيت مال المسلمين، يروي الجابري أرقاماً تقريبية عن دخل الخراج في عهد عمر فيذكر أن خراج أرض السواد (ما بين نهري دجلة والفرات) قُدر بـ80 مليون درهم، وتصالح أهل مصر على 140 مليون درهم. ما عدى اراضي الشام، وأفريقية، وفارس، واليمن ومناطق اخرى , كانت سياسة أبي بكر توزيع ما يرد إليه من المال، إلا أنه لم يكن مالاً كبيراً مقارنة بما صار في عهد عمر حين كثرت مداخيل بيت المال, لذلك (أوجد الدواوين وفرض للناس عطايا سنوية بدلاً من توزيع ما يرد إليه مباشرة. .. وكان مفهوم العدل في عهد عمر هو إنزال الناس منازلهم، يحدد العطاء بالقبيلة ،وعلى أساس السابقة في الإسلام ..ونزولاً لباقي المسلمين حسب سنوات إسلامهم، وتضحياتهم في سبيل الدعوة، فترتب على ذلك وضع تميّز فيه الصحابة، فكان ذلك أحد عوامل تكوين ثروات ضخمة لعدد كبير منهم. وما أن وُلّي عثمان حتى تصرف في مال المسلمين كأنه ماله، وراح يخص أقاربه بالعطاء، وزاد في عطاءهم حدا غير معقول . وكان ذلك احد اسباب الثورة عليه .
_ لما جاء الامام استلم الاموال فغير طريقة دفع العطاء , اعاده كما عمل رسول الله (ص) ومن أبرز ملامح برنامجه السياسي الاقتصادي التوزيع العادل للثروة وإشاعة الرخاء والانتعاش الاقتصادي للناس دون تمييز أو اعتبار خاص، فقد ساوى بين السكان كلهم فكان لليهود والنصارى من الحقّ كما للمسلمين, بخلاف ما حدث من تمييز وثراء لفئة دون أخرى كثراء بني أمية على حساب الفقراء في انظمة سبقته. وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم ، فأعلنوا سخطهم وعداوتهم على الإمام (ع) .فعاتبوه على حرمانهم من الامتيازات والقرارات التي اكتسبوها من الجهاد فأجابهم:( لو كان المال لي لَسوّيتُ بينهم فكيف ،والمال مال الله ، ألا وإنّ إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ،يرفع صاحبه في الدنيا ، ويضعه في الآخرة.يُكرّمه في الناس ، ويهينه عند الله ) . فمن حق الامم المتحدة ان تعتبر حياة هذا الرجل قمة في الانسانية وحقوق الانسان ..بعد أن ضرب أمیر المؤمنين(ع) قال: احملوني إلى منزلي، یقول ابن الحنّفیة: حملناه وراسه ينزف دما وهو في حالة نِزاع، وكان الناس باكین محزونین، ثم التفت إليه الحسین(ع) وھو یبكي، فقال له: یا أبتاه من لنا بعدك؟ یعّز والله علي أن أراك ھكذا، فناداه علیه السلام :یا أبا عبد الله ادن منّي،فضمه الى صدره ومسح الدموع من عینیه ووضع یده على قلبه، وقال :.”ربط الله قلبك بالصبر، وأجزل لك ولإخوتك عظیم الأجر، فسِّكن روعتك واھدأ من بكائك، ..
ثّم صار يشمه والحسين يقبله ويحتضنه ويبكي واذا بالحسين يشعر بيد تبعده عن ابيه .. يبدو انها يد امراة تريد ان ياتيها الدور . قالت له : ابتعد ابو علي ودعني اودع ابي .نهض الحسين وجلست زینب على فراش امير المؤمنين ملتصقه بابيها وصارت تندبه تناديه : یا أبتاه من للصغیر حتى یكبر؟ ومن للفقراء بعدك , فضّج الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحیب، فسمع امير المؤمنين وفاضت دموعه ,وجعل یقلِّب طرفه في أولاده،
ثّم أغمي عليه لما أفاق وجد زينب عند رأسه، والحسين عند رجلیه، ففتح عینیه فنظر إلیھم وقال: الرفیق الأعلى خیٌر مستقراً وأحسن مقاما .ثّم عرق جبينه فسأله ولده محمد بن الحنفية ابا أراك قد عرق جبينك .. قال بني سمعت رسول الله (ص) يقول : اذا دنت منية المؤمن عرق جبينه وسكن انينه .. فنادوا جميعا وأبتاه وإماماه .
فسمعوا اصواتا تهدر بالبكاء خارج المنزل :.. خرج الامام الحسن , فراى شيعتهم ومواليهم جالسين خارج الدار وهي يبكون وينوحون ,من لنا بعدك .. فقال لهم ان ابي مجروح ويغشى عليه ولا يمكنه ان يقابلكم .. اذهبوا الى بيوتكم جزاكم الله خيرا .. ثم دخل الدار واغلق الباب .. فجاءوا اليه بلبن فشرب منه قليلا , ثم رفعه من فمه .. وقال بني حسن هل اطعمتم اسيركم, خذوا هذا اللبن اليه بني اسقوه مما اشرب . ثم غشي عليه وافاق ووجهه اصفر من شدة السم .. فبكى ابناءه عندها سمعوا اصواتا خارج الدار .. ففتح الامام الحسن(ع) الباب وقال الم اقل لكم اذهبوا الى بيوتكم ..؟ قالوا ان أقدامنا لا تحملنا ومولانا امير المؤمنين بهذه الصفة نريد ان نودعه .. فدخل على الإمام واخبره فقال له الامام .ليدخلوا ويكون سلامهم بالاشارة , فان امامهم لا يستطيع ان يمد يده .. فدخل الشيعة والمحبون يلقون النظرة على امامهم ويرونه باية حال معصوب الراس وجهه اصفر من شدة السم وقد تورم وجهه .. فألقى الاصبغ بن نباته بنفسه على قدم امير المؤمنين يقبلها : ويقول من لنا بعدك يا امير المؤمنين :فساله الامام من هذا ..؟ قال أنا الاصبغ .. فقال له يا اصبغ لا تبكي إنها الجنة .. فقال سيدي اعلم انها الجنة ولكن ابكي على أنفسنا من لنا بعدك …
بقي أصحاب الإمام يفدون فرادى وجماعات .. وبنات رسول الله داخل الدار يسمعن البكاء ولا يتمكن رؤية المولى ,زينب تجلس وراء الباب تسمع أباها بين لحظة وأخرى. رفقا بي يا ملائكة ربي , فلمثلها فليعمل العاملون .. وكانت تتمنى رؤية اباها … ففتح الباب ودخل الحسين (ع) داخل الدار فاستقبلته العقيلة زينب تساله عن ابيها .يحسين انشدك عن ولينا * يخويه احجي لا تخبي علينا ..انا كلسا تره اسمع ونينه *بلجن حالته هليوم زينه * عليك بضلع امنا الحزينة..يكلها يزينب يا حزينة* اخبرج خبر لا تظهرينه
كلسا عرك ينضح جبينه *** والضربة مسمومة وثخينه احنا من ابونا ايسينه .. نادت لون الولي تمم اصيامه * واجو هل ناس يهنونه السلامة
واسمع على المنبر خطاباته وكلامه *** لنشر بيارغ بالبلد واعمل الزينة.